أطباء: الألعاب النارية وكرات الخرز تسببت في إصابات بالغة للأطفال
تجار: هذه البضاعة متوفرة منذ سنوات .. والحذر مطلوب من الأسرة
قضايا وناس/ جهاد الحكيم
“مش ناقصين .. عندنا ما يكفي ويزيد من أسباب ومظاهر التوتر والقلق والخطر”.. هكذا بدأ حديثه محمد سعيد مدرس في الثلاثين من عمره، وأردف بسخط لا يخفيه قائلا: “طيران تحالف العدوان السعودي دائم التحليق والقصف وقنابله العنقودية دائمة الانفجار في أكثر من مكان وقوافل الضحايا مستمرة، ومش ناقصين”.
“محمد” مثل كثيرين التقيناهم كان يتحدث بحرقة وحسرة أيضا، عن أجواء عيد الفطر وصخبها بدوي المفرقعات والألعاب النارية وألعاب توصف “خطيرة” أبرزها “مسدسات الخرز”. وتابع: “كدرتنا كثيراً هذه الألعاب وزادتنا توترا وقلقا وألما أيضا على عيالنا ومن أصيبوا منهم بجروح هذه الألعاب ” !!.
معارك العيد !!
ربما كانت المفرقعات والألعاب النارية سمة رئيسة لأجواء الأعياد الدينية محليا ولا تعد ظاهرة جديدة في مجتمعنا. لكنها هذا العام كانت أكثر صخبا وانتشارها أوسع بكثير من كل عيد، ورافقها صخب من نوع آخر كان عنوانه “معارك الشوارع” أو “اشتباكات العيد” كما يسميها كثير من المواطنين.
وبينما كان أبطال الجيش واللجان الشعبية يسددون ضربات موجعة لقوات العدوان الغازية ومرتزقتهم في غير جبهة داخلية، كانت شوارع وأزقة العاصمة صنعاء، تلعلع بالمفرقعات وتشهد اشتباكات صاخبة أيضا إنما بين أطفال كل حي وحارة بمختلف أنواع “مسدسات الخرز” ولم تخل من إصابات!.
مفرقعات مدوية
لا يعرف بالضبط حجم تجارة المفرقعات والألعاب النارية في اليمن. إذ “يظل التهريب البوابة الرئيسة لدخولها اليمن” وفق تقارير أمنية، تقر بانتشار هذه المفرقعات والألعاب النارية على نطاق واسع وبكميات كبيرة جدا، فيما يصدح الواقع بلعلعتها طوال العام في الأعراس ومناسبات مجتمعية شتى وبصورة أكبر في أيام الأعياد الدينية.
معظم المفرقعات والألعاب النارية صنعت في الصين والهند، وهي تتوافر بأنواع عدة مختلفة شكلا وعبوة وأثرا وصوتا، تتكدس بها السوق المحلية، وتتسم برخص أثمانها، ما يجعلها في متناول أيدي الأطفال وبخاصة ذات الانفجار المدوي والتأثير الكبير مقارنة بسعرها الرخيص .
كثير من التجار والباعة الذين التقيناهم أكدوا أن لا جديد في المفرقعات والألعاب النارية التي يبيعونها. عبدالله شائف، احد هؤلاء، قال: البضاعة الموجودة في السوق متوفرة منذ سنوات.. الأصناف هي نفسها والفرق الوحيد أن الطلب هذا العام ارتفع. والأسرة يفترض أنها مطلعة”.
اشتباكات صاخبة
كذلك الحال مع ألعاب “مسدسات الخرز” يعود انتشارها محليا إلى السنوات السبع الماضية حين حلت بصورة لافتة محل أنواع مسدسات: الماء، الأضواء، الأصوات، القريح (المفرقعات) ، النبال المطاطية، الكرات البلاستيكية المجوفة وغيرها من الألعاب التقليدية التي كانت رائجة في السوق المحلية.
لكن الجديد اللافت خلال عيد الفطر هذا العام هو اتساع رواج مسدسات وبنادق الخرز بأشكال مختلفة وأحجام متباينة في المحال والدكاكين وبأسعار متفاوتة تظل في متناول الجميع الأطفال رغم شظف الظروف الاقتصادية والمعيشية العامة، وانتشارها بين أوساط الأطفال بالتزامن مع تنظيمهم معارك افتراضية بين فرق متحاربة.
