تدمير هوية الحجاز

عبدالرحمن الرياني*
عندما جاءت جحافل عبدالعزيز آل سعود إلى مملكة الحجاز في العام 1926م كان الحجاز العربي دولة ملكية وراثية قائمة كانت عضواً في عصبة الأمم  ودولة معترفاً بها من القوى الكبرى في تلك المرحلة يوجد في جدة حينها سفارة لروسيا ولبريطانيا ولفرنسا وفي الداخل توجد جمعية وطنية “برلمان” كان يرأسها شخصية من بيت نصيب وكان هناك أكثر من حزب سياسي قوي وفاعل حزب الحجاز الوطني وحزب الاستقلال الحجازي ، وفوق ذلك كان هناك مجلس أعيان ، كانت هناك إذاعة ووزارة إعلام  المهم الطابع العام للمدن الحجازية وقتها كان اقرب إلى البندر والحواضر حتى باتت كلمة حضر لصيقة بالحجاز وتميزه عن باقي الجزيرة العربية ،جاء عبدالعزيز النجدي واعمل في الحجاز القتل والتدمير وبدء بفرض سيطرته المطلقة وانتهى الأمر بإنهاء الكيان الحجازي كدولة أمام العالم في أكبر جريمة عرفها القرن العشرين تشهد مشاركة وتواطئ الدول الكبرى في إنهاء اعز الدول العربية واقربها إلى المسلمين مملكة الحجاز وعاصمتها مكة المكرمة ،بعد ذلك بدء الحكم السعودي بأكبر عملية ابادة وطمس للهوية الثقافية فما هي الأساليب التي انتهجها ذلك النظام العنصري المحتل لأرض الحرمين الشريفين ، لقد عمل النظام السعودي على تحقيق عملية طمس الهوية الوطنية التاريخية للحجاز من خلال الأساليب التالية:-
أولا العامل الديني
عمل الوهابيون على تدمير الهوية الحجازية من خلال عدم الاعتراف بالتنوع الثقافي واعتبار أهالي الحجاز الصوفيين والشوافع مجرد قبورين وعاداتهم وتقاليدهم عادات كفرية يدب محاربتها والقضاء عليها وعملوا لذلك من خلال تأسيس المدارس الأصولية المتطرفة والمخيمات الدينية التي جلبوا لها الطلبة من نجد ومن المناطق التي تدين لهم بالولاء ومن ثم كان التوجه إلى إغلاق المدارس الحجازية العريقة التي كانت تتبع النهج المدرساني العلمي والتي كانت الركيزة الأساسية التي قامت عليها الثقافة الحجازية ، وجرى التضييق على العلماء في حلقات الذكر في الحرمين الشريفين بحجة فساد عقيدتهم بالتوافق مع عمليات إحلال واسعة لأتباع المذهب الحنبلي على حساب بقية المذاهب الدينية الأخرى.
ثانيا: العامل الثقافي العادات والتقاليد الحجازية
اذكر عندما كنا أطفالا في الحجاز في سبعينيات القرن الماضي وكنا وحسب العادات والتقاليد الحجازية القديمة المتوارثة نقوم بالاحتفال بقدوم شهر رمضان المبارك أو بليلة الخامس عشر من شعبان كانت الشرطة البدوية تتلقى الأوامر بضرورة مقاومتها لهذه الطقوس والعادات الشركية وكانت تلك المناسبات بمابة عمليات تصادم دائمة لا تتوقف مع الشرطة السعودية والرد دائما حاضرا والمبرارات للقمع جاهزة وهي  أعمال صوفية قبورية ،
ثالثا: استخدام الديموغرافيا لطمس الهوية
من الأمور الملفته والواضحة جدا التي انتهجها آل سعود لتدمير وطمس هوية الحجاز هي اللعب بورقة الديمغرافيا فعمل النظام السعودي على خلق حالة من اللا توازن في هذا المجال تهدف إلى جعل الحجازيين اقلية في الوطن الحجازي وتأتى ذلك من خلال عمليات التجنيس الواسعة النطاق للأفارقة والأسيويين والباكستانيين والهنود وغيرهم شريطة أن يكونوا ذوي خلفية وهابية .
خلق مدن متريفة :-
من الأساليب التي انتهجها النظام السعودي لطمس الهوية في الحجاز هي خلق مدن متريفة وهذا الأمر يمكن ملاحظته بوضوح من خلال توطين اكبر عدد من البدو في الحواضر الحجازية وهو ماقاد في نهاية الأمر إلى تغيير الإنسان واللسان الحجازي اللهجة التي تحورت إما إلى الأقرب للبدواة أو تلك الأقرب النطق الأفريقي للهجة الحجازية واستطيع القول أنني كواحد من العارفين باللهجة الحجازية القديمة كوني عشت في اعرق الأحياء الحجازية أن اللهجة الحجازية اغتيلت ولم تعد قائمة ففي الصعيد الفني تم التأثير بوضوح من خلال دعم ما هو بدوي على ما هو حضري وهذا الموضوع يمكن ملاحظته في اختفاء الكلمات الحجازية من الأغنية الحجازية لصالح الكلمات النجدية التي هيمنت على الأغنية طوال العقدين الماضيين بصورة مطلقة ، أو من خلال ظهور الفنانيين ذوي الطابع البدوي على ما سواهم .
التعليم والقيادات التعليمية :-
في منصف الثمانينيات كان معظم مدراء المدارس في مكة وجدة والمدينة والطائف وغيرها من المدن الحجازية من أبناء الحجاز ومن بيوت حجازية معروفة حاليا معظمهم من مناطق نجدية ومناطق بدوية ومن النادر أن تجد مدير مدرسة من أصول حجازية موجودين نعم لاشك في ذلك لكن النسبة ضئيلة وقليلة ولاترتقي إلى كون نسبة التعليم في الحجاز تفوق مثيلاتها في نجد والمناطق الأخرى ، وهذا السلاح استخدم بقوة وفاعلية لتكريس ثقافة البداوة ومقاومة الهوية الخطر المزعوم للهوية الحجازية وبالطبع جميع مدراء المدارس أعضاء في جهاز الاستخبارات السعودية .
التخطيط العمراني :-
تم إزالة 96% من المدينة المنورة القديمة ابتداء من العام 1986م وحاليا لم تعد المدينة القديمة قائمة ومعظم المخططات مملوكة لشخصيات نجدية تعمل مع الأسرة الحاكمة ومن خلال مشروع التوسعة في مكة والمدينة جرى قضم ممتلكات عديدة للأوقاف صحيح مقابل تعويضات خيالية لكن المحصلة النهائية هي طمس هوية شعب بنى حضارته لبنة لبنة وعلت مدى ألف وثلاثمائة عام تماما مثل بغداد ودمشق والقاهرة.
أخيرا إنها دعوة للعالم في التضامن مع شعب الحجاز الذي يعاني من جراء سياسات العسف والجور التي تستهدف هويته الوطنية وموروثه الثقافي .

*رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة

قد يعجبك ايضا