بعض خطباء المساجد.. إنشاء.. تكرار.. وفقر معرفي !!

تحقيق/ سارة الصعفاني

للمنبر وخطيب الجمعة دور مهم في نفوس المصلين، ويفترض أن خطباء الجمعة هم الأكثر تأثيراً ووصولاً إلى قلوب وعقول غالبية من يحرصون على الجمعة والجماعة لأداء إحدى الفرائض الدينية التي تمتاز بقداسة دينية تجعل المتلقي أكثر استعداداً للقبول والإقناع.. وهنا لابد من لكن ماذا يحتاج خطيب المسجد ليرتقي بمستوى خطبته بعد أن أصبحت كثير من الخطب كلاماً إنشائياً ومضامين مكتوبة تعاد بالنص مع تكلّف في الإلقاء؟ هل يشترط في خطبة الجمعة أن تكون دينية فقط؟ من يحدد مصادر معلومات الخطيب بعد أن صارت الأحاديث الموضوعة تُردد في المنابر؟ ما شروط ومواصفات اختيار الخطيب؟ وما المضامين التي ينبغي عليه التحدث عنها .. هذه التساؤلات وغيرها طرحناها محاور لحديثنا في هذا التحقيق:

عن رأي المصلين والمتابعين للخطب الدينية في وقتنا الراهن ومدى تأثرهم بها يقول المهندس ماجد الصلول : لا تلامس كثير من الخطب واقعنا ومشاكلنا وهمومنا، كما أنها صارت كلاماً إنشائياً مملاً ولا يضيف لنا شيئاً،مقدمة معروفة حفظناها عن ظهر قلب، وخاتمة لا تتغير، وفي منتصف الخطبة كلام اعتيادي نعرفه جميعاً.. حتى الكتب الدينية لم يعودوا يقرأونها لتطوير معارفهم في هذا الجانب .
ويتحدث هيثم شاكر عن الخطبة من ناحية لغوية فيقول:من العيب أن ينصب الخطيب الفاعل ويرفع المفعول مما يغير المعنى ويستفز كل من يستمع إليه حتى وإن كان عالماً في الدين، فكيف إن لم نجد معنى ولا مبنى.
ويتساءل عن دور وزارة الأوقاف والإرشاد في اختيار الخطباء وتقييم أدائهم: فشل كثير من خطباء المساجد في تأدية مهمتهم أمر طبيعي نتيجة الفساد لكنه لا يعفي الخطباء من مسؤوليتهم ويفترض مضاعفة جهودهم خاصة أننا صرنا في زمن بإمكان الواحد منا انتقاء الخطبة  من الإنترنت والفضائيات واقتناء كتب دينية، بمعنى لولا أن حضور خطبة الجمعة في المسجد التزام  ديني لربما اكتفى الكثيرون بالصلاة.
ويرى خالد البهلولي أن الخطباء هم من يبعدون الناس عن دين الله بأسلوبهم من صراخ وتهويل وتكفير وفتاوى متناقضة وسرد قصص مملة مشكوك في صحتها وذات المضامين تعاد بنفس الصياغة مع أن خطبة يوم الجمعة مهمة إن صلحت صلح بصلاحها فساد الأمة بالنظر إلى ما نبديه من حرص على الجمعة تحديداً ، لا أخفيكم قولاً نستفيد ونحرص على متابعة خطب دينية متلفزة لعدنان إبراهيم وعمرو خالد والنابلسي والحبيب الجفري والشعراوي بينما نأتي متأخرين عن خطبة الجمعة.
من جهته يقول عبدالوهاب فضل إن من الخطباء من لا يضيف للناس علم ولا فقه لا بالدين ولا الواقع، وإن محدودية الأفكار وقراءة كل الخطبة من ورق وكأن الخطيب يقرأ نشرة الأخبار يفقد الخطبة قوتها وفاعليتها، ما يفرض على الخطيب الاجتهاد في الخطبة واحترام عقول من ينصتون إليه وإفادتهم، لأن الخطيب المفلس هو من ركن لما في رأسه من علم.