عوامل رواج
يرجع كثيرون اتساع رواج هذه الألعاب إلى تأثر الأطفال بأفلام الكارتون وإلى أجواء العدوان والحرب على بلادهم. من هؤلاء عضو المجلس المحلي بالمركز (ز) الدائرة الرابعة مهدي المطري. قال لنا أن “العدوان الغاشم أثر على نفسيات الأطفال ودفعهم لتفريغ الضغط النفسي في معارك تشبه تلك الحقيقية”.
المطري لفت إلى “أخطار وخيمة لهذه الألعاب”. وقال: “مثل هذه المسدسات خطرة جدا على سلامة الأطفال فقد تعرض أطفالاً عدة لإصابات بالغة في وجوههم وعيونهم، وليس آخرهم الطفلة أماني ذات الأحد عشر عاماً، فقدت إحدى عينيها بسبب تعرضها لمقذوف مسدس خرز، أطلقه أخوها”.
إصابات بالجملة
في أحد مستشفيات العاصمة، أكدت لنا الدكتورة زهور محمد “تزايد إصابات العين بالخرز أيام العيد”. وأضافت : “يختلف مدى وحجم تضرر العين بحسب نوع مسدس الخرز والمسافة التي أطلقت منها الخرز، والتي قد تؤدي إلى نزيف في العين أو تضرر الشبكية وقد يصل الأمر إلى تلف العين وفقدان النظر “.
ليست إصابات مسدسات الخرز وحدها التي تكثر بين أوساط الأطفال في أيام الأعياد. هناك أيضا إصابات كثيرة وخطيرة بسبب المفرقعات والألعاب النارية. تقول د. زهور: “عادة ما تستقبل أقسام الطوارئ وخاصة في العيد إصابات أطفال بحروق وجروح غائرة نتيجة انفجار المفرقعات في أيديهم”.
محمد (11 عاما). أحد هؤلاء الضحايا، يقول إنه اتفق مع أصدقائه عشية العيد على الاحتفال بشراء المفرقعات وإشعالها، وبالأخص “ذات الأصوات القوية والمعروفة بالسنبوسة”. وبالفعل ذهب لشرائها بسهولة من محل في حيهم اعتاد توفير أنواع وأشكال مختلفة من الألعاب النارية في العيد.
لكن محمد حين أشعل إحدى هذه المفرقعات اعتقد أنها لم تشتعل وبينما كان يهم بإعادة إشعالها “انفجرت القنبلة بي” محدثة جرحاً كبيرا في يده وآخر في وجهه استدعيا أربع غرز في كليهما !.. ومثل محمد “عشرات كل شهر، ويوميا خلال العيد” حد تأكيد أقسام الطوارئ في المستشفيات.
طرفان مسؤولان
إتاحة هذه المفرقعات والألعاب النارية في الأسواق من دون قيد أو شرط يحول العيد إلى مآس أليمة، كما يحيل داعي الفرح إلى داعي ترح. أخطار حقيقية تحيق بالأطفال جراء انتشار بعض الألعاب الخطرة خلال أيام العيد، “من دون حضور يذكر لرقابة الجهات المختصة”، حسب تأكيد كثير من المهتمين.
عضو المجلس المحلي في المركز (ز) الدائرة الرابعة مهدي المطري، شدد على أن “الأجهزة المختصة تتحمل مسؤولية منع دخول مثل هذه الألعاب الخطيرة”. لكنه أيضا لم يحصر المسؤولية فيها، وأضاف: “العائلة أيضا يجب تتشارك مع الدولة في تحمل المسؤولية بمراقبة ما يشتريه أطفالها من ألعاب”.
ومع غياب دور أجهزة الرقابة المعنية سواء أكان عند الاستيراد أو البيع والترويج لهذه الألعاب، وانعدام الرقابة المكملة من جانب الأسرة على أولادها وما يشترونه من ألعاب .. يبقى مستقبل الأطفال مهدداً وموعوداً بمآس شتى، تبدأ بالتشوهات ولا تنتهي بالعاهات الدائمة وربما الوفيات لا سمح الله.