صعدة/خالد السفياني –
قديماٍ قيل في الأمثال “كمهدي القضب إلى صعدة” ليدلل ذلك على أن الحركة الزراعية المتميزة التي تعيشها محافظة صعدة ليست وليدة اليوم وإنما امتداد لحركة زراعية نشطة امتدت عبر القرون الماضية ومن دلائل ذلك وجود السدود والحواجز المائىة في كثير من المناطق المتبقية آثارها رغم مرور مئات السنين ومن أبرز هذه الشواهد “سد الخانق” الشهير الذي يعتبره المؤرخون في اليمن ثاني سدود اليمن التاريخية بعد سد مارب.. والذي دمره القائد العباسي إبراهيم بن موسى الجزار سنة 200هـ وكان موقعه جنوب مدينة صعدة في الموضع الذي لا يزال محتفظاٍ باسمه حتى اليوم بـ”الخانق”.
ولقد شهدت محافظة صعدة خلال العقود الزمنية الأربعة الماضية نهضة زراعية غير مسبوقة بفعل المعدات الزراعية الحديثة واعتماد المزارعين على مياه الآبار الجوفية في عملية الري الزراعي حيث يتجاوز عدد الآبار الجوفية الموجودة في «الصعيد» قاع صعدة لوحدها “4800 بئر ارتوازية” وفق إحصائية قبل عشر سنوات من اليوم وقد تمثلت الحركة الزراعية الحديثة في صعدة في إطار أوسع حيث تم استصلاح الأراضي المتروكة والمهملة وتوسيع نطاق الأراضي الزراعية وقد أكدت جودة وخصوبة الأرض صلاحية زراعة كافة أنواع الخضروات والفواكة فمن الفواكه “الرمان العنب الكروم البرتقال اليوسفي الليمون التفاح المشمش البلح البلس الموز ومن الخضروات “الطماط البطاط البامية البصل الجزر الثوم…” وتصدرت الحمضيات الإنتاج الزراعي في صعدة كما تصدرت الطماط الإنتاج من الخضروات واتسمت المحاصيل الزراعية في صعدة بالجودة الفائقة من الفواكة والخضروات المختلفة وفي طليعتها “الرمان والبرتقال والعنب”.
ومع تنامي واستمرار الحركة الزراعية في صعدة بصورة مضطردة سجل الإنتاج الزراعي ارتفاعاٍ كبيراٍ وملحوظاٍ استطاع أن يغطي احتياج المحافظة من كل أنواع الفواكه والخضروات واستطاع أن يغطي ما يقارب من 20 – 25% من احتياجات السوق المحلية اليمنية من الفواكه والخضروات إلى جانب تصدير الأنواع العالية الجودة من الفاكهة خاصة “الرمان” و”البرتقال” إلى دول الجوار وقد غدت الزراعة بصعدة في واقعها الراهن تمثل أهم المهن الرئيسة في المحافظة ويعمل بها قرابة 60% من السكان بحيث أصبحت تمثل أبرز محاور الدخل في المحافظة تتجاوز 68% من الموارد الاقتصادية الثابتة.
دعم الحركة الزراعية
ومما لا شك فيه أن الدولة قد عمدت خلال عقود مضت إلى دعم الحركة الزراعية في محافظة صعدة من خلال استكمال شبكات الطرق لربط المناطق الريفية بالمدن والمحافظات والذي مكن من نقل المنتجات الزراعية بسهولة كما عمدت إلى إقامة عشرات السدود والحواجز المائىة الهادفة إلى توفير مصادر جديدة لمياه الري في ظل انخفاض منسوب المياه الجوفية في قاع صعدة ومن هذه السدود “الحجر الحساو صبر كنا الأبقور….” والتي اسهمت بشكل ملحوظ في الدفع بالحركة الزراعية بصعدة والدفع بالإنتاج الزراعي إلى مستوى أضحى مشكلة استيعابه وتسويقه أهم المشاكل التي تواجه المزارعين في المحافظة في غياب التسويق المنظم والاستفادة من الفائض لهذه المنتجات وفي الحالات التي يتعذر على المزارعين تسويق هذه المنتجات إلى الأسواق المحلية في المحافظات الأخرى وتعرقل عملية التصدير للمنتجات الزراعية عبر المنافذ البرية الشمالية لـ”الطوال علب البقع” فإن فائض الإنتاج من الفواكه والخضروات يتعرض للتلف ويتدنى قيمة المنتجات الزراعية إلى المستوى الأدنى الذي يكبد المزارعين خسائر كبيرة في بعض المواسم للفواكه وللخضروات على مدى العام خاصة إذا ما علمنا أنه لا يوجد في المحافظة حتى الآن ثلاجات للحفظ ومستودعات للتخزين للفواكه والخضروات وعدم وجود مصانع ذات ارتباط بهذه المنتجات للتصنيع الغذائي.
متطلبات واحتياجات
إن قاعدة الإنتاج الزراعي في صعدة من أرض ومزارعين وامكانيات مختلفة موجودة ويمكن أن تتجاوز ما هي عليه اليوم بشكل كبير.. لكن إمكانيات الاستيعاب لهذا الإنتاج الزراعي الضخم غير متوفرة والاحتياج قائم لوجود آلية ناجحة للتسويق الزراعي والاستفادة من حجم الإنتاج الكبير وبمعنى أوضح فإن على الدولة واجب التشجيع للمزارعين وخلق الأجواء المهيئة لتعزيز الإنتاج.
وذلك بإيجاد التسويق الزراعي المنظم من خلال الجهة المعنية في وزارة الزراعة والري تكفل استيعاب المنتجات الزراعية والعمل على تسويقها في مختلف المحافظات للأسواق المحلية.
وإيجاد مصانع ذات علاقة بالإنتاج الزراعي تابعة للدولة أو تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا الجانب لامتصاص الفائض خاصة في الحمضيات وفي مقدمتها البرتقال وكذلك العنب والبطاط والطماط في جانب الخضروات من خلال الصناعات الغذائىة.
إضافة إلى ضرورة وجود شركة عامة أو خاصة قادرة على استيعاب المنتجات الزراعية من الفواكه عالية الجودة من المزارعين لتحمل مسئولية تصديرها إلى الأسواق الخارجية.
وإقامة ثلاجة ومخازن الحفظ والتبريد للمنتجات لاستيعاب الفائض في بعض المواسم وتسويقه في مواسم أخرى بالنسبة للخضروات واستيعاب فائض الفاكهة لكل موسم لتسويقها في المواسم الأخرى حيث ولكل نوع من الفاكهة موسم معين يليه فاكهة أخرى حيث يأتي الرمان ثم موسم البرتقال ثم موسم للتفاح وهذه المواسم لا تتوقف طوال العام.
مع العلم أن الحركة الزراعية والإنتاج الزراعي في صعدة يكفل تغطية نسبة كبيرة من الاحتياج للسوق اليمنية بجودة عالية واسعار منافسة تحد من الوارد الخارجي لهذه المنتجات وهي بحاجة إلى الدعم والرعاية والدفع بها من قبل الدولة.