ما الذي يحتاجه الخطيب والداعية ليرتقي بمستوى خطبته بعد أن أصبح كثيراً منها كلاماً إنشائياً ومضامين مكتوبة تعاد بالنص؟ ولماذا لم تعد الخطب الدينية تؤثر في الناس كما ينبغي،استفهام طرحناه على خطباء مساجد فكانت الحصيلة :
يقول عبدالرحمن الموشكي- خطيب مسجد السنحاني- : لا بد أن يتعلم الخطيب فن الإلقاء متى يرفع الصوت ومتى يخفضه وإثراء الخطبة بالآيات القرآنية المناسبة والخشوع وإجادة التلاوة وأداء الخطبة باللغة العربية الفصحى وأن تكون الخطبة ارتجالية، ولم يعد للخطبة تأثير لأن القول لا يتبعه عمل؛ فالأثر الذي لا يُرى لا ينفع.
من جهته يقول محمد الفقيه – خطيب ومدير عام الوعظ والإرشاد بوزارة الأوقاف بأنه يشترط وجود دافع إيماني كافي ليرتقي الخطيب بمستوى خطبته, واستشعار أهمية دوره في تأدية عمل مقدس والاقتناع بمحتوى الخطبة، والتأهيل العلمي والمعرفي, والتطوير في أساليب الإلقاء والأداء.
ويرى الفقيه أن الخطاب الديني الضعيف والهزيل والناقص والمغلوط يشكل السبب الرئيسي في عزوف الناس عنه وعدم تأثرهم به, فضلاً عن الميل للحكام الفاسدين والظالمين, وربط الخطاب الديني بمصالحهم وسياستهم  وإغفال القضايا المهمة والمصيرية وإبعاد الناس عنها وتجهيلهم بها, الأمر الذي عكس صورة سلبية عن الدين والتدين رغم أن الأصل أن الدين المحمدي الأصيل هو الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالح الناس وقضاياهم الأساسية..وهو ما يغيب عن الكثير من الخطباء والوعاظ.
ومن المشكلات التي تواجه الخطيب سوء أوضاع المعيشية، وعدم تأهيل الخطباء وتطوير أدائهم، وعدم اهتمام الخطيب بتطوير نفسه دينياً ومعرفياً .
أحمد عايش- خطيب مسجد- يقول: يحتاج الخطيب أن يكون واسع الاطلاع، ثري المعلومات،واسع النظرة ، ومهتم بأبسط التفاصيل، لديه خلفية عن المجتمع مبنية على قراءة واقعية ودقيقة ما يدفعه للبحث والإعداد والتحضير واختيار المواضيع التي تلامس مشاكل واحتياجات المجتمع ، فلم تعد الخطب الدينية تؤثر لأنها غالباً ما تكون بعيدة ومفصولة عن مناقشة الواقع وهموم الناس ومعاناتهم ومشاكلهم اليومية ولا تقدم حلولاً، ولأن المجتمع قد لا يلمس أثرها في واقعه المعاش، وإنما تبقى مجرد كلام اعتاد الناس على سماعه في كل يوم جمعة وأصبحت المسألة وكأنها عادة لا أقل ولا أكثر .
ويقول رياض – خطيب مسجد قبا -يحتاج الخطيب أن يتفرغ ويُكفى مادياً بحيث يكون جل اهتمامه بما سيلقيه في الخطب، ويجب عقد دورات للخطباء عموماً في فن الخطابة ولابد أن يكون الخطيب ملامساً للمجتمع ومشاكله وأفراحه وأتراحه ليصبح خطابه معالجاً لقضايا المجتمع.
وحتى يكون للمسجد دوره وأثره في المجتمع يجب اختيار الخطيب البارع في أسلوب الخطابة، المتبحر في العلوم الدينية والسياسية والفكرية بحيث يستطيع التعامل مع كل العقليات في الخطاب الديني بالدليل العقلي والنقلي، واختيار الخطيب الفطن الوسطي الذي يجمع ولا يفرق، وسد كل حاجيات الخطيب بحيث يهتم بالمسجد كما ينبغي بدلاً من البحث عن عمل أو مصادر أخرى ليكتفي مادياً ومعيشياً.
