من عذاب الماضي ولد إصرارنا على اقتحام المستقبل
إعداد / عبدالصمد الخولاني
معظم شعوب العالم لها يوم يرمز إلى انتصارها أثناء كفاحها من أجل سيادة وطنها وتحررها من العبودية والاستعمار، ولم يكن لليمن عبر تاريخه يوم وطني يفرح فيه الشعب بانتصاره على سجانيه وجلاديه , حتى قامت ثورة 26 سبتمبر المجيدة وأعلنت الجمهورية وحطمت فيها القيود وهدمت فيها السجون وأطاحت بأعتى حكم رجعي متأله كان لا يرى الحياة إلا لنفسه، وباد عهد الظلم والقهر، وبزغت شمس التحرر والانعتاق، من وضع كان يسلط الشعب بعضه على بعض وترى معظم الناس في المحاكم والسجون ,حتى الأطفال كان يزج بهم في السجون كرهائن, ولا حق لأحد أن يستنكر الظلم والقهر والإذلال . كان الناس جميعهم في قفص الاتهام , ولا براءة لأحد، كانت دولة مجسدة في شخص الحاكم الناهي وكأن الناس في سجن كبير .
والاحتفال بيوم 26سبتمبر هو احتفاء بالحرية وقيمة الإنسان ونزوعه إلى امتلاك مصير نفسه، وتصور مستقبله , وهذا اليوم هو رمز لإرادة الأحرار وعلامة رسمها الضباط الأحرار في سجل الخلود ليبقى هذا اليوم منارة للأجيال ونقطة مضيئة في درب الكفاح , وشاهدا بليغا على أن الشعوب لن تموت مهما اضطهدها الجبارون وقيدها السجانون وأسكت صوتها المستبدون .
معجزة القرن
تُعد ثورة 26سبتمبر أعظم ثورة في القرن العشرين لأنها قفزت بالشعب اليمني ألف سنة من تاريخه، قامت وكل شيء في بلادنا بدأ من الصفر, وكان الزائرون لليمن قبل الثورة من العرب والأجانب يستغربون أشد الغرابة لاستمرار هذا النظام الذي غاب على الكرة الأرضية قبل قرون , وكان حال الشعب يرثى له، وعلى الرغم من النصائح التي كان يتجرأ البعض بها على الحكام ويلفتون أنظارهم إلى ما توصل إليه العالم من تطور وحضارة إلا أنهم كانوا يواجهونهم بالصد وعدم المبالاة بهم .
وقيام ثورة سبتمبر وإعلان النظام الجمهوري في وضع كهذا يعتبر في حد ذاته من المعجزات الخارقة لا سيما إذا قسنا ثورتنا بما سبقها من الثورات العربية .
ومن المسلم به أن ثورة 26سبتمبر كانت المنقذ الوحيد لليمن من القرصنة البربرية التي مارسها ضده حكام العهد المباد مع سبق الإصرار، وبشكل يندر وجود مثيل له في قسوته وفظاظته المتعمدة بالإضافة إلى كهنوتيته، وظل الشعب اليمني العظيم صابرا على ضيم لا يُطاق، مواصلا نضاله بنفاد صبر ردحا من الزمن، حتى تحقق له النصر وأشرقت شمس الحرية في ربوع البلاد دافئة وهاجة خالصة من الزمهرير والسموم، فتنفس الشعب نسيم النصر المنعش .
ثورة ضد الحرمان
أوضاع اليمن قبل الثورة كانت تشكل حالة استثنائية وخير مثال للشعوب الفقيرة والمغلوب على أمرها، فلا توجد سلطة للحكم تنشر الخير والعدل ولا توجد بيئة مناسبة للحياة التي يمكن أن يعيشها الإنسان، لأن كل القطاعات والخدمات معطلة ومعدومة , والجور والظلم والاستبداد والحكم الفردي والفئوي هما السائدان، لذلك كانت الحياة في مجملها جهلاً وتخلفاً وخداعاً ودجلاً ومكراً وشعوذة وخرافات وضحكاً على البسطاء من الناس، أوضاع مأساوية تحمل كل معاني القسوة والبطش والظلم والاستبداد والهيمنة والتعسف واللاإنسانية، كان الناس يعانون الموت بسبب الأمراض المتفشية الفتاكة وعدم وجود مستشفيات وأدوية، وإنما كان العلاج (الكي بالنار) والشعوذة .
إذاً ثورة سبتمبر المجيدة هي نظرة إلى مآسي الماضي ومحاسن الحاضر, فهي وبما تعنيه وتحويه كل كلمة من معنى ثورة حياة الشعب، ضحى وناضل وقدم في سبيل تحقيقها دماء وأرواحاً زكية طاهرة .
علاقة وطيدة
الحياة الحرة الكريمة للإنسان اليمني تتصل اتصالا وثيقا بثورة 26سبتمبر عام 1962م التي شكلت نقطة التحول أو العلامة الفاصلة بين عهدين .. عهد الكهنوت الذي أبقى الشعب حبيس أسوار التخلف والجهل والظلام والاستبداد والبؤس وبدء مسيرة إعادة بناء الحياة في ظروف غاية في القسوة .. استمات فيها الشعب دفاعا عن الثورة التي كانت تعاني من مؤامرات خارجية وداخلية، خارجية متمثلة بالحكم السعودي الذي عمل جاهدا من أجل إفشال قيام نظام جمهوري في اليمن وبمساعدة أمريكية وصهيونية أيضا وعمل بكل ما في وسعه وبذل المال والسلاح والعتاد في اذكاء الفتنة والطائفية والمناطقية من خلال مرتزقته الذين باعوا أنفسهم ووطنهم، كما هو الحال اليوم الذي نواجه فيه العدوان الغاشم والهمجي من الحكم السعودي وحلفائه وبمشاركة من المرتزقة والعملاء والخونة في الداخل والخارج , وكأن التاريخ يعيد نفسه ( المؤامرة مستمرة من قبل السعودية وأعوانها).
ولكن الثوار الأحرار الذين حملوا معاول البناء بعزم وإصرار على اجتثاث إرث التخلف وإقامة النظام الجمهوري الديمقراطي العادل قد مكنهم من ذلك حيث جاءت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م تتويجا لنضالات شعبنا العظيم وتضحياته الجسيمة من أجل نيل الحرية والكرامة والتخلص من براثن الجهل والتخلف والاستبداد .
إن تاريخ ثورة 26سبتمبر الخالدة يقدم البرهان الحاسم على قوتها التي استطاعت أن تدحر أخطر المؤامرات وتتغلب على أكبر الصعوبات وأن تفشل تكالب القوى الاستعمارية والقوى المعادية للتحرر والتقدم بفضل إرادة الشعب المناضل الذي قاوم وببسالة , وقاتل بلا هوادة لتبقى الثورة محتفظة بجوهرها ثابتة على الأرض راسخة في ضمير كل يمني حر .
كل اليمن
لم تكن ثورة 26سبتمبر الخالدة ثورة فئة أو جماعة أو شلة أو نخبة أو فصيل .. وإنما كانت ثورة الشعب كل الشعب , ثورة تخلص فيها الشعب اليمني من النظام الأمامي ثورة وقف فيها الشعب بأكمله ضد الظلم والطغيان والجهل والفقر والمرض الذي خيم على الشعب اليمني لعقود طويلة .