علماء السوء .. وفتاوى الإفلاس
أحمد يحيى الديلمي
من الأشياء التي تتأبد وتتخلد في ذاكرة الإنسان المسلم عندما تمر به معضلة تتصل بالدين وتطبيقات أحكامه الموجهة للسلوك والمحددة لكيفية التعاطي السليم مع الأحكام والتكاليف العبادية وفق الرؤية التي حددها معلم البشرية الهادي إلى سواء السبيل محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين . من تلك الأشياء الفتاوى والمواعظ الصادرة عن علماء الدين . إذا ما عبروا عن رؤية الدين القويم وترجموا مبادئه وقيمه الثابتة ، إذا تمسكوا بالمنهج فإنهم يبنون الفتاوى والمواقف على مقتضى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
لذلك شدد الإسلام على المواصفات والمؤهلات المطلوبة في العالم الذي يتصدى للفتاوى أو يرتقي بمنابر الوعظ لتبصير الناس بأمور دينهم وأهمها الإلمام بعلوم الدين والورع والزهد والتقوى والثبات على المواقف بحيث تكون الفتاوى التي تصدر عنه ثابتة لا تتحول ولا تتبدل لأنها في الأساس تعبر عن روح الدين وتترجم تعاليمه ، وبالتالي فإن عدم الثبات على المواقف أو الفتاوى وتبدلها يجعل المتلقين في حالة اضطراب وقد يعمق الخلاف ويثير الفتن ويوجج نار الحقد المذهبية كما يحدث في بعض الدول .
تبادرت إلى ذهني هذه الأفكار وأنا أتابع البيان الصادر ممن أسموا أنفسهم علماء اليمن وهي دعوى كاذبة نفاها مضمون البيان لأنه اشتمل على جملة من التناقضات كشفت عن حالة الإفلاس والتخبط والانزلاق عن عمد إلى أوحال الخطيئة من خلال الكذب والتزوير وتزييف الحقائق .
بأسلوب لا أخلاقي مجافٍ لأبسط القيم الإنسانية ، دعا البيان الشباب الإسلامي إلى الاصطفاف للدفاع عن الحرمين الشريفين من محاولات المجوس والروافض السيطرة عليها عبر الهجوم القادم من اليمن .
أليست مفارقة عجيبة أن نجد يمنيين يدعون أنهم علماء دين، يبررون العدوان الهمجي السافر على بلادهم ويعكسون وجهة نظر الدولة التي تتزعم تحالف العدوان وهو موقف مخزي أفقد من وقعوا البيان أي صفة تدل على العلم أو الارتباط بالدين ، فكيف لأي مسلم أن يبارك الاحتلال الأجنبي وغزو بلاده ؟! إلا إذا كان معتدياً أيضاً .
للأسف البيان دل على الخذلان ورغبة البقاء في أحضان المعتدين والمحتلين والإمعان في خدمة المكاسب والمصالح الخاصة على حساب أنهار الدماء وأشلاء الأطفال والنساء والتبرير للأعمال الوحشية من عدو متغطرس لا يحترم تعاليم الدين ولا يراعي القيم الإنسانية ويرمي عرض الحائط بالمواثيق الدولية .
يا علماء السوء العدوان رفع وتيرة الاعتداءات بصورة أكثر وحشية وبشاعة من بداية الحرب يقتل ويدمر ويأتي على ما تبقى من البُنى التحتية دون حاجة إلى بيانكم المهين فهل تعتبرون هذا جهاد في سبيل الله ودفاع عن الأراضي المقدسة كما زعمتم في البيان المخزي .
أين أنتم من بيانكم الصادر في مرحلة سابقة الذي أكد على رفض الاحتلال والغزو الأجنبي والتدخل العسكري والأمني وتضمن القول ( إن الإسلام يوجب على أبنائه جميعاً الجهاد لدفع عدوان المعتدين وذلك حق مكفول في جميع الشرائع؟ ) .
الحمد لله أن العدوان أسقط الأقنعة وكشف النوايا الخبيثة ( إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) صدق الله العظيم .
هذا غيظ من فيض.. نسأل الله أن يهدي هؤلاء إلى سواء السبيل وأن يبصرنا عيوبنا جميعاً ، لأن اليمن لا تحتمل مثل هذا الانحلال والانحدار السلوكي المشين ، نسأل الله لهم الهداية . إنه على ما يشاء قدير …