للمنبر أهمية بالغة في العالم الإسلامي، إذ يعد وسيلة إعلامية مقترنة بذكر الله، ومن هنا كان لزاماً على الخطيب أن يكون أكثر إدراكاً واستشعار لمسؤوليته ، وحقيقة يوجد تهميش من الدول الإسلامية للخطباء إلا أن هذا لا يعفي الخطيب من دوره في الارتقاء بمستوى أدائه في المنبر الإسلامي.. هكذا بدء رضوان سعيد – خطيب مسجد الخياط سابقاً – يواصل حديثه وأضاف : ما يعين الخطيب على أداء مهمته الإخلاص لله وإبقاء الدور الحقيقي للمنبر، والعمل على تطوير نفسه وقدراته ، وتعلم مهارة فن الإلقاء وجعل المتلقي يعيش في جو روحاني بأساليب ممتعة وطرق متعددة، التحصيل العلمي ومواكبة العلوم المتجددة وإثراء الخطبة بالمعلومات، أن يكون الخطيب على ثقة تامة في ما يقول، شجاعا في قول الحقيقة، مرتبطا بواقع الناس يعرف ما يحتاجون إليه في حياتهم الدينية والدنيوية التي لها ارتباط أو حلول في الشرع الإسلامي، ومن الفقه أن تكون الخطبة قصيرة ذات وقع مؤثر وتناول الفكرة من جوانبها المختلفة، كما أن الخطيب الناجح هو الذي يعمل حسابًا للنتائج العكسية المتوقعة ليناقش المضمون بأسلوب لا يدع الآخرين يذهبون بالتفكير بعيداً أو لا يهتمون بخطبته .
ويرى رضوان أن ضعف تأثير خطبة الجمعة يعود لأسباب عديدة منها: أمور تتعلق بالخطيب نفسه،وضرورة الارتقاء بخطيب الجمعة مسؤولية شخصية ومسؤولية عامة خاصة بعد أن جعل بعض الخطباء من الخطبة وظيفة أو حِملاً يتخلصون منه ما ينعكس سلباً على المتلقين، ويلخص المظاهر السلبية لهذا الجانب فيما يلي :
تأثير المذهبية والحزبية والمناطقية أو فرض أمور معينة على الخطيب من قبل جهات أو أشخاص.
اتخاذ بعض الخطباء أساليب التنفير والترهيب التي طغت على أساليب التقريب والترغيب.
الحديث عن واقع غير موجود أو افتراضي أو قصصي أو ما ضوي أو سياسي أو أساطير وأحداث بعيدة عن الواقع.
عدم وجود رؤية عامة تجمع الخطباء وقضية محددة فصارت الخطب في البلد الإسلامي منابر متعددة، ومتصادمة مع بقية المساجد الأخرى في المجتمع نفسه .
ويختم حديثه بالقول: إحياء دور المسجد مسؤولية مشتركة بين الحكومات الإسلامية والجمعيات الدينية والعلماء والدعاة والمثقفين والخطباء والمجتمع المسلم، ومما ينبغي القيام به وضع إدارات ولجان دينية وتفعيل دور الكيان الذي يجمع الخطباء.
واختتمنا لقاءتنا مع العزي راجح وكيل قطاع الإرشاد بوزارة الأوقاف ليحدثنا عن دورهم في تجديد الخطاب الديني وتأهيل الخطباء والدعاة وشروط ومواصفات اختيار الخطيب حيث قال: النظام الإرشادي في بلدنا نظام إسلامي مفتوح، إن لم يوجد في قرية خطيب صار فرض عين على كل مسلم أن يتعلم ويسد الفراغ؛ فاختيار الخطيب ليس على حسب التخرج من معهد أو كلية معينة وإنما هناك شروط مثل إتقان القرآن الكريم والالتزام الديني والرغبة في الخطابة مع أن لدينا معهداً عالياً للتوجيه والإرشاد لكن مخرجات المعهد بائسة لضعف المنهج والكادر التدريسي، ربما أكثر من 50% منهم غير متقن للقرآن الكريم، لأن الغالبية لم يكن لديهم الرغبة والقدرة الخطابية وإنما التحقوا نتيجة الظروف المعيشية الصعبة كون المعهد يقدم تغذية وسكناً، وهذه مشكلة كبيرة نعاني منها.
