الدول التي وقفت ضد ثورة 26 سبتمبر كان هدفها إقامة “إمارة إسلامية” في اليمن بدلاً عن النظام الجمهوري

الخبير الاستراتيجي والمحلل العسكري العميد الركن عبد الهادي أحمد الشبطي لـ”ٹ “:

100 ألف شخص من الموالين والمرتزقة الأجانب زحفوا على صنعاء لكنهم فشلوا

النصر الحقيقي للثورة  كان في 28 فبراير 1967م بعد هزيمة الملكيين في حصار السبعين

لقاء / أحمد الطيار

يؤكد الخبير الاستراتيجي العميد الركن عبد الهادي أحمد الشبطي أن مخططاً دولياً لإنشاء دولة إسلامية أو إمارة إسلامية في اليمن كان وراء استمرار الحرب منذ 26 سبتمبر 1962م وحتى فبراير 1968م، فالدول الراعية للملكيين كانت تدفع بضرورة اجتثاث الثورة والجمهورية في اليمن وإحلال إمارة أو دولة إسلامية محلها ،وعندما رفض الجمهوريون التخلي عن الجمهورية ورفعوا شعار “الجمهورية أو الموت” كان الدعم للملكيين بالمال والسلاح قد بلغ أوجه عقب انسحاب القوات المصرية من اليمن إثر هزيمة 67م، وبالتالي قرروا إسقاط صنعاء.
في هذا اللقاء مع الخبير الاستراتيجي العميد الشبطي نتذكر تلك الأحداث كتاريخ يحكى نضالاً متواصلاً لليمنيين للخروج من معاناة التدخلات الخارجية في سياسة وحركة بلادهم فمع التفاصيل:-

