أفـراح في زمن الانكسار..
عباس غالب
لاشيء يدعو إلى السرور أو يشيع البهجة في النفوس أكثر من أن يجد اليمنيون أنفسهم بعد مرور أكثر من عام من العدوان والحصار قادرين على الوقوف والصمود في وجه هذه المؤامرة الأممية على شعبنا ووطننا موقعاً وريادة وإنسان.
ولا أبالغ في الإفصاح عن هذه القناعة رغم المآسي الإنسانية والخسائر الفادحة بشرياً ومادياً وفي الجوانب السلبية الأخرى كإثارة النعرات المناطقية والمذهبية وعصبيات الجاهلية الأولى ذلك إن الاستنتاجات والخلاصات الأولية لهذه المعركة ليست في صالح العدوان السعودي ــ الأمريكي وأدواتهما من الداخل والخارج على حد سواء وعلى المستويات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
ومن هذه الزاوية تحديدا ينبغي ألا ننظر إلى طبيعة وحجم الخسائر التي ترتبت على هذا العدوان، لكن ثمة ريادة إضافية باتت تحتلها اليمن في محيطها الإقليمي بالنظر إلى السجال القائم حالياً على مستويات مواقف دول تحالف العدوان الذي باتت أركانه تتصدع الواحدة تلو الأخرى بدليل انسحاب قوات الإمارات من التحالف العسكري، بل وعلى مستوى أوسع من ذلك تبرز الخلافات بين النظام السعودي وإدارة البيت الأبيض فيما نشهده من تجاذبات سياسية وبخاصة عقب تلويح المملكة بسحب تمويلاتها عن مؤسسات الأمم المتحدة الاغاثية إثر التقرير الأممي المدفوع أمريكيا بإدانة السعودية في ارتكاب مجازر بشعة ضد الأطفال في اليمن.
ولاشك أن مثل هذه الحالة قابلة للتصعيد على أكثر من مستوى بين الرياض وواشنطن على الرغم من الأجواء الحميمة التي أطلقها الساسة في البيت الأبيض خلال زيارة ولي ولي العهد السعودي مؤخراً إلى واشنطن، فضلا عن تلك الاعتبارات المرتبطة بتورط المملكة في حروب لا ناقة لها فيها ولا جمل وإنما تعبر عن حالة انفصام داخل هذا النظام الذي يبدو -حسب كل المؤشرات- أنه على وشك الانهيار.
وبالطبع لم يكن أي يمني يريد أن تتصدع أركان أي دولة شقيقة على الرغم من الاختلافات الجذرية بين أنظمتها السياسية.. وهو أمر ــ بالطبع ــ لا يبهج أي شخص باعتبار أن ذلك هو خسارة جسيمة في إمكانات الأمة ومواردها ودورها الطليعي والحضاري في إدارة الصراع الاستراتيجي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي غير أن اكتشاف الوشائج والصلات العميقة بين الكيانين السعودي والإسرائيلي قد كشف بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة خطراً يحيق بالأمة ابتداء من بلاد الرافدين مروراً بحضارة بلاد الشام وانتهاء باليمن السعيد قد عزز من تلك القناعات وترك هامشاً للفرح مهما كانت هذه الكلفة في الانكسارات والمعانات باعتبار إن طبيعة هذه التضحيات وجسامة الصمود سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى قطع الحبل السري عن أدوات هذا الخطر الداهم.
الدكتور مكي في ذمة الله:
غيب الموت مؤخراً فقيد الوطن الكبير الدكتور حسن مكي بعد حياة حافلة بالعطاء في مختلف مواقع العمل الوطني إبان النضال المبكر قبل وبعد الثورة ومن ثم في مراحل البناء الموسسي للدولة الوليدة وتحديداً عقب قيام دولة الوحدة، إذ كان الرجل طيلة هذه المراحل وطنيا بامتياز هائماً باليمن حد الثمالة، عاشقاً لجغرافيا الأرض والإنسان، باذلاً قصار جهده وعلمه وخبراته المتراكمة في خدمة وطنه وتحديث مؤسساته وأدواته والإسهام مع رفاقه بقدر كبير في تهيئة وخلق الظروف الملائمة لوحدة الصف وترميم الجسور بين أبناء اليمن منذ أن عاد من الخارج مع تباشير الضوء السبتمبري، منخرطاً مع ثلة من الرواد في بناء مداميك الدولة وصياغة أفق جديد للمستقبل يعيش فيه المواطن حرا وقادراً على العطاء في مجتمع تسوده قيم العدالة والمساواة والديمقراطية.. رحم الله الفقيد الدكتور حسن مكي ورفاقه اللذين غادرونا في أصعب لحظات التاريخ قساوة بعد أن سجلوا في سفـر مسيرة الوطن دروساً نتعلم منها ونستمد منها كذلك أكثر اللحظات عنفواناً للرد على مجمل التحديات.