إعداد/ محمد أبو هيثم
شهر رمضان المبارك له عند الأدباء مكانة عميقة في الوجدان، وله عبقه الخاص، وروحانيته وحضوره المميز في إبداعاتهم وكتاباتهم، وسطور كتاباتهم المخضرّة بعظمة الشهر الكريم، وفضائله وأنواره البهية.
ومن يعود إلى تاريخ الأدب العربي والإسلامي، سيجد أن الشعراء والأدباء قد احتفوا بهذا الشهر الفضيل، وكتبوا عنه وعن أهميته وعظمته الكثير من الأعمال الإبداعية الرائعة.
وهذا الاحتفاء المتواصل بشهر الرحمة والغفران نجده كذلك عند أدباء العصر الحديث والمعاصر، الذين كتبوا عنه ومنه استلهموا الكثير من الأعمال الإبداعية العابقة بروحانية وعظمة هذا الشهر الكريم، وما يرافق هذا الشهر من عادات وتقاليد اجتماعية جميلة، تعكس مكانة رمضان في حياة المجتمع الإسلامي وحياة كل مؤمن.
عن الترحيب برمضان يقول الشاعر ابن حمديس الصقلي:
قلت والناس يرقبون هلالا
يشبه الصب من نحافة جسمه
من يكن صائماً فذا رمضان
خط بالنور للورى أول اسمه
ويرسم الدكتور طه حسين صورة أدبية عن لحظات الإفطار، فيقول: “فإذا دنا الغروب، وخفقت القلوب، وأصغت الآذان لاستماع الأذان، وطاشت نكهة الطعام بالعقول والأحلام، فترى أشداقاً تنقلب، وأحداقاً تتقلب بين أطباق مصفوفة، وأكواباً مرصوفة، تملك على الرجل قلبه، وتسحر لُبَّه، بما ملئت من فاكهة، وأترعت من شراب، الآن يشق السمع دوي المدفع، فتنظر إلى الظمأ وقد وردوا الماء، وإلى الجياع طافوا بالقصاع، تجد أفواهاً تلتقم، وحلوقاً تلتهم، وألواناً تبيد، وبطوناً تستزيد، ولا تزال الصحائف ترفع وتوضع، والأيدي تذهب وتعود، وتدعو الأجواف قدني قدني، وتصيح البطون قطني قطني، ومع تعدد أصناف الطعام على مائدة الإفطار في رمضان فإن الفول المدمس هو الصنف الأهم والأكثر ابتعاثاً للشهية”.
وتحتفي الشاعرة علية الجعار بشهر رمضان، قائلة:
وإنْ هل بالنور شهر الصيامْ
يجود به الله في كل عامْ
وصمنا له طاعةً في النهارْ
وقمنا له خُشَّعاً في الظلامْ
ويقول الروائي الراحل نجيب محفوظ عن ذكرياته في رمضان:
“شهر رمضان يحرك في نفسي ذكريات كثيرة تجعلني أشعر بالبهجة كلما تذكرتها.. أذكر أنني بدأت الصيام منذ أن كان عمري سبع سنوات، وكنت حريصاً جداً على أن أصعد فوق سطح بيت القاضي الموجود في حي الأزهر حتى أرى مؤذن مسجد الحسين وهو يؤذن لصلاة المغرب”.
وعن ذكريات الطفولة في رمضان يقول: كنت حريصاً على أن أتوجه مع مجموعة من أصدقائي من ميدان العباسية إلى مقهى الفيشاوي الشهير في ميدان مسجد الحسين، وهناك نسهر ونتسامر حتى السحور، وكنا نتحدث في كل شيء حديثاً نافعاً ممتعاً، يشمل التاريخ والأدب والفن إلى جانب الأحاديث الدينية.
أما أمير الشعراء أحمد شوقي فيقول عن الصوم في كتابه أسواق الذهب:
“الصوم حرمان مشروع، وتأديب بالجوع، وخشوع لله وخضوع، لكل فريضة حكمة، وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة، يكسر الكبر، ويعلم الصبر، ويسن خلال البر، حتى إذا جاع من ألف الشبع، وحرم المترف أسباب المنع –عرف الحرمان كيف يقع، وكيف ألمه إذا لذع”.