الإعلام الإمبريالي والايديولوجيا الصفرية
إبراهيم الهمداني
طالما حاولت الأفلام الأمريكية إقناعنا بأن البطل والمجرم كلاهما بطل ويناضل من أجل قضية، فالبطل يؤدي واجبه تجاه وطنه، ويسعى إلى توفير الأمن والحد من الجريمة، بينما يسعى المجرم – في الجانب المقابل – إلى إنصاف مظلوم لم يلتفت إليه أحد، أو توضيح سوء الفهم الحاصل بين الحاكم والمحكوم في قضية من القضايا. في النهاية يبرز كلاهما – بعد رحلة من المطاردة والتدمير – بطلاً أسطورياً،يلتقيان في محراب الوطن المقدس، ويناضلان لأجل مصلحة الوطن العليا، وهذا الترويج خطير للغاية في طرحه ونتائجه، وما يتركه ذلك من الآثار السلبية على الفرد المتلقي،منها على سبيل المثال:
1 – الأثر النفسي السلبي الذي يتجلى في التعاطف مع المجرم،كونه -كما يوهمنا الدور الذي يلعبه – يحمل قضية إنسانية وغاية نبيلة، كفيلة بتبرير الجريمة التي يرتكبها،كوسيلة لبلوغ تلك الغاية، مبرراً قبح الوسيلة بنل الغاية والمقصد المزعوم، ليصبح المتلقي – من حيث لا يدري – أكثر اقتناعاً بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ضمن سياق اجتماعي وحياتي ، تلتقي فيه الفضيلة بالرذيلة، في إطار منظومة سلوكية واحدة، تنسف الفواصل والحدود بين الخير والشر، في عملية مزج لا منطقي بينهما، تتجاوز قانون الشرائع السماوية والقوانين البشرية، جاعلةً من شيوعها وصدورها عن مركز القوة الوحيد، شرعنةً فوقية، تفرض وتلزم الآخر بانتهاجها وتقليدها، أكثر مما تجيب عن أسئلته وتحفظ حقه وتحترم وجوده، لتكون الفوضى المغلفة بالنظام، والرذيلة الممزوجة بالفضيلة، دون حدود أو فواصل، هي السلوك السائد والسلوك المعتمد، والقانون الذي يقيم نفسه على أنقاض ما سواه، وسبيله إلى ذلك القوة والجنس والمال؛ فمثلاً قد يقوم البطل/ المجرم بقتل غني ليأخذ من ماله لقمة لفقير، ومهما يكن في اطعام الفقير من خيرٍ وفضيلة، إلا أنه لا يبرر قتل الغني، كما أن الاحتيال على الظالم بجسد امرأة لإعادة أموال المظلومين، فعلٌ يتنافى مع مبادئ الفضيلة وأسس إقامة الحق والعدل.
2 -الأثر الفكري:وما يتركه ذلك الإعلام من الاختلال والاضطراب المفاهيمي وصعوبة أو استحالة التحديد والتمييز بين الخير والشر والفضيلة والرذيلة، حيث تعمد نظرية الايديولوجيا الصفرية التي يتبناها الإعلام الإمبريالي، إلى انتهاج مبدأ التفكيك، واحتراف الجدلية الفكرية والسلوكية والتناقض المستمر، الذي يهدم كل القيم والمبادئ والثوابت المؤكدة والمتعارف عليها، ليقيم الفوضى بديلاً عنها، ويفتت كل المراكز الكبرى ليحل محلها مراكز صغرى أكثر ضعفاً وهامشية. وهذا يفضي إلى غياب أو تغييب الدلالة الحقيقية والمعنى الفعلي لجملة من المفاهيم والمصطلحات والمسميات، ليصل بها الحال إلى نوع من التداخل والتمييع والتمويه واللبس والتغريب، ومن ثم إعادة صياغتها بطريقةٍ أكثر خبثاً ودهاءً ومكراً وتزويراً وتحريفاً منمقاً، محاولةً بذلك إرساء معنى آخر ودلالة مغايرة، يتماهى فيها الزيف بالحقيقة، والحضور بالغياب، لتحقق من خلال تكريسها بتلك الصيغة، الوصول بالعقل إلى الايديولوجيا الصفرية، التي يتساوى فيها الباطل بالحق والشر بالخير والرذيلة بالفضيلة، ويمتزج كلاهما بالآخر في تساوٍ وتوازٍ كمي وكيفي، وجدليةٍ يرتبط فيها الطرفان ارتباطاً علائقياً متلازماً، وصولاً إلى تكريس ارتباط فكرة وجود الله تعالى بفكرة وجود إبليس الرجيم، ضمن معادلة صفرية يتساوى طرفيها في الإيجاب والسلب، وهذا هو الهدف الرئيس من نظرية الايديولوجيا الصفرية وفلسفة التفكيك، بما من شأنه زعزعة الثقة لدى الذات، وهدم القيم والمبادئ ونسف القوانين، ضمن سلسلة مايسمى تداعيات الفوضى الخلاقة، التي لا يجيد اللعب بمفرداتها إلا البطل /المجرم، السوبرمان الأمريكي خاصة، والغربي عامة، جاعلا من الإسلام والإرهاب معادلة صفرية، ومن الوطن العربي والإسلامي مجال الاشتغال والتطبيق، ومن المسلمين قرابين صفرية وضحايا على كافة المستويات.
وإن يكن بقدر محدود ومتفاوت من سفارة لأخرى، ولكن يمكن القول إن السفارتين السعودية والأمريكية كان لهما نصيب الأسد في صناعة القرار السياسي اليمني، وكل صغيرة وكبيرة في حياة المجتمع اليمني، حتى يمكن الجزم أن معظم الحكومات اليمنية المتعاقبة لم تكن غير واجهات شكلية، ودمى متحركة بأمر السفارات، لا تملك من أمرها شيئا، ناهيك عن شؤون الشعب، لذلك كانت الثورة ضد السفارات والتمرد على وصايتها ضرورة مجتمعية وإنسانية قصوى، لابد منها، قام بها الشعب وها هو يتحمل تبعاتها، ويدفع ضريبة حريته، ويتصدى للعدوان العالمي، والحصار الأممي، صانعا معادلته السياسية الخاصة، وها هو يجني ثمار استقلال قراره لأول مرة في تاريخ اليمن الحديث، سواء بالاتفاق السياسي بين المكونات السياسية الحاضرة على أرض الوطن، او بتشكيل المجلس السياسي الأعلى، الذي يتمتع بصلاحيات الرئيس، ويتحمل مسؤولية إدارة شؤون البلاد في هذه الظروف الحرجة، ورغم كل المعوقات والعراقيل والمؤامرات الدولية الساعية الى إفشال القرار اليمني الخالص، إلا انه سينجح وسينجح المجلس السياسي الأعلى – حسب تصوري – وستنجح الحكومة الى حد كبير، نظرا لما ينتج عن استقلال القرار السياسي من إحساس بالمسؤولية وتقدير لعواقب الأمور.