صنعاء/ سبأ
تعرف الزكاة في الإسلام أنها البركة والطهارة والنماء والصلاح وسميت بالزكاة لأنها تزيد في المال الذي أخرجت منه وتقيه الآفات.
وعرّف الشرع الزكاة بأنها حصة مقدرة من المال فرضها الله تعالى للمستحقين أو هي مقدار مخصوص في مال لطائفة مخصوصة وفي الحديث الصحيح قال صلى اللّه عليه وآله سلم لمعاذ حين أرسله إلى اليمن ” أعْلِمْهُم أن اللّه افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم “.
والزكاة في الإسلام ليست تبرعا يتفضل به الغني على الفقير أو يحسن به واجد على معدوم، بل إنها أبعد من ذلك غورا وأوسع أفقا، إنها جزء من نظام الإسلام الاقتصادي الفريد الذي عالج مشكلة الفقر أو مشكلة المال على وجه عام.
ولقد أوجد الإسلام عدداً من أشكال العطاء الديني لتحقيق التكافل الاجتماعي الذي يعد أحد أهم الأسس التي يقوم عليها المجتمع ومن بينها الزكاة والصدقة والوقف والكفارات والنذور وغيرها لضمان الحياة الكريمة للفرد وتحقيق سعادته.
ويرى العلماء أن الزكاة وسيلة من وسائل الإسلام التي اتخذها لتقريب المسافة بين الأغنياء والفقراء رغم اعترافه بالتفاوت الفطري في الأرزاق بين الناس؛ لكنه لم يدع الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً فتتسع الهوة بينهما، بل تدخل الإسلام بتشريعاته ووصاياه لتقريب المسافة بين هؤلاء وأولئك وعمل على الحد من طغيان الأغنياء والرفع من مستوى الفقراء.
ويقسم علماء الدين التكافل الاجتماعي (إلى مادياً) ومعنوياً فالمادي هو المساعدة بالأموال كي ينقل المحتاج من حالة الفقراً إلى حد الكفاية أو حد الغنى، كما قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهة ” إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم بقدر ما يكفي فقراءهم “.
فيما التكافل المعنوي يأتي في صور أخرى كالنصيحة والصداقة والود والتعليم والمواساة في الأحزان وغيرها من أشكال العطاء.
وأوردت السنة كثير من الأحاديث التي تحث المسلمين على التآخي والإيثار من أجل الآخرين قال عليه الصلاة والسلام ” المؤمن للمؤمن كالبنان أو كالبنيان يشد بعضه بعضا ” وقوله ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى “.
وألزم الإسلام المسلم أن يعطي أخاه المحتاج إلى حد أنه إذا لم تكف الزكاة والصدقات، فعلى المجتمع ككل أن يشارك بعضه بعضا في الكفاف قال الله تعالى ” كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم ” وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ” مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَاناً وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ “.
وفرض الله الزكاة لحكم جليلة وأهداف سامية نبيلة منها ما يعود على الفرد سواء كان معطياً للزكاة أم آخذاً لها ومنها ما يعود على المجتمع بحفظ أمنه وتحقيق مصالحه وحل مشاكله.
ووفقا لكتب الفقه فإنّ الهدف الأساسي للزّكاة في الإسلام هو تحقيق العبودية لله والانقياد له بالإضافة إلى تطهير نفس المزكي من الشّحّ ومن عبادة المال وتقديسه وتثبيت أصالة الإنفاق والعطاء والبذل في نفس المزكي وكما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: ليس في الدّنيا خير من اثنين رغيف تشبع به كبدً جائعة وكلمة تفرج بها عن ملهوف”.
كما شرع الله تعالى الزكاة تحقيقا لأواصر التّضامن والتّآلف والتّراحم والتّواد ممّا يكون له كبير الأثر على مستوى المجتمع وقوّته ومنعته وسلامته من الأحقاد والضّغائن والتّحاسد والتّباغض، بل أنها سببا لإشاعة الأمن والطمأنينة بالإضافة إلى تنمية المجتمع وتطوير تجاراته وصناعاته ومهنه وحرفه وتقوية اقتصادياته ومعاملاته وسدّ حاجات الفقراء والمساكين وتخليص أصحاب الدّيون والأسرى والمحبوسين.
واعتبر العلماء أن زكاة المال عصب النِّظام الاقتصادي الإسلامي ففيها الحلول للمشكلات الاقتصادية المعاصرة والّتي فشلت النّظم الاقتصادية الوضعية في علاجها ومن بين هذه المشكلات مشكلة تكدّس الأموال في يد فئة قليلة من النّاس ما أدّى إلى زيادة الفوارق بين الطبقات ومشاكل عدم الاستقرار الاقتصادي والتّضخّم، والاكتناز، والفوائد الربوية.
حيث أدّت هذه المشكلات وغيرها إلى انخفاض مستوى دخل الطبقة الفقيرة ، وعدم توفير الحاجات الأساسية للحياة لتصير الزكاة باعثة لهمم أصحاب الأموال لكي يستثمروها وينموها، وإنعاش الاقتصاد وتنشيط الحركة التجارية وإكثار الإنتاج وتوفر فرص العمل وغيرها.
ومن بين مقاصد الإسلام في تشريع الزّكاة رفع مستوى الفقراء والمساكين وتحويلهم إلى طاقة إنتاجية في المجتمع، حيث لا يقتصر الأمر على إعطائهم إعانة وقتية بل يمكن أن يتم شراء وسائل الإنتاج كالآلات الحرفية والحيوانات وغيرها، والقرآن الكريم أشار إلى هذا الأمر قال تعالى ” مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”.( الحشر آية(7)
كما أن الزّكاة تعد لوناً من ألوان العبادات الّتي فرضها الله تعالى ورتَّب عليها آثارًا اجتماعية كبيرة من عطف ورحمة ومحبّة ومودّة وإخاء وتعاوُن وتآلف بين أفراد المجتمع المسلم، وقد جسد الدين الإسلامي بذلك الزكاة في أبهى صورة من صور التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم .