“بلوغ المرام”.. أحد مصادر تاريخ اليمن الحديث

خليل المعلمي

الاهتمام بالمخطوطات وتحقيقها أمر مهم جداً ولا يقوم بهذه الخطوة إلاّ أصحاب الهمم العالية من الباحثين والمهتمين والأكاديميين، فالمخطوطات هي ذاكرة الأمة ونبضها المستمر عبر الأجيال المتلاحقة، والمخطوطات اليمنية لم تحض بالاهتمام الكافي والتحقيق المستمر والكامل، فثروتنا من هذه المخطوطات كبيرة وتحتاج إلى جهود وتكاتف جميع المؤسسات والهيئات ومراكز البحوث وغيرها لدعم ومساندة المهتمين في هذا الجانب لاستكمال هذا المشروع التراثي والحضاري.
ومن خلال الأسطر التالية نتوقف أمام كتاب “بلوغ المرام في شرح مسك الختام فيمن تولى اليمن من ملك وإمام” والذي ألفه القاضي حسين بن أحمد العرشي وقام بالتحقيق الباحث محمد بن محمد العرشي، ونشرته الهيئة العامة للكتاب في العام 2013م.
فالكتاب من أهم مصادر تاريخ اليمن الحديث وقد قام الأب أنستاس ماري الكرملي – عضو مجمع المشرقيات الألماني، عضو المجمع العلمي العربي، وعضو المجمع اللغوي بمصر قام بنشره في شهر ربيع الأول عام 1358هـ الموافق مايو 1939م، حيث اختياره من بين العديد من المؤلفات عن اليمن وذلك للعديد من المزايا التي ذكرها ومنها: أن الكتاب مستخلص من طائفة كتب قديمة صعبة المنال للساعي والباحث والطالب، وأن مؤلفه وضع في كل بيت شعر أو أبيات شعر اسم دولة أو بيت أو أسرة، كما أن الكتاب وُضع بكلام سهل لا تنافر فيه ولا تعقيد، وأن الكتاب جاء على ذوق المستشرقين الذين يكرهون كل الكراهية الإغراق في اللسان.
وقد وضع الناشر أنستاس الكرملي للكتاب أربعة ملاحق، فالأول: تكملة حوادث الكتاب من عام 1318هـ إلى عام نشره 1358هـ، والملحق الثاني: بلدان اليمن، والملحق الثالث: مطامع الغربيين في اليمن، أما الملحق الرابع: الاتفاقيات والمعاهدات والتقريرات.
وقد شكا الناشر الأب أنستاس الكرملي من سوء نَسخ النسخة التي اعتمد عليها في نشر هذا الكتاب وقد حاول أن يصلح بعض الأخطاء وقد اتضح أن النسخة التي اعتمد عليها ليست الأصلية التي هي بخط المؤلف، وإنما هي نسخة ممسوخة وليست منسوخة كما يقول المحقق في المقدمة.
وبالتالي فقد اجتهد المحقق محمد بن محمد العرشي في العثور على النسخة الأصلية التي بخط المؤلف إلى جانب عدة نسخ وهي النسخة التي طبعت في مطبعة البرتيري في مصر عام 1939م والنسخة التي طبعت في مكتبة الإرشاد وهناك نسخة مخطوطة بخط الكبسي، ولم يذكر الناشر الأب الكرملي ترجمة للمؤلف حيث قال إنه بحث عن ترجمة للمؤلف في القاهرة وبغداد وصنعاء فلم يجد له أي ترجمة.
وما يميز هذه النسخة الجديدة لهذا الكتاب أنها احتوت على مقدمة الدكتور سيد مصطفى سالم أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب- جامعة صنعاء، ومقدمة لمحقق الكتاب وترجمة موسعة لمؤلف الكتاب القاضي حسين بن أحمد العرشي وترجمة للناشر الأب انستاس الكرملي.
