الشجاعة خُلُق كريم ووصْف نبيل، يَحمل النفس على التحلِّي بالفضائل، ويَحرسها من الاتِّصاف بالرذائل، وهي ينبوع الأخلاق الكريمة والخِصال الحميدة، وهي من أعزِّ أخلاق الإسلام، وأَفخر أخلاق العرب، وهي الإقدام على المكاره، وثَبات الجأش على المخاوف، والاستهانة بالموت، إنَّها سرُّ بقاء البشر واستمرار الحياة السليمة والعيشة الرضية على الأرض، لأنَّها تَجعل الإنسان يُدافِع عن حياته، فالشجاعة غريزة يَضعها الله فيمَن شاء من عباده؛ يقول عمر بن الخطاب: “إنَّ الشجاعة والجُبن غرائزٌ في الرجال”؛ سنن الدار قطني.
والعرب يقولون: “إن الشجاعة وقاية، والجُبن مَقتلةٌ”، قال أحد الحكماء: “اعلَم أن كل كريهة تُرفَع أو مَكْرُمة تُكتَسب، لا تتحقَّق إلا بالشجاعة، ورؤوس الأخلاق الحسنة، أوَّلها الصبر؛ فإنَّه يَحمِل على الاحتمال وكظْم الغيظ وكفِّ الأذى، ثم العِفَّة، وهي تَجنُّب الرذائل والقبائح، ثم الشجاعة، وهي صفةٌ تَحمِل على عزَّة النفس وإيثار معالي الأخلاق، ثم العدل، فإنَّه يَحمِل على الاعتدال والتوسُّط، وقال بعضهم: “الشجاعة صبر ساعة”، وقال المناوي في “التوقيف على مهمات التعاريف”: “الشجاعة: الإقدام الاختياري على مخاوف نافعة في غير مُبالاة”، وقال غيره: “الشجاعة هي الصبر والثبات والإقدام على الأمور النافعة تحصيلاً، وعلى الأمور السيئة دفْعًا، وقيل: هي جُرأة القلب وقوَّة النفس عند مواجهة الأمور الصعبة، وقال أرسطو: “الشجاعة أُوْلى سماتِ البشر، فهي التي تَجعلُ بقيَّة السمات مُمكنة”.
والحقيقة أن الشجاعة هي القائدة إلى الأمام، والمُوبَوِّءة منصبَ الهمام، والقاضية على الذلِّ والهوان، وهي سرُّ بقاء البشر واستمرار الحياة وعمران الأرض، وهي من صفات الكمال والجمال، وبها اتَّصف الأنبياء والمرسلون، وامتاز بها سيِّدهم وإمامهم محمد – صلى الله عليه وآله وسلّم – يقول أنس – رضي الله عنه -: “كان رسول الله – عليه الصلاة والسلام – أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجعَ الناس. فعن البراء – رضي الله عنه – قال: “وكان إذا احمرَّ البأس، يُتَّقى به – يعني: النبي – صلى الله عليه وسلم – وإنَّه الشجاع الذي يُحاذَى به”، ويقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وهو من أبطال الأمة وشُجعانها: “لقد رأيتُنا يوم بدر ونحن نلُوذ برسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – وهو أقربُنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يَومئذ بأسًا”.
وقد حثَّ النبي – عليه الصلاة والسلام – أمَّته على الشجاعة، وجعَلها مَجلبة لحب الله ورضاه؛ يقول – صلى الله عليه وسلم -: “ثلاثة يُحبُّهم الله – عز وجلَّ – وذَكَر منهم: ورجل كان في سريَّة، فَلقوا العدوَّ، فهُزِموا، فأقبَل بصدره؛ حتى يُقتلَ، أو يَفتحَ الله له”.
والشجاعة عزٌّ والجبْن ذلٌّ، وكفى بالعزِّ مطلوبًا ومقصودًا، وبالذلِّ مصروفًا عنه ومرغوبًا، والشجاع مُحبَّب إلى جميع الناس حتَّى إلى أعدائه، والجبان مُبغض حتى إلى أعمامه، وقد قال الرسول – صلى الله عليه وسلم – فيما رواه أبو داود بسنده عن أبي هريرة، يقول: سمِعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “شرُّ ما في الرجل: شُحٌّ هالع، وجبن طالع”، وكانت الشجاعة مفخرة العرب في الجاهلية أيضًا، يتفاخَرون بها، ويتمادحون.
Next Post