الإنترنت والجوال وابتزاز الأموال
د. محمد علي بركات
في ظل الإقبال الكبير على الاشتراك في خدمات الهاتف الجوال وخدمة الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ، وتزايد طلب الحصول عليها من الخاصة والعامة .. تسابقت شركات الهاتف الجوال و(الانترنت) على تكثيف الإعلانات عن خدماتها عبر مختلف الوسائل الإعلامية والإعلانية الجمة .. وهكذا تستفيد الشركات والمؤسسات التي تقدم خدمات وسائل الاتصال والتواصل للجمهور أيما استفادة ، وذلك نتيجة لتواصل انتشارها وتنوع استخداماتها بين جميع أوساط المجتمع بصورة محمومة ..
وفي غفلة من المواطنين المشتركين عمدت بعض الشركات إلى مصادرة أموالهم بغير وجه حق ، بحجة واهية مفادها انتهاء الفترة المقررة لتقديم خدمة (الإنترنت) أو إجراء المكالمات الهاتفية .. بالرغم من وجود رصيد نقدي مدفوع مسبقاً لصالح المشترك ، ومع ذلك ينهب هذا الرصيد ولا يعاد له عند تعبئة رصيده بـ( كرت ) آخر مدفوع يمدد فترة إجرائه للمكالمات ، أو تسديد الفاتورة الشهرية مقابل استمرار خدمة (الإنترنت )، وهذا نوع من التحايل والابتزاز بطريقة غير مشروعة وغير سوية ..
فما موقف ملاك شركات الهاتف الجوال المعنية وشركتنا الوطنية التي تقدم خدمة (الإنترنت) مما يحدث من عبث بأموال المواطنين المشتركين في خدمة أي من هذه الشركات ..؟
وما موقف الجهة المعنية المتمثلة في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات التي تمنح تلك الشركات تراخيص ممارسة العمل وفق شروط وعقود واتفاقات .. يفترض أنها تحمي المواطنين من أية مخالفات أو تجاوزات كتلك التي تحدث تحت ستار انتهاء فترة صلاحية تقديم خدمة (الإنترنت) أو إجراء المكالمات ..؟
وهلا أدرك الجميع خطورة الكسب الحرام وإلا ما معنى لتلك التبريرات غير المقبولة وغير المنطقية بأي حال من الأحوال .. وكون المواطنين المشتركين يتحملون تلك الخسائر مجبرين في ظل احتياجهم لخدمة (الإنترنت) والهاتف الجوال .. فذلك لا يعطي الحق للتجار الشطار لاستمرار التحايل في سبيل ابتزاز الأموال .. وليست هناك أية طريقة لجعل تلك الأموال من المكاسب الحلال .. فالحلال بين والحرام بين ، وقوانين الدولة تستند جميعها للشريعة الإسلامية ، وما يخالف الشريعة فهو باطل ، وشريعة الله ورسوله واضحة جلية جلاء الشمس في وضح النهار ..
ولابد أن يتوفر الوعي الكافي لدى المواطنين حول حقوقهم وحول ما يتعرضون له من ابتزاز مستمر وضعت له تبريرات تتوافق مع أهداف من يسعون للحصول على المكاسب غير الشرعية رغم أنف الكبار والصغار ..
ولو قارنا بين كيفية تعامل بعض شركات الهاتف الجوال في اليمن وبين شركات الهاتف الجوال في الأقطار العربية مع المواطنين عند انتهاء فترة إجراء المكالمات ، سنجد اختلافاً بيناً في هذا الإطار .. فبينما بعض الشركات في بلدنا الغالي تصادر أموال المشتركين ، نجد أن الشركات في البلدان الشقيقة تحتفظ بالرصيد النقدي المتبقي للمشترك حتى يضيف إليه رصيداً آخر بتسديد فاتورة أو بواسطة ( كرت ) جديد .. باعتبار أن الرصيد السابق أو اللاحق حقاً للمشترك ولا يحق لأية شركة إضافته إلى أموالها مهما تعددت التبريرات واختلفت لضم ذلك الرصيد ..
وحيال هذا الظلم والابتزاز نؤكد على أمور ثلاثة : الأول ضرورة حرص الجهات المعنية على حقوق المواطنين وعلى حمايتهم من الابتزاز غير المشروع .. والأمر الثاني, أهمية حرص المواطن على حقه وعدم التفريط به ، وإدراك الأساليب العصرية لابتزاز المال حتى يتمكن من حماية نفسه أمام تحايل من هذا النوع .. أما الأمر الثالث, فيتمثل في مدى إدراك شركات الهاتف الجوال لأهمية حسن سمعتها أمام مشتركيها من مختلف أوساط المجتمع ، وحرصها على الكسب الحلال من الأموال مقابل ما تقدمه للمواطنين من خدمات قليلة أو عديدة ..
ومن الثابت أن إحدى تلك الشركات خلال فترة سابقة قد عدلت عن ممارسة ذلك الابتزاز لفترة زمنية محدودة .. واستبشر الناس خيراً بعدم استمرار ضياع أموالهم بتلك الطريقة الملتوية ، واستقطبت الشركة مشتركين جدداً إثر صحوة الضمير الفريدة .. وما أن ضمنت وقوع الناس في ذلك الشرك حتى ( عادت حليمة إلى عادتها القديمة ) .. وذلك أسوة برفيقاتها من الشركات العاملة في نفس المجال التي تستخدم نفس الأسلوب العصري لجمع الأموال دون أن تقدم مقابل ذلك أية خدمة ..
ومنذ ذلك الحين استسلم من استسلم وتذمر من تذمر من المواطنين جراء هذا الابتزاز الذي قننته وحللته تلك الشركات ، وساعدها على ذلك صمت الجهات المعنية .. ثم صمت المواطن المشترك المغلوب على أمره والذي يتعرض للابتزاز دون رادع في حين أنه لم يعد في غنى عن هذه الخدمة اللاسلكية ..
ننتظر وكلنا أمل ومعنا الملايين من المواطنين المشتركين في خدمات الهاتف الجوال وخدمة (الإنترنت) أن تبادر الجهات المعنية بضبط أمور تعامل تلك الشركات مع المواطنين بما لايضر ولا يمس حقوقهم, لأن ذلك لايتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ولا مع مبادئ حقوق الإنسان .. كما ننتظر أن تبادر الشركات بإعادة النظر بجدية لتصحيح هذا الوضع غير السوي أسوة بالشركات المماثلة في الأقطار العربية ، وليتذكروا أننا في اليمن الميمون بلد الحكمة والإيمان ..
ونتوقع إذا صلحت النوايا وصحت الضمائر ألا يستمر هذا الابتزاز الهادئ لشركات الهاتف الجوال و(الإنترنت) وليكن الله في عون المواطن من جور ذوي الشأن .. ولا شك أن الصورة قد اتضحت ليخرج الجميع عن الصمت والاستسلام لذلك الابتزاز الصريح بصورة علنية .. وتلك هي القضية .