ومن محاسن كتاب “بلوغ المرام” فقد ذكر الأب أنستاس ماري الكرملي في طبعة “مطبعة البريتري- مصر- القاهرة 1939م، أن هذا الكتاب مستخلص من طائفة كتب قديمة لا يستطيع المطالع الحصول على ما ورد فيها إلا بأعظم السعي والبحث والطلب وبالجهد البالغ أقصاه وأنه لا يستعمل ألفاظ التحقير والذم أو التكفير في جميع ما يستعمله من الكلام على أعداء الزيدية أو خصوم الأئمة بخلاف سائر المؤرخين، وذكر أن من مزاياه أنه وضع بيت شعر أو أبيات شعر لكل دولة أو بيت أو أسرة، وذكر أن المؤلف العرشي لم يتبع مألوف عادة المصنفين في وضع الفصول أو الأبواب وأنواع التقسيم، بل نظم بيتاً أو أبياتاً لتدل بذلك على مطلبه بل أن المنظوم يكون خفيف الألفاظ فتنطبع في الذاكرة فتذّكر حافظها بالواقعة.
ومن مزايا الكتاب التي ذكرها الأب الكرملي أن مؤلف الكتاب وضعه بكلام سهل لا تنافر في كلامه ولا تعقيد، بل أنه كان يتحاشى بعض الألفاظ العربية الخاصة باليمن إلاّ ما ندر، وأصبح مفهوماً لدى الكبار والصغار والعلماء والجهلاء، بل أنه جاء على ذوق المستشرقين الذين يكرهون كل الكراهية الإغراق في اللسان، ولا سيما المواضيع العلمية والتاريخية والفنية والصناعية.
وقد هدف المحقق محمد بن محمد العرشي من خلال تحقيقه لهذا الكتاب هو تصحيح النص كما ورد بخط المؤلف الذي يعتبر في نفس الوقت إعادة الاعتبار لكتاب بلوغ المرام ولمؤلفه لما شابه من أخطاء وتحريف وتكملة للجهود التي بذلها الأب الكرملي من تصحيح النسخة التي اعتمد عليها في نشره لكتاب بلوغ المرام والتي شكا من كثرة الأخطاء فيها.
ويأمل المحقق من أن يكون هذا العمل باكورة إنجاز لبقية ما تركه المؤلف من كتب تاريخية وكذا ديوانه الشعري ومجموعة خطبه التي لا شك بأنها جميعاً تشكل جزءاً مهماً وتحتل مرحلة هامة من تاريخ اليمن وبالذات ما يتعلق بالقرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين.
وللمحقق عدة أعمال قام بإصدارها منها كتاب (من بواكير حركة التنوير في اليمن- المجموعة الصحفية والأدبية للقاضي أحمد محمد مداعس)، كما قام بتحقيق كتاب (بهجة السرور في سيرة الإمام المنصور) للقاضي حسين بن أحمد العرشي، وقام أيضاً بتحقيق كتاب (برهان البرهان) تصنيف العلامة برهان الدين إبراهيم بن عمر البجلي المولود 854هـ، وقام أيضاً بإعداد كتاب (الثوابت الأساسية في بناء الدولة اليمنية الحديثة).
وبعد أن اجتمعت عدة نسخ مخطوطة ومطبوعة لدى الباحث المحقق محمد بن محمد العرشي فقد اعتمد في منهج التحقيق على أن تكون النسخة الأصلية التي هي بخط المؤلف رحمه الله هي الأصل ورمز لها بالرمز (أ)، ورمز إلى النسخة الخطية الأخرى التي بخط المرحوم السيد محمد بن إسماعيل بن أحمد بن حسين الكبسي بالرمز (ك)، كما رمز إلى النسخة المطبوعة التي طبعت في مطبعة البرتيري في مصر عام 1939م مع الطبعات الأخرى المصورة منها في بيروت بالرمز (ب)، ورمز لطبعة مكتبة الإرشاد التي أشرف على طبعها الأستاذ محمد سالم شجاب عام 2008م بالرمز (ج).
وذكر المحقق الفروقات في النسخ المطبوعة والنسخة الخطية في هامش صفحات الكتاب، وسيلاحظها القارئ كثرة هذه الفروقات والجهد المبذول في هذا المجال.

قد يعجبك ايضا