* كيف كان الوضع الجمهوري قبل حصار السبعين؟
– كان حصار صنعاء والذي بدأ منذ يوم 28 نوفمبر 1967م حدث كبير فهو ضمن المصائب التي جمعت الوطنيين اليمنيين لتفادي المهانة والمذلة التي أريد بها فرض الملكية على شعبنا اليمني البطل قهراً، لقد بذلت محاولات جريئة قبل وبعد هزيمة حزيران 67م وكانت هزيمة للعرب كاملاً، وجددت الآمال للرجعية العربية لاستعادة موقعها في استعادة عاصمة اليمن التاريخية صنعاء.
لقد بذل الرئيس جمال عبد الناصر في الخرطوم نهاية أغسطس 1967م قصارى جهده لإقناع الملك فيصل بعدم تدعيم المرتزقة من الملكيين والقبائل، وعلى الطرف الثاني الجمهورية العربية المتحدة عدم الدعم كذلك، لكن مخطط الاحتلال لصنعاء كان متفقاً عليه بين الدول الرجعية، وكان المخطط إنشاء دولة إسلامية أو إمارة بالرغم من انعقاد عدة مؤتمرات تدعو للسلام، منها في أغسطس عام 1963م عقد مؤتمر للأطراف المعنية في عمران بين الملكيين والجمهوريين وكان هذا تمهيداً لإشراك جميع الأطراف في الحكم ولكن لم يتم  وفي عام 1964م عقد مؤتمر اركويت في السودان بين الوفد الجمهوري برئاسة الشهيد محمد محمود الزبيري والوفد الملكي برئاسة أحمد محمد الشامي، وفي العام 1964م وقع الأعيان والمشايخ والسياسيين على وثيقة الطائف التي تدعو إلى إنهاء النظام الجمهوري وتبديله بإمارة إسلامية، وفي عام 1965م عقد مؤتمر خمر الشهيد (نسبة إلى الشهيد محمد محمود الزبيري) الذي مضى في نفس اتجاه مؤتمر الطائف وفي عام 1965م عقد مؤتمر في الجند تأييداً لمؤتمر خمر على أساس إشراك جميع الأطراف في الحكم، وفي عام 1966م وقع الرئيس المرحوم جمال عبد الناصر والملك فيصل على بيان يدعو الطرفان الملكيين والجمهوريين للتصالح، وتحديد كيفية الحكم، وفي عام 1966م عقد المؤتمر في حرض وترأس الجانبين الملكي أحمد الشامي والجانب الجمهوري القاضي عبد الرحمن الارياني، وكانت مهمة الوفد الجمهوري إقناع المعارضين من الملكيين بالاشتراك في حكم الجمهورية العربية اليمنية وصار الطرفان مختلفان، وفي عام 1967م عقد مؤتمر الخرطوم على إثر نكسة حزيران، وكان موضوع النزاع في الجمهورية العربية اليمنية على رأس الأعمال.
حرب حزيران
* ما تأثير هزيمة يونيو حزيران 1967م على الوضع العسكري للجمهوريين؟
– أثناء وجود القوات المصرية في اليمن لم يستطع الملكيون أن يفرضوا شروطهم في أي مؤتمر نظراً لقوة الوجود المصري داخل اليمن وبعد انسحاب القوات المصرية من اليمن بدأت تظهر بعض الآراء من قبل الملكيين، وبالرغم من الاتفاق بعدم الدعم  للطرفين، لم تلتزم السعودية بذلك والدول الحليفة معها واستمر الصراع في صنعاء بين الجمهوريين المعتدلين والجمهوريين المتشددين مما أدى إلى انسحاب بعض المشايخ والضباط والمثقفين فاشتدت هوة الخلاف وكان الوسيط دائما طلعت حسن قائد القوات العربية وكان الحركيون والناصريون مع الرئيس المشير عبدالله السلال رئيس الجمهورية والمعتدلين تارة يؤيدون السلال، وتارة يتأرجحون بين هذا وذاك لأنهم متردوين وغير واثقين بالانتصار الجماهيري.
بعد هذه الأحداث والدعم اللوجستي والعسكري والمادي بالذهب الأحمر دخل الملكيون المعركة وهم واثقون بالنصر فقامت جماهير الشعب اليمني من المقاومة والناس الشرفاء من الضباط والمشايخ قرروا الدفاع والقتال تحت شعار “الجمهورية أو الموت”.
انقلاب نوفمبر
* ما أبعاد أحداث 5 نوفمبر وإبعاد السلال عن الحكم على الأوضاع في اليمن؟
– عندما حدث الانقلاب على السلال في 5 نوفمبر 1967م م كان النزاع قد اشتد داخل القيادة اليمنية بين الجناح المعتدل من قيادات الثورة والجناح المتشدد والذي كان يضم الناصريين والقوميين والبعثيين العرب.
