برامج رمضانية شاملة تقدم للصائمين لتنوير وعيهم.. وموائد الافطار تصل البيوت
المحويت / ابراهيم الوادعي
على عكس رمضان في الأعوام الفائتة فإن ليل رمضان لهذا العام, حمل في طياته الكثير من الصور المشرقة والمعبرة عن أصالة المجتمع اليمني الصامد في وجه العدوان المستمر قتلا وتدميرا, حصارا وتجويعا بحق شعب بأكمله, منذ ما يقرب من الخمسة عشر شهرا, وهو يواجه آلة قتل وحشية في ظل صمت عالمي مطبق وارتهان للمعتدي وماله الوفير بلغ حد بيع المبادئ التي أنشئت من أجلها الأمم المتحدة وعلى لسان أمينها العام حينما رفعت حلف العدوان من قائمة قاتلي الأطفال رغم كل الأدلة الموثقة والتي جمعتها هي بنفسها.
وفي ظل الظروف القائمة يقدم ليل رمضان في مدينة المحويت انموذجا مصورا عن التكاتف المجتمعي, وتعيش معه تفاصيل صمود نرصد أربعة أمثلة منها في هذا التقرير:
مبادرات مضيئة
أولى صور التكاتف والصمود تتجلى من مبادرة قامت بها مدرسات مدرسة الخنساء للبنات بجمع تبرعات من العاملين في المدرسة لصالح شراء منظومات طاقة شمسية تهدى للفقراء ممن ليس لهم القدرة على شراء طاقة شمسية لمنازلهم نظرا لفاقتهم.
وتقول (ليلى.ش) المبادرة التي قمنا بها انطلقت في أول شهر شعبان وهدفنا من خلالها لتوفير منظومات طاقة شمسية رخيصة للأسر الفقيرة تضمن لها إضاءة دائمة طوال ليل شهر رمضان الكريم, بتعاون من مدرسات المدرسة بدرجة أساسية وأهالي التلاميذ الذين أبلغناهم بالفكرة أو المبادرة الخيرة, وتركنا حجم التبرع مفتوحا كل بحسب قدرته, والحمد لله توفر لنا مبلغ جيد تمكنا معه من شراء من توفير العديد من المنظومات الشمسية الرخيصة –مكونة من 3 لمبات وشحن للهواتف وسعر الوحدة منها 8000 ريال – التي تضمن إضاءة متواصلة خلال ليل رمضان.
وتضيف: في مثل هذه الظروف العصيبة التي نمر بها والعدوان المستمر, يبقى الأمل بعد الله سبحانه في تكاتفنا, وبمبالغ بسيطة جدا قدمها كل فرد منا, تمكنا من إدخال الفرحة إلى العديد من بيوت الفقراء, وأن نجعلهم يستمتعون بليل رمضان معنا, ما نحتاجه فقط هو روح المبادرة, والشعب اليمني أثبت أنه معطاء مهما كانت الظروف القاسية, وهو سينتصر إن شاء الله على هذا العدوان الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا في وحشيته وهمجيته.
شوارع مشرقة
أنموذج آخر للصمود والتلاحم المجتمعي يعكسه الليل الرمضاني في مدينة المحويت التي أضحت شوارعها مضاءة بالكامل تقريبا بعد عام من قطع الكهرباء عنها من قبل مرتزقة العدوان.
وأضحى الأهالي يتنافسون لإخراج قناديل تضيء الشوارع للمارة من منطلق فعل الخير وبروح تكافلية كادت أن تنعدم في الماضي, وأضحت الطرق إلى الشوارع الرئيسية وفي الحارات متخمة بالنور الذي انبثق من قيم مجتمعية متأصلة ومعدن أصيل, كل ما فعله العداون أنه صقله ليلمع من جديد, بعد أن علاه الصدأ بفعل السياسات السابقة التي عملت على تدمير كل شيء جميل في هذا البلد خدمة للمؤامرات الخارجية التي توجت أخيراً بالعدوان بعد أن استفاق الشعب كما يقول الناس هنا.
ويشير الحاج إبراهيم عباس والذي يتدلى من منزله قنديل, يتراص إلى جانب قناديل أخرى تضيء الشارع الصغير المؤدي إلى المسجد القريب في حارة المدينة إلى أن ما يحصل هو يعبر عن روح الشعب اليمني الأصيل والذي كلما قسى العدوان كلما ازداد تكاتفا وتعاونا مع بعضه البعض, وأضحى إنارة الشارع أمام المنزل أمرا أساسيا وبدافع ذاتي خدمة للآخرين, وإظهارا لروح التعاون والتكاتف بحسب الحاج عباس.
والأمر ذاته ينطلق منه طه النجار- سائق أجرة- الذي يلفت إلى أن مدينة المحويت أضحت لوحة جميلة للقادم إليها من بعيد, وبات يخيل للجميع أنها مضاءة بالكهرباء وأن الكهرباء لما تنقطع عنها منذ ما يزيد عن العام, وكل هذا حدث بشكل مبسط, وابتدأ بقنديل واحد وغدا اليوم لوحة جميلة متكاملة تحمل أكثر من معنى إضاءة, بات يعبر عن معنى وسر صمود الشعب اليمني بوجه العدوان الغاشم عليه منذ ما يزيد عن العام .
