تحقيق/ سارة الصعفاني
تعد العملة الوطنية أحد رموز السيادة في أي بلد وواجهة مهمة تعكس ثقافة ورقي المجتمع، ما يفرض علينا جميعًا حمايتها من العبث والتشويه والتلف احترامًا لأنفسنا وتاريخنا وحضارتنا وتقديسًا لوطننا ودعمًا لاقتصاد البلد لكنها تتعرض للتلف جهلاً وعمداً رغم ضرورتها في التعاملات المالية، ما يدفع الدولة لاستبدال العملات التالفة بغيرها بشكل دائم، لكن نتيجة الأزمات السياسية والظروف الراهنة من عدوان غاشم وحصار اقتصادي وسحب العدوان للعملة وضعف ثقة كبار التجار بالنظام المصرفي وعدم قدرة البنك المركزي على رفد السوق بأوراق نقدية جديدة لعوائق متعددة ما دفعه لإعادة ضخ عملات تالفة ما تسبب في حدوث إشكاليات ومشاكل كثيرة في أسواق التداول:
وبالمجمل فإن العبث بالعملات المحلية ظاهرة منتشرة في البلدان النامية ومنها بلادنا نتيجة ضعف الوعي المجتمعي بأهميتها المادية والمعنوية وطبيعة التداول اليومي للعملة بالطريقة التقليدية، وسخط الناس لضعف قيمتها الشرائية في زمن الأسعار الجنونية في بلد فقير، متوسط دخل الفرد أقل من دولار في اليوم.
وتعد اليمن في مقدمة بلدان العالم في الاستخدام السيئ للعملة بحسب الشركات المتخصصة بطباعة العملة في روسيا وسويسرا، ويعد أصحاب مهن معينة الأكثر عبثاً بالعملة الوطنية.
وتنص المادة (27) من قانون البنك المركزي اليمني،على أن ” يتحمل البنك دفع قيمة أية أوراق نقدية أو عملات تتعرض للتلف نتيجة الاستهلاك والتداول اليومي، وللبنك في حالة حصول عبث متعمد الامتناع عن دفع قيمة العملة “، كأن تجد في ورقة نقدية رقمين مختلفين، حجم أصغر مما كانت عليه ، أرقام طمست، بل وصل استهتار الناس درجة نحت العملة المعدنية وثقب الأوراق النقدية وسحب خيط رفيع منها وكتابة المشاعر وطلبات البيت!.
وبحسب مختصين في البنك المركزي تقدر العملة التالفة سنويًا بأكثر من 18مليار ريال، ويستقبل المصرف المركزي ما بين 50 – 70 مليون ريال من النقود التالفة بشكل يومي، وتقدر العملات التالفة بــ 30 مليار ريال خلال عامي 2014 و 2015م فقط، وكانت آخر عملية إعدام للنقود التالفة عام 2013م، كما أن احتياطي البلد من النقد الأجنبي في تراجع مخيف حيث فقدت 2.5 مليار دولار خلال عام، ما فاقم الأزمات المعيشية في بلد يجمع بين الفقر وسفه الاستهلاك.
وفي الفترة الأخيرة لاحظنا استلام الموظفين رواتبهم عملات ورقية تالفة ومهترئة من الفئات الورقية الصغيرة ومنها عملات ممزقة ومشوهة لم تعد تنفع للتداول حيث تثار الكثير من المشاكل والخلافات أثناء تداولها بخلفية كونها مهترئة وممزقة، وحتى البنوك ومحلات الصرافة ترفض استبدال أو إيداع أو تحويل هذه العملات مع أنها صادرة عن البنك المركزي ” بنك البنوك “.
استياء كبير وتعليقات ساخرة من هذه النقود على نحو القول:” المخطوطات الأثرية أكثر تماسكًا.. حتماً ستواجهنا مشاكل”: “و لماذا تبعثون الموتى من قبورهم؟ “فيرد آخر: ” قد نعود لزمن المقايضة، “وانتشرت النكات وسرد المواقف دونما أخذ في الاعتبار مسؤوليتنا كمواطنين في سرعة إتلاف كل عملة جديدة تنزل إلى السوق أو تفاصيل ما يشن على هذا البلد من حروب اقتصادية ظالمة ومقيتة.
أحمد الأفجم – موظف – يتحدث عن مشكلته: رفض المؤجر استلام الإيجار كون العملات الورقية مهترئة، وبعد تدخل الجيران أخذ المبلغ وكان يصرخ مهدداً بعدم قبول مثل هذه النقود في الشهر القادم.
وتنص المادة 206 من قانون العقوبات اليمني ” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر أو بالغرامة كل من امتنع عن قبول عملة البلاد أو مسكوكاتها المقررة لها إذا كانت غير مزورة ” لكن مشكلتنا كالعادة هي غياب التنفيذ.
وللتذكير المعرفي تختلف قوّة العملة من دولة إلى أخرى حسب مكانتها الاقتصادية والسياسية، وتتمّ طباعة الأوراق النقدية بكميات محدّدة بحسب احتياطي البلد من الذهب والعملات الأجنبية وحجم الإنتاج من السلع والخدمات والناتج المحلي والصادرات، ولمواجهة النفقات يتم ضخ أوراق نقدية جديدة أو حتى بآلية كما حدث، لكن زيادة كمية العملة الوطنية في السوق يتسبب في انخفاض قيمتها فترتفع أسعار السلع والخدمات، وتحتفظ البنوك التجارية بالاحتياطي القانوني كنسبة من الودائع لدى البنك المركزي، وتتغير هذه النسبة وفقاً للتطورات الاقتصادية ، وتعتبر إحدى الأدوات النقدية المتاحة للبنك المركزي.
