تدمير الاقتصاد صيد ثمين للعدوان على اليمن

أ.د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور
بدخول الأيام العشر المباركة من شهر رمضان الكريم ، يُسارع المواطن المستهلك للزحف على الأسواق العامة ، وكلٍ بحسب قدراته الشرائية بحثاً عن ما يسد احتياجاته ومتطلبات أسرته لما تبقى من أيام مباركة من هذا الشهر الفضيل ، واستعداداً لاستقبال الأيام المُفرحة من أيام عيد الفطر المبارك ، والبحث بطبيعة الحال عن المواد الغذائية الاستهلاكية ، ومتطلبات ملابس الأطفال تحديداً لمعايشة أيام وليالي العيد المُفرحة بإذن الله .
اتصل بي احد أصدقائي الأعزاء القادم من حضرموت عبر رحلة مُضنية إلى مدينة عدن منذ أيام ، وحينما التقينا في أحد الأسواق العامرة في صنعاء بادرني مذهولاً بالحديث الآتي : كيف يحدث هذا ياعبدُه ؟ سافرت من المكلا ومررت بمدينة عدن لزيارة الأهل وهنا اتحدث عن أهم مدينتين في جنوب الوطن ، لا توجد فيهما حتى لحظة أمان ولا تعرف من هو خصمك وعدوك وأنت تتجول بالشارع أو بأحد الأسواق ، ولا تلحظ معلماً لوجود الدولة بمؤسساتها المعروفة ، والمدن تتحكم بها مليشيات مُنفلته وهي عبارة عن جماعات مسلحة مُتناحرة ، نبحث عن المشتقات النفطية ولا نجدها إلا بشق الأنفس ، وحينما أشكو من خدمات الكهرباء لن أتوقف فهي تنقطع في بعض الأوقات لمدة تتجاوز السبع ساعات وبالذات في عدن ، تخيل معي بانقطاع التيار الكهربائي في مدينة تصل فيها درجة الحرارة إلى ما فوق الأربعين درجة ، كم من أناس ماتوا من كبار السن ومن الأطفال والمرضى ، والغريب يا عبدُه انك تشاهد الأسلحة وناقلات الجند والدبابات بالمدينتين أكثر مما تشاهد حافلات النقل للمواطنين ، يضاف إلى ذلك تواجد ملحوظ لقوات دول الحلف العربي بقيادة السعوديّة وبتواجد قوات أمريكية مباشرة ، ومع ذلك نشاهد في تلك المدينتين بأن يحدث القتل بصورة شبه يومية، والاختطافات أصبحت حالة مألوفة ، وضنك العيش يلاحق معظم المواطنين في كل شيء تقريباً ، والنهب والسطو أصبح ظاهرة مألوفة ، ويواصل صديقي الحضرمي الحديث بالقول: هكذا أصبح حال المدن ( المحررة ) في جنوب اليمن ، والمصيبة ان العالم- جل العالم – وبما يسموه ( المجتمع الدولي ) يقفون مع هذه الحكومة ( الشرعية ) القابعة في الفنادق الفاخرة في الرياض وابوظبي والقاهرة ، ويكرر بلهجته الحضرمية ( واه يا عبدُه من هذا الظلم ) ، ويواصل حديثه الشيق بالقول : مُنذ وصولي إلى مدينة صنعاء قبل أيام شعرت لأول مرة منذ سنة وأشهر بحالة مريحة من الأمان والاطمئنان ، شاهدت الناس يتحركون بعفوية في الشوارع والطرقات بشكل طبيعي والأسواق مزدحمة بالناس ، والعالم عالم وكأنه ليس هناك عدوان ولا حصار على اليمن ، ما هي الحكاية يا عبدُه ؟ ويقولون عادهم أن صنعاء يحكمه ( إنقلابيون ) هم جماعة الحوثي وعفاش ، إلى هنا وبالكاد صديقي الحضرمي توقف عن الإسترسال بالحديث ، أجبت عليه بإيجاز مكثف ( انك الآن ياصديقي الحضرمي تعيش في حضرة مدينة صنعاء ، حيث انطلقت الحياة فيها بشكل متواصل منذ ان سكنها الجد سام بن نوح عليه السلام قبل آلاف السنين ، والحياة فيها متواصلة إلى يومنا هذا ، فالحياة بكل تنوعها ، وبثراء أخلاقها وقيمها هي القيمة التراكمية لهذه المدينة العامرة ، ومن يحكم اليمن الآن قوى وطنية مرتبطة بالناس وصامدة في وجه العدوان ولهذا أنت وأنا وغيرنا يحكمنا القانون اليمني العصي على الاقتلاع ) .
