تعلُّم الديمقراطية على الطريقة السعودية

عبدالرحمن الرياني
حقيقة كتبها التاريخ ولاداعي للاجتهاد معها بالتأويل والتحليل النظام السعودي هو الدكتاتورية الأولى عالميا تماما مثلما هي الهند الديمقراطية الأولى عالميا ، كل الوقائع التي حدثت خلال القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين تؤكد ان النظام السعودي مؤمن إيمانا مطلقا بالتحجر والقمع والكبح والجور والعسف ، الممارسات نفس الممارسات وأدوات القمع لم تتغير والسجون المظلمة السوداء السرية ظلت كما هي ، في الخمسينيات جرت عملية جلد الكاتب والمثقف الليبرالي الأستاذ عبدالكريم  الجهيمان رئيس تحرير صحيفة البلاد التي كانت تصدر في المنطقة الشرقية وهي غير البلاد التي صدرت في الحجاز المحتل فيما بعد، جرت عملية الجلد جهارا نهاراً أمام حشد كبير من الناس في مدينة الدمام، أما التهمة فهي التحريض على اعتناق أفكار هدامة المطالبة بحقوق الشعب وتأسيس أحزاب ومنابر سياسية وتعليم الفتاة والدفاع عن حقوق العمل والعمال من خلال سن القوانين التي تؤكد ذلك ، الشيء الملفت يومها أن الذي كان قائما على عملية الجلد هو الأمير عطيشان بن جلوي حاكم الشرقية والذي ينتمي إلى فرع من فروع الأسرة الحاكمة آل جلوي أبناء عم عبدالعزيز وكان عطيشان شخصية معقدة مريضة معروفة بحقده على المثقفين والليبراليين كغيره من أبناء الأسرة الحاكمة وبعد انتهاء عملية الجلد لم يكتف الأمير السعودي بالجلد بل صعد على صدر الأستاذ عبدالكريم الجهيمان المنهك وأخذ بضرب وجهه الكريم بالحذاء ، هذه الحادثة تكررت مع الأستاذ زهير كتبي الكاتب في صحيفة الندوة في التسعينيات من القرن الماضي عندما حكمت عليه احدى المحاكم الشرعية بعقوبة الجلد بأن يجلد ألف جلدة بسبب تطاوله  على الذات الملكية من خلال رغبته في إحداث إصلاحات سياسية تكفل مشاركة أوسع في الحكم ،وبالطبع جرى جلده ألف جلدة على مراحل هكذا تكون الحرية والكرامة طبعا على دفعات ، أما رائف بدوي فقصته لم تنته بعد مع الجلد ولاتزال قائمة والسبب هو انه يتطاول على الذات الملكية ويطالب بالتصدي للمطاوعة والوهابية المدمرة ،ولا تزال قضيته قائمة ولم تغلق ، بالطبع حدثت قضايا كبرى خلال الخمسين عاما كيف تم قتل ناصر السعيد صاحب كتاب تاريخ آل سعود والنقابي العمالي الشهير بعد اختطافه على يد المجرم عطا الله عطا الله أبو الزعيم رئيس الاستخبارات الفلسطينية من بيروت في العام 1979م وتسليمه في تابوت للاستخبارات السعودية ، أيضا تورط المملكة العربية السعودية في اغتيال سيف غباش وزير خارجية الإمارات في السبعينيات وعلى يد نفس المجموعة أثناء توديعه لوزير خارجية سوريا آنذاك عبدالحليم خدام في مطار ابوظبي ، كما أننا لا يمكن في هذه العجالة أن نمر مرور الكرام على قصة تصفية واغتيال الدكتور عبدالله الطريقي وزير النفط السعودي في الخمسينيات الذي اختلف مع شركة ارامكو مما اغضب الملك وغادر إلى منفاه في القاهرة وهناك طاردته أجهزة الاستخبارات السعودية بقيادة كمال ادهم صهر الملك وشقيق الملكة عفت الثنيان المحصلة أن الطريقي وجد مقتولا مع زوجته في منفاه في القاهرة وكان الرد عنيفا عندما كشفت التحقيقات الدولية أن المخابرات السعودية كانت وراء الاغتيال ، كانت النتيجة التنكيل بآل الطريقي ووضعهم في الإقامة الجبرية على مدى ثلاثين عاما ، لقد عايشت وعاصرت تجاوزات النظام السعودي لحظة بلحظة وعلمت أن مقياس الوطنية عندهم هي بقدر العمالة للأجهزة الأمنية وغير ذلك فأنت لست مواطنا صالحا ومحكوما عليك ان تعيش بلا هوية كما حدث مع المفكر اليساري عبدالله القصيمي الذي حرم من الهوية وجواز السفر على مدى ستة عقود لمجرد انه يساري تقدمي ، وفي المقابل الروائي العظيم عبدالرحمن منيف الذي أثرى المكتبة العربية بروائع الفن القصصي بين الجسرين ومدن الملح وغيرها حرم عبدالرحمن منيف من حقه الطبيعي كإنسان في الحصول على جواز سفر ليس للدخول إلى مملكة بن سعود بل للتحرك به في هذا العالم المعقد ولمجرد رأيه السياسي المغاير جرى سحب الجنسية منه وحرمانه من ابسط حقوقه ، هكذا نستطيع أن نتعلم من آل سعود مبدأ العدالة والحرية والمساواة والديمقراطية وهكذا هم محررونا من الحوثية ومن بقايا العفاشية إنني اشعر بالخجل لموالاة هؤلاء الأقزام من قبل أبناء اليمن الذين انخدعوا بهم باسم الحرية والعدالة .

قد يعجبك ايضا