آخره عتق من النار
الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات، والنظر للفرج واليسر، وهو الضوء الذي نراه عندما يحل الظلام.. الأمل والرجاء خلق من أخلاق الأنبياء، وهو الذي جعلهم يواصلون دعوة أقوامهم إلى الله دون يأس أو ضيق ، أملاً في الهداية والصلاح ..
وهو الطاقة التي يودعها الله في قلوب البشر؛ لتحثهم على التعمير، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَفي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا؛ فَلْيَغْرِسْها”.
والأمل يدفع الإنسان إلى العمل، ولولاه لامتنع الإنسان عن مواصلة الحياة ومجابهة مصائبها وشدائدها، وأصبح يحرص على الموت، فالمسلم لا ييأس من رحمة الله؛ لأن الأمل في عفو الله هو الذي يدفع إلى التوبة، واتباع صراط الله المستقيم، وقد حث الله سبحانه وتعالى على ذلك، ونهى عن اليأس والقنوط من رحمته ومغفرته، فقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). وإذا فعل المسلم ذنبًا فهو يسارع بالتوبة الصادقة إلى ربه، وكله أمل في عفو الله عنه وقَبُول توبته..
وقد كان رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام حريصًا على هداية قومه، ولم ييأس يومًا من تحقيق ذلك، وكان دائماً يدعو ربه أن يهديهم، ويشرح صدورهم للإسلام. وقد جاءه جبريل عليه السلام بعد رحلة الطائف الشاقة، وقال له: “وقَدْ بَعَثَني رَبِّي إِلَيْكَ لِتأْمُرَني بِأَمْرِكَ، فَمَا شئتَ: إِنْ شئْتَ: أَطْبَقْتُ عَلَيهمُ الأَخْشَبَيْن” وهو اسم جبلين فقال: “بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا”، فأي أمل هذا الأمل العريض في القبول والاستجابة، لكنه رسول، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله تعالى، وكان رسول الله دائم الثقة في نصر الله له، وبدا ذلك واضحاً في رده على أبي بكر الصديق، أثناء وجودهما في الغار ومطاردة المشركين لهما، فقال له بكل ثقة وإيمان: (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا).
ظل نبي الله نوح عليه السلام، دون أن يمل أو يضجر أو يسأم، يدعو قومه إلى الإيمان بالله ألف سنة إلا خمسين عاماً ، بل كان يدعوهم بالليل والنهار في السر والعلن فُرَادَى وجماعات ،لم يترك طريقاً من طرق الدعوة إلا سلكه معهم أملاً في إيمانهم بالله قال: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) فأوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن معه أحد إلا من اتبعه، فصنع السفينة، وأنجاه الله هو والمؤمنين.
كما ابتلى الله سبحانه نبيه يعقوب عليه السلام بفقد ولديْه يوسف وبنيامين، فحزن عليهما حزنًا شديدًا حتى فقد بصره، لكن يعقوب عليه السلام ظل صابراً بقضاء الله، ولم ييأس من رجوع ولديه، وازداد أمله ورجاؤه في الله سبحانه أن يُعِيدَهما إليه، وطلب يعقوب عليه السلام من أبنائه الآخرين أن يبحثوا عنهما دون يأس أو قنوط، لأن الأمل بيد الله، فقال لهم: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) وحقق الله أمل يعقوب ورجاءه، وَرَدَّ عليه بصره وولديه.
هذا هو الأمل الذي يدفع الإنسان إلى إنجاز ما فشل فـيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه؛ لأن الأمل محله نور القلب الذي سببه الإيمان ومن فقد الإيمان فقد كل شيء وصدق عندما قال أحد الحكماء: “لولا الأمل ما بنا بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارس شجرًا. ولولا الأمل لما تحققت كل الإنجازات التي وصلت إليها البشرية، وذلك لأن المخترع لم يتمكن من تحقيق إنجازه من أول مرة في أغلب الأحيان، وإنما حاول تحقيقه مرة بعد مرة دون يأس أو ملل، ولذلك قيل: الأمل يُنَمِّي الطموح والإرادة واليأس يقتلهما”.
لذلك يجب أن نجعل الأمل موجوداً في القلوب، لأنه من الإيمان، وهو نور.. وأعظم هندسة في الحياة أن تبني جسرا من الأمل .. أما اليأس هو سلم القبر..