وبسؤال عبدالرحمن شملان- مدير الفرع الرئيسي لـ”لكاك” بنك عن تقييمه للوضع الاقتصادي والنقدي في البلد قال : تواجهنا مشاكل كثيرة مع عملائنا نتيجة صرف السيولة بأوراق نقدية شبه تالفة ، والسبب الرئيسي هو ما يتعرض له البلد من عدوان ونقص كمية العملة الوطنية سواء بسبب تخزينها في البيوت من قبل المواطنين وكبار التجار لعدم الثقة بالنظام المصرفي هذه الأيام أو من قبل دول العدوان بمحاولتها سحب المبالغ عبر قيمة المشتقات النفطية التي كانت تورد للبلد لإحداث أزمة حقيقية مثلما حدث في عام 94م في العراق، وفيما يخص تدهور قيمة العملة الوطنية نرى وضعنا أفضل عندما نقارن واقعنا بما مرت به دول أقوى منا اقتصادياً، وحددنا سقف لسحب الودائع لا نسمح بتجاوزه.
” الثورة” حاولت الالتقاء بمسؤولين في البنك المركزي لكن المسؤولين اعتذروا عن عدم التصريح لوسائل الإعلام، والاكتفاء بمقابلة المحافظ مع وكالة رويترز “.
أما محمد الأشول – محلل اقتصادي ومحاسب قانوني- فيقول: حدثت أزمة سيولة نقدية إما لنفاد احتياطي الدولار من البنك المركزي فلجأ كبار التجار لحفظ أموالهم في خزائنهم الخاصة لمقايضتها بالدولار أو أنها أزمة لتفادي انهيار الريال أكثر بسبب رفد السوق بعملة محلية جديدة ، وتأثرت السيولة بعد التضييق على البلد اقتصادياً، ومنع إدارة البنك المركزي من استخدام حسابات وأرصدة الدولة في الخارج، وعدم توريد الإيرادات المحلية والأجنبية إلى البنك المركزي في صنعاء من بعض فروعه، وتوجد في روسيا نقود مطبوعة بقيمة 10 مليارات ريال لكن لم تعترف الدول الخارجية بشرعية أحد.
ويبين صالح العلفي موظف في محل صرافة سبب رفض محلات الصرافة أوراقاً نقدية لا بأس بها قائلاً: نعرف ما يمر به الوطن لكن قد تواجهنا مشاكل مستقبلية فنخسر مبالغ مالية، كنا نستبدل العملة التالفة في البنوك، كما أن من العملة ما فقدت قيمتها فعليًا مثل ورقة نقدية برقمين مختلفين بينهما شريط لاصق أو جزء من الرقم مختف أو حجم أصغر مما هي عليه، وأغلبها بهيئة بائسة جاهزة للتمزق وفقدت أجزاء منها لكن تلف الأوراق النقدية ليس بسبب سوء استخدامها فقط؛ فمشكلة التعامل التقليدي واختيار مطابع روسية رخيصة ونوعية رديئة من الورق مسببات لتلف العملة الوطنية.. متى ما صنعنا عملة من القطن والكتان بجودة الدولار بإمكاننا حينها معاقبة المواطنين وليس مجرد لومهم.
ويرى مصطفى المغربي – مدير شؤون مالية بوزارة المالية- أن الأسباب الحقيقية لأزمة سيولة العملة المحلية ليست بسبب تعويم أسعار المشتقات النفطية ولا سياسات البنك المركزي التي قيدت البنوك التجارية في فتح اعتمادات السلع والمواد الغذائية بل بسبب ترحيل السيولة النقدية للمحافظات الجنوبية لمواجهة مرتبات موظفي الأجهزة الحكومية، وكانت السيولة لا تعود للعاصمة حيث تصرف المرتبات مقابل سلع وتتكدس بأيدي كبار التجار.. في بداية الأمر كانت تتم إعادة السيولة عبر البنوك التجارية ومنها تصل كميات للبنك المركزي بصنعاء مقابل نقد أجنبي لإعادة فتح اعتمادات استيراد السلع من جديد،لكن نتيجة الأوضاع الأمنية تم احتجاز المبالغ لعدة شهور ولأسباب مختلفة منها إحجام صغار المكلفين عن التعامل مع البنوك وتكديس العملة المحلية والأجنبية لأسباب ومخاوف تجارية وأمنية.
ويتابع المغربي: ومنذ تهديد -السعودية عبر أدواتها- بورقة الحرب الاقتصادية ثم مطالبتهم صندوق النقد والبنك الدولي بنقل البنك المركزي إلى عدن، وعندما تم الرفض عمدوا إلى استكمال سحب النقد المحلي من تجار الجملة وكبار المكلفين بسبب احتياجهم للعملة الصعبة ومخاوفهم من انهيار الريال اليمني.
ويؤكد أحد الخبراء المصرفيين في البنك المركزي أن الحرب التي يشنها العدوان في هذا الجانب بلغت درجة اشتراط استلام قيمة السلع القادمة من السعودية بالريال اليمني إلى درجة سحب الكثير من الأوراق النقدية الجديدة بل وامتد إلى التالف نفسه ما يشير إلى حجم الحرب على اليمن في هذا الجانب.