حدث أن شيوخ القبائل الذين كانوا مع الجمهورية بعد عقد عدد من المؤتمرات منها مؤتمر حرض ومؤتمر الجند ومؤتمر خمر كل تلك المؤتمرات كانت الهدف منها إلغاء مسمى الجمهورية وطرح بدلاً عنه أن تكون اليمن إمارة إسلامية وعدم الالتزام بتسميتها جمهورية وكانت الأطراف الراغبة بذلك يطلق عليها الرجعية العربية وهي التي ساندت الملكيين بالمال والسلاح طيلة السنوات الست من الحرب بين الجمهورية والملكية.
هناك أسماء من المشايخ الذين يعرف عنهم التقدمية مثل الشيخ المناضل أحمد عبد ربه العواضي ونعمان بن قائد براق واحمد علي المطري وحمود الصبري كانوا مخلصين وطنيين.
أما المشايخ المرتبطون بالرجعية العربية فقد كانوا غير واثقين من النصر وحدث أنهم لجأوا إلى خمر وانضم إليهم ضباط ومشائخ خصوصاً عندما اشتد الخلاف بين القيادة اليمنية والمصرية وأدى الوضع إلى إيقاف السلال وعدد من الضباط بالقاهرة وبالتالي تم الانقلاب الذي جاء بالرئيس الإرياني إلى السلطة.
* برأيكم ما السبب الذي أدى إلى الانقلاب في تلك الظروف الحرجة؟
– كانت الفترة من أغسطس 1966م حتى نوفمبر 1967م مرحلة خطيرة في تاريخ ثورة سبتمبر، ففيها وصل الشرخ في جسم الثورة والنظام الجمهوري إلى مستوى خطير وبعد هزيمة الجيوش العربية في 5 حزيران 1967م ، كان لابد للقوات المصرية أن تعود إلى مصر ، وكان ذلك يعني واقعاً جديداً يحتم على كل المؤمنين بالثورة والجمهورية أن تتراص صفوفهم وتتوحد كلمتهم خلف  قيادة قادرة على مواجهة الخطر الذي يهدد الثورة والجمهورية، ولا سيما أن (الجيش اليمني) الموجود في ذلك الحين لم يكن في المستوى الذي يمكنه من سد الفراغ الذي تركه المصريون ، بالإضافة إلى الانشقاق في الصف الجمهوري وعدم وجود (قيادة) يلتف حولها الجميع وتكون قادرة على مواجهة التطورات الجديدة.. كل ذلك كان يدفع بالأمور في صنعاء نحو التغيير.
غادر المشير السلال إلى العراق في زيارة رسمية وبدأ الترتيب وتمحورت فكرة التغيير حول اختيار القاضي عبدالرحمن الارياني رئيساً ليقود البلاد في تلك الفترة الصعبة..
كان القاضي الإرياني محل إجماع لما كان يمثله من دور تاريخي ، ومكانة علمية وعقلية حكيمة كانت ضرورية لتجاوز مرحلة الخطر.
نجحت حركة 5 نوفمبر 1967م في السيطرة على البلاد ، وتم تشكيل المجلس الجمهوري كقيادة جماعية برئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني وعضوية الأستاذ أحمد محمد نعمان والشيخ محمد علي عثمان.. وتولى الأستاذ محسن العيني رئاسة الحكومة.
* ما الموقف الذي اتخذته مصر عقب النكسة تجاه القضية اليمنية؟
– لم تتخل القيادة المصرية عن القيادة اليمنية بل لما كثرت الخلافات بين القيادة اليمنية بعضها البعض فضلوا عدم تكريس هذا الخلاف ونظروا للجانب الأقوى في الأطراف وبالتالي كانت هناك قناعة أن يتم تغيير بالإضافة إلى عامل مهم  يتمثل في أن المشائخ الذين انسحبوا إلى خمر تزايد المنضمين لهم ولأنهم طول المؤتمرات الخمسة كانوا يطرحوا فكرة إمارة إسلامية كان عندهم عقدة من الجمهورية تماماً.
* ما النتائج التي حملها مؤتمر الخرطوم للقضية اليمنية؟
– عقدت القمة العربية في الخرطوم يوم 29  أغسطس  1967م وكان الملف اليمني يتصدر أعمال القمة وجمال عبد الناصر اعترف بالهزيمة وقال إنه مستعد لتسليم الرئاسة لزكريا محي الدين ،في تلك الأثناء استطاعت السعودية أن تنتزع من جمال عبد الناصر اللجنة الثلاثية وهذه اللجنة تم تكوينها من ثلاث دول عبد الناصر اختار العراق والملك فيصل اختار المملكة المغربية وتم اختيار السودان ليكون الوسيط بين الطرفين ولم يصل الرئيس جمال عبد الناصر إلى القاهرة إلا واللجنة الثلاثية قد وصلت إلى صنعاء يوم 6 أكتوبر 1967م على أساس أن يكون الحكم إمارة إسلامية ،عندما وصلوا كان العنصر المشيخي في اليمن قد نهض لاستقبال هذه اللجنة بإيحاء من الخارج .