واصلنا الحديث ونحن نتجول في أحد الأسواق الحديثة بصنعاء ، وهو مكان موقع اللقاء ، وهنا التقينا وتجولنا طويلاً في المكان الصاخب وتحدثنا طويلاً عن أخبار الأخوة والأهل والأصدقاء ، حدثني عن معاناة الأهل هناك طيلة فترة سيطرة تنظيم القاعدة على حضرموت ومعاناة الناس هناك جراء سيطرة الإرهابيين والمتشددين لمدة تتجاوز العام تقريباً ، معاناة التنكيل والاعتقالات والتعذيب وحتى الاغتيالات وهدم أضرحة أولياء الله الصالحين ، ومظاهر إهانة المواطنين بواسطة الجلد بالعصي بالساحات العامة ، وإعدام النساء بواسطة الرجم بالحجارة وغيرها من الأساليب الوحشية مما عكس نفسه على معاناة النَّاس الحياتية والنفسية والمعنوية ?
وكان صديقي الحضرمي يستطرد حديثه بألم وحسرة لكل صنوف المعاناة اليومية التي عاناها المواطن اليمني في كل من المكلا والشحر وغيل باوزير وفي عمق وادي حضرموت جراء تلك الممارسات الوحشية التي كانت تتم على أيدي هؤلاء الإرهابيين القتلة من تنظيم القاعدة وطلائع عصابات داعش ، يستطرد الحديث عن تلك المعاناة ويكرر لي السؤال التالي: لماذا تُركت حضرموت لُقمة صائغة للإرهابيين ، وأين كانت الطائرات المُغيرة على كل مدينة وقرية ومحافظة من محافظات اليمن باستثناء حضرموت؟ لكني قاطعته مذكراً بتصريحات الناطق العسكري باسم دول تحالف العدوان على اليمن الجنرال / أحمد العسيري ، الذي قال مراراً في تصريحاته الوقحة بأن مقاتلي تنظيم القاعدة ليس من بين أهداف الحملة العسكرية للتحالف العربي ضد اليمن ، ولهذا فإن أي منطقة تسيطر عليها القاعدة أو داعش هي في مأمن من النيران الصديقة لطيران قوات التحالف بقيادة المملكة السعودية.
لكنه أردف بالقول إننا في حضرموت قد سررنا كثيراً بان ( مسرحية ) خروج مقاتلي تنظيم القاعدة من المكلا وبقية المدن الساحلية ستكون نهاية مأساتنا ، وسنعود إلى أعمالنا وحياتنا الطبيعية ، لكن الحقيقة المرة هي أن حالنا لم يتغير مطلقاً ، فحينما اجتاحت مدينة المكلا جحافل من قوات الإمارات العربية المتحدة مدعومة من قبل قوات المارينز ومكافحة ” الإرهاب ” الأمريكية ، وتشكيلات عسكرية ما سُمي بقوات النُخبة الحضرمية التي دربتها وجهزتها الإمارات المتحدة ، كل هذه القوات العسكرية حضرت إلى مدن حضرموت لتزيدها معاناة وانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان بهدف إذلال اليمنيين من خلال اقتحام المنازل واختطاف المواطنين الأبرياء واقتيادهم إلى السجون والمعتقلات السرية ، وقتل العديد منهم والقائمة السوداء حول كل هذه الإنتهاكات نُشرت في أكثر من موقع وصحيفة ، ويمكن العودة لها ، بالإضافة إلى أن وحشية التفجيرات الإرهابية عن حضرموت لم تتوقف والموت عندنا أصبح بالمجان ، ولسان حال المواطن الحضرمي يقول ( خرجنا من نكد ، وانه تلقانا نكد ، وان النكد من حيث ما جينا يحاجينا ) ?
