حروب الشرف
د. أحمد صالح النهمي
لا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا مريضا ، ولا راهبا ، ولا تقطعوا مثمرا ، ولا تخربوا عامرا، ، ولا تغرقوا نحلا ، ولا تحرقوه ، وأصلحوا وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين، بهذه الوصايا ، وما يدور في فلكها على اختلاف الروايات في كتب السيرة والحديث ، كان المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه يودع جيوش المسلمين، حرصا منه على ألا يفسدوا في الأرض، وأن ينازلوا خصومهم بشرف، يعكس أصالتهم ، وأخلاقيات الدين الذي اعتنقوه.
وفي الحروب التي شهدها المجتمع الإنساني عبر التاريخ ، ثمة قوانين للحروب وأخلاقيات يجب الالتزام بها حرصا على ألا تصل نيران المعارك إلى الواحات التي تضم في مخيماتها العجزة والنساء والأطفال، والحيوانات، وأن تكون ساحات المعارك بعيدة عن هذه الأماكن الآمنة، ثم جاءت التشريعات القانونية حديثا لتثبت ما تعارف عليه البشر بالفطرة الإنسانية قديما ، فصاغت القوانين المنظمة لتجنيب المدنيين والمرافق الصحية والتعليمية ويلات الحروب.
الجرائم التي اقترفها طيران العدوان السعودي الأمريكي خلال اليومين الماضيين في مدرسة تحفيظ القرآن بصعدة ومستشفى عبس بحجة وعلى منازل المواطنين ستظل كغيرها من الجرائم الكثيرة التي اقترفها العدوان بحق المدنيين المدنيين خلال أكثر من خمسمائة يوم حاضرة في وجدان الإنسان اليمني، شاهدة على نذالة المعتدين وخساستهم كما هي شاهدة على موت الضمير العالمي ، خالدة في ذاكرة التاريخ بخلود هذا الشعب العظيم ، وأصالة أبنائه الأشاوس الذين استطاعوا أن يكسروا قاعدة انتصار القوة بانتصار عدالة القضية، وأن يتجاوزوا الأسوار التي وضعت لتحجب أصواتهم ، فأوصلوها إلى آفاق العالم ، وأن يقشعوا عن هذا العالم حجب الظلمة بحقيقة منظمة الأمم المتحدة وما يسير في فلكها من منظمات حقوقية مرتهنة لقوى النفوذ العالمي والانتصار للقوة على حساب الحق، وشرعنة الاستبداد ونهب خيرات الشعوب الضعيفة لصالح دول الاستكبار العالمي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأدواتها الوظيفية في المنطقة العربية.
عبثا حاول مجرمو التحالف السعودي الأمريكي أن يصعدوا من غاراتهم وأن يقترفوا أفظع الجرائم بحق المدنيين اليمنيين لكي يزرعوا الخوف في قلوب من يقفون مع الوطن ويرفضون جيوش الاحتلال ، ولكن الشعب اليمني لقنهم درسا جديدا في التلاحم السياسي بين القوى الوطنية فأعلن عن المجلس السياسي الأعلى، وعادت الروح إلى البرلمان وتكاتفت كل القوى الوطنية على صعيد الدفاع عن الوطن ورفض الوصاية وتناست خلافاتها التي حاول المعتدون تغذيتها وسار في ركبهم بعض الساذجين ولكنها تلاشت تحت الأقدام، وكانت مصلحة الوطن في هذه اللحظة التاريخية الفارقة هي المتحكمة في مسار الحركة الوطنية.
إن الفارق الكبير لصالح العدوان في حجم الترسانة العسكرية وحداثتها ، يتلاشى أمام الفارق الكبير في حجم أخلاقيات الدين وقيم العروبة، وشهامة الفروسية، ونبل المحارب التي يمتلكها المقاتل اليمني حين يرى الجنود السعوديين يفرون أمامه هاربين من مواقعهم فيأبى أن تتعقبهم طلقات بندقيته وترديهم قتلى، بل يتركهم يفرون آمنين، في الوقت الذي تقوم مقاتلات العدوان بقصف منازل المواطنين على رؤوس الأطفال ولم تستثن المدارس والمستشفيات وسائر المرافق الخدمية، فهذه هي قيمهم ، وتلك هي أخلاقياتنا.
غدا سيكون العالم على موعد مع رسالة صارخة جديدة يوجهها الشعب اليمني للإجابة عن السؤال الذي ضل العالم وهو يبحث عن إجابته: من هو صاحب الشرعية؟