ويضيف: هذا الأمر يلفت المسافرين معه دائما, ويتفق الجميع أنه طالما استمرت روح التعاون فيما بيننا كيمنيين, فإنه يمكننا الصمود والانتصار أيضا, وكل ما نحتاجه أن ننظر إلى بعضنا ونتعاون.
تنوير الوعي
خلال الأعوام الماضية ولعقود كان ليل رمضان عبارة عن مقايل ومجالس لقراءة القراَن وتجويده, أما ليل رمضان هذا العام وفي ظل اشتداد الهجمة على اليمن بمنع المواد الغذائية والمشتقات النفطية من الوصول, ورفع أسعارهما, وإما باستمرار سفك الدماء في جبهات المواجهة, فيشهد إلى جانب قراءة القران محاضرات توعية بالمؤامرات المستمرة على اليمن لاختراق وإضعاف جبهة صمودهم بوجه العدواَن, ليكون لليل رمضان فائدة مزدوجة, يجري من خلالها تدعيم الصمود الشعبي.
وهذه المحاضرات التوعوية هي جزء من برنامج شامل جرى إعداده خصيصا لإحياء ليالي رمضان هذا العام, فيتضمن إلى جانب الذكر الحكيم بأمور الدين, توعية سياسية وثقافية تقدم كوجبة مكتملة للمواطن ليكون على وعي كامل بالأحداث التي تدور من حوله, وبما يقوى عزيمته ويشحذها مجددا بعد عام ونيف من العدوان.
وفي هذا السياق يلفت عبدالمجيد الوادعي من المكتب الثقافي لأنصار الله بمحافظة المحويت: أن المطلوب من المسلم أن لا يعمل فقط على ختم القراَن مرات عدة فقط وأن يكون ذلك همه الوحيد, وإنما يجب أن يكون على إطلاع بما يجري حوله, وأن يكون على وعي كبير لمواجهة المؤامرات المتعددة فمواجهة المؤامرات التي تستهدف الجبهة الداخلية تبدأ من توعية الفرد فالأسرة ليصبح المجتمع بأكمله صلبا في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الشعب اليمني.
مضيفا حول ماهية البرنامج الرمضاني المقدم: نقدم من خلال هذه المحاضرات والبرنامج الرمضاني الشامل الذي يطوف المقايل والدواوين في عموم المحافظة على مدى الليالي الرمضانية إلى تقديم الأفكار البنائة والمقترحات لتعزيز التعاون المجتمعي, وتجسيد روح التكافل بين الناس بما يخفف عن الناس جميعهم وطأة الحصار والعدوان غير المسبوق على اليمن, ولم يشهد له التاريخ مثيلا في وحشيته وإجرامه بقتل الآمنين وتجويع الأبرياء وسفك دماء الأطفال والنساء.
مائدة إفطار جامعة
الصورة الناصعة الرابعة والأخيرة التي نعرضها تتجلى مع أول لحظة لحلول الليل في شهر رمضان, ومع انطلاق أذان المغرب تفرش الموائد الرمضانية التي يشرف عليها بعض فاعلي الخير من الميسورين, وهي تضاعفت هذا العام لتلبي حاجة المجتمع في ظل توقف الكثير من الأعمال ودخول عشرات من أرباب الأسر في عمالة مؤقتة نتيجة توقف أشغالهم بسبب استمرار العدوان.
ويوضح محمد السري أحد القائمين على هذه الموائد, بأن موائد الإفطار لرمضان هذا العام تتمتع أيضا بخصوصية كبيرة نبعت من ظهور فئة النازحين, وهي أسر بأكملها تعد حاليا في قائمة البطالة, كما أن الكثير من أرباب العمل باتوا عاطلين عن العمل بسبب توقف أشغالهم أو ضعف مردودها بسبب استمرار العدوان أو الحصار الذي يمس بكل جوانب المعيشة للمواطن اليمني.
ويوضح بأن هذه الموائد التي يجري كفالتها من التجار تقدم أنموذجا ورسالة مهمة عن وجوب التعاون والتكاتف الذي أمر به الله سبحانه بين المسلمين, وتعزيز روح التآخي والإحساس بما يعانيه الفقير وهي قيم يحملها لنا شهر رمضان المبارك, لكنها في ظل العدوان تحمل رسالة مضاعفة عن وجوب مد يد العون للفقراء, بشكل أكبر مما اعتدناه خلال الأعوام السابقة.
موائد الإفطار لهذا العام لا تقدم وجبة الإفطار في المساجد فقط, بل تقدم وجبات يجري إرسالها إلى منازل الفقراء مع اقتراب موعد الإفطار, إدراكا من القائمين عليها بأن المأساة الإنسانية التي صنعها العدوان الحصار تعدت حاجة الأفراد إلى الإفطار إلى أسر بكاملها باتت تنتظر يد خيرة تمد إليها فتطعمها من النازحين أو فقراء البلد أنفسهم, ممن تسبب العدوان الغاشم بتدمير مصادر رزقهم.
هذه النماذج المضيئة لبعض من وقت رمضان وفي ليلة فقط هي تفاصيل صمود وقصص خالدة ستروى للأجيال لاحقا, عن سر الصمود وسر الانتصار القريب بإذن لله, لقد أريد لرمضان بكل أوقاته, لا ليله فقط أن يكون قاتما على اليمنيين, تلكم كانت أحلام المعتدين, وظلت أضغاث أحلام, تحطمت على صخرة تعاون وتكاتف وأصالة هذا الشعب العظيم الواثق بالله وبنفسه.
Next Post