أرهقني صديقي بالحديث والسير والتجوال بالسوق ، اقترحت عليه أن نتناول بعضاً من المرطبات المعروضة بسخاء في بعض أجنحة السوق ، ولنرتاح قليلاً ونواصل بعدها السير والتجوال في هذا ( المول ) العامر بحركة الناس في مدينة صنعاء الكريمة التي لا تنام في رمضان وغيرها ، وعند أخذ مقاعدنا طلبنا قهوة وبسكويت وآيسكريم ، وأنا اتفحص الغلاف الخارجي ( لكوب الآيسكريم ) والبسكويت وجدت أنها كلها من صناعة دول خليجية ، سألت صديقي الحضرمي: أيعقل أن كل ما قُدم إلينا على هذه الطاولة هو من صناعات دول الجوار التي تشن علينا حربها العدوانية مُنذ ما يقارب العام وثلاثة أشهر؟ ، قال لي مقاطعاً بلهجته المميزة ( واه يا خوي وليه دمروا بطياييرهم المصانع والمعامل ؟ هيا قل لي يافصيح ) ، هنا توقفت عن الحديث والجدل ، وقلت في قرارة نفسي ، نعم انهم يستهدفون تدمير اليمن واقتصاده واستثمار موقعه فحسب !!! ، وتذكرت عالفور أنني كتبت مقالاً تحليلياً مطولاً قبل بضعة أشهر ، احتبجت فيه بغضب وألم لذلك التدمير العبثي المخطط له من قبل الطيران المعادي للعديد من المصانع والمعامل والمزارع الوطنية والتدمير المتعمد للبنى التحتية للشعب اليمني والتسبب بضياع تلك الثروات الوطنية التي بُنيت من عرق اليمنيين لعقود من الزمان ، وضياع فرص العمل للمواطنين جميعاً ، وقلت في المقال ، يبدو أن حرب الاشقاء (الأعراب) على اليمن كان ولازال الهدف منها تحويل اليمنيين إلى شعب ( جائع متسول ) ينتظر المعونة الغذائية ” السلة الشهرية ” المنتظمة المقدمة ( كمكرمة ) من دول الجوار وبالتالي سيبقى مُعظم اليمنيين مكبلين ومرتهنين لقرار دول الجوار لردحٍ طويلٍ من الزمان ، لكن من قرأ بحصافة تاريخ اليمن وشعبه العظيم سيجد ان أحلام أعدائه قد تبخرت وزالت بزوالهم وبقي اليمن شامخاً راسياً كجباله الشماء ، معطاءً كأرضه الخصبة ، وكمدرجات وسهول ووديانه الساكنة فيها خلود الحياة مُنذ فجْر التاريخ وسيبقى الى ان يرث الله الارض ومن عليها .
و لكني في هذه العُجالة تذكرت عِظة من دروس التاريخ بأن جوهر الحروب في تاريخ البشرية كان أساسها هو الهيمنة الاقتصادية على الشعوب المهزومة والمقهورة ، وان ما يُكتب ويُحكى في الإعلام عن ان سبب الحروب هو الدفاع عن ( الشرعيات والقانون والدين والأخلاق والقيّم وحقوق الإنسان ) ما هو إلا اكذوبة يرسمها خبثاء السياسة الدهاة ويصدقها بسذاجة غالبية البسطاء من العوام ، والله أعلم.
وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ
a_binhabtoor55@yahoo.com

قد يعجبك ايضا