فالذين لم يكونوا واثقين من النصر تجمعوا مع اللجنة ورحبوا بها بقوة ومشوا معها ،في تلك الأثناء حدثت قوة مضادة من داخل صنعاء خرج الناس للشوارع متظاهرين ضد اللجنة الثلاثية ونزل طلاب الكلية الحربية والمدارس والمعاهد للشارع بقوة ومعهم الشيخ احمد عبد ربه العواضي مدير الكلية ومهيوب الوحش وهؤلاء نظموا مظاهرات بشكل كبير جداً وحدث إطلاق نار مما أدى إلى فشل اللجنة الثلاثية في مساعيها وهذا كان أول انتصار.
في تلك الأثناء وعلى اثر مؤتمر الخرطوم وعقب انتزاع ما يسمى اللجنة الثلاثية من جمال عبد الناصر كان الملكيون يزحفون بقوة نحو العاصمة صنعاء واستطاعوا احتلال الجبال القريبة من صنعاء وأقاموا عدة مواقع عسكرية وظهر أن الملكيين يزحفون بمعية 100 ألف شخص من الموالين  والمرتزقة الأجانب في التخطيط والعتاد وهناك قطعوا طريق صنعاء الحديدة وتمركز قاسم منصر في الجهة الشرقية الشمالية والغادر في الجهة الجنوبية الشرقية وشردة وقاسم زقر مكلفين بالجبهة الغربية وكانوا موالين للسعودية.
السعودية لم تلتزم بما اتفقت به مع جمال عبد الناصر على انهم يوقفوا الدعم عن الملكيين بالذهب الأحمر والمال والسلاح والإمداد اللوجستي حتى على مستوى البدلات تمويل بشكل لم يسبق له مثيل.
* كيف بدأ حصار صنعاء؟
– الأزمة اشتدت والرئيس الارياني كان حكيماً في سياسته وذكياً استطاع الوقوف بحزم عمل اجتماع للقيادة والسياسيين والمشايخ المؤيدين وقادة الوحدات العسكرية وقال لازم نشكل حكومة عسكرية واخبروا محسن العيني انك مدني وأنه نظرا للظروف لازم حكومته تستقيل وشكلوا حكومة عسكرية يقودها الفريق حسن العمري وتم استدعاؤه من القاهرة لهذا الغرض.
وتم سحب بعض القوات من خارج صنعاء إلى داخل صنعاء للدفاع عنها ما عدى حيدر كان قائد مدفعية في حراز فبقى هناك لأنه كان بطلاً ووطنياً كبيراً وكان فكرة سحب القوات من خارج صنعاء مهمة على أساس تدعيم القوات الموجودة بصنعاء والموجودة بصنعاء كانت سلاح المظلات سلاح الصاعقة ولواء الثورة واللواء العاشر ولواء النصر وجزء من المدفعية والمدرعات.
بعد اجتماع القيادة السياسية قرروا أن يكون الرائد عبد الرقيب عبد الوهاب نعمان قائد لواء الصاعقة يكون رئيسا للأركان لكنه اشترط عليهم شروطاً قالوا ما هي قال أن أعين قادة الفروع والوحدات من عندي.
* كيف تم كسر التقدم الميداني للملكيين؟
– وصل الملكيون بقواتهم لمحاصرة صنعاء إلى منطقة الحروة بسنحان على بعد 30 كيلو من وسط صنعاء واحتلوا الجبل الطويل في بني حشيش بقيادة قاسم منصر والذي كان يطلق عليه فريق والفريق قاسم زقر والفريق على عشاء، وكان قاسم منصر خبيراً في المدفعية 37 في الحديدة في بداية الثورة وحدث له خلاف مع أحد القيادات اليمنية أو المصرية وعلى إثرها انضم للملكية وكان يتمتع بذكاء وخبرة تكتيكية استطاع أن يقنع السعوديين بأن يتعاملوا معه مباشرة وهكذا كان السديري يقوم بإرسال السلاح والمؤن إليه مباشرة من نجران وكان مكلفاً بالاستيلاء على الجبهة الشمالية الشرقية.
الملكيون طوقوا صنعاء من جميع الجهات حتى أنهم وصلوا إلى عطان بس كان هناك صمود أسطوري من قوات الجمهورية ووصلوا حتى الجرداء والتي كانت بين المد والجزر.
* يقال إن هناك خلافاً حصل بين الملكيين وداعميهم أدى في النهاية لتقهقرهم ما رأيك؟
– حصل خلاف بين السعوديين والملكيين بسبب التسمية المستقبلية للنظام في اليمن فالسعوديون كانوا يريدون إمارة إسلامية والأسرة الملكية رفضت ذلك ولم يعجب بيت حميد الدين ما آلت إليه القضية كما أنهم رفضوا التنازل عن أي شبر من الحدود.

قد يعجبك ايضا