وتابع :بعض الأحيان يتم اختيار الخطيب من الجامع الكبير بصنعاء أو مسجد آخر كمدرسة علمية أو حسب الانتماء الحزبي، وبإذن الله يتم مستقبلاً اختيار الخطيب وفق شروط معينة.
سألنا وكيل الإرشاد عن تغيير بعض الخطباء الذي اعتبره البعض غير موفقاً فأوضح : ” لسنا ضد الانتقاد البناء لمن يحكم لكن من الخطباء من يحمل البهتان في مخالفة منه لشرع الله، ولسنا ضد الانتماء الحزبي أو الطائفي أو المناطقي لكننا ضد من يتجاوز القيم والمبادئ ويقف في صف العدوان، لا يعنينا التمكن الخطابي مع خيانة الوطن؛ فما جدوى اختيار خطيب مفوه حافظ للقرآن لكنه يزرع الخلاف والفرقة بين المسلمين، ولا نرى مانعاً في قراءة الخطبة من ورق، فقد تكون الخطبة الإرتجالية مجرد تلفيقات لا تفيد في شيء.
سألناه ما العلوم الشرعية والكتب الدينية التي ينبغي على الخطيب قراءتها ليستوعب جوهر الخطابة في ظل ما هو موجود من غياب التأهيل؟
فقال: فهم كتاب الله ليس صعباً لقوله تعالى”ولقد يسرنا القرآن للذكر ” وعلى كل حال على الخطيب أن يطلع على جميع الكتب الدينية والمعرفية بعد امتلاك الرؤية القرآنية ممن لديهم أفق حتى يتبين صحة الأمور من عدمها.
تختلف مدة خطبة الجمعة من مسجد لآخر بفارق زمني كبير ما دفعنا للسؤال عن مدتها المحددة ورأي وكيل الإرشاد في خطباء المساجد من واقع معرفته الشخصية والوظيفية ودورهم في تقييم أداء الخطباء وتوجيههم حيث يقول: مدة خطبة الجمعة ليست محددة، نرى حصرها بين 20- 30 دقيقة، والخطباء متفاوتون في القدرة الخطابية، ومنهم حقيقة من لا ينفع خطيباً، ونحدد للخطباء نقاط معينة للتحدث عنها مع تزويدهم بخطبة ليست إلزامية، وما يزال هناك خطباء على مستوى رفيع حتى أن بعض المساجد إذا لم تحضر قبل صلاة الجمعة بوقت كافٍ قد لا تجد لك مكاناً فيه؛ لتمكن الخطيب معرفياً وقدرته الخطابية.
متابعاً: هناك صعوبة في التقييم إذا ما عرفنا أن في أمانة العاصمة1600 مسجد و1200 خطيب للجمعة، فكيف على مستوى اليمن، وإذا أردنا تقييم أداء الخطباء فإن التكاليف باهظة والميزانية متواضعة لكن بإمكاننا في الوقت الراهن إعداد دورات تأهيلية لفتح آفاق قرآنية إيمانية ثقافية معرفية للخطيب تمكنه من التحدث في مواضيع كثيرة بدلاً من مواضيع معينة يحصر نفسه وغيره فيها.
ويضيف راجح وكيل الإرشاد: لدينا توجه لتنظيم عملية تبادل بين الخطباء في المساجد لأداء خطبة الجمعة بحيث يغادر الناس حالة الملل ولضمان التجديد في المضامين والأساليب.
وختاماً.. لم يعد الخطيب بالضرورة أدرى الناس بالعلوم الشرعية،ما يفرض على وزارة الأوقاف انتقاء خطباء مؤهلين دينياً وثقافياً ؛ فبكلمات الخطيب تتشكل العقول وتوقظ القلوب الميتة، ويبصر الغافلون ، ويرجع التائهون، وتنهض الأمة .

قد يعجبك ايضا