تحقيق/ رجاء عاطف
تباينت الأدوار التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية، والأهداف التي تعلنها، عبر الحقب الزمنية المختلفة إذ بدأت كمنظمات إغاثة ثم منظمات خيرية ثم منظمات تنمية ومشروعات صغيرة، وكما تعتبر منظمات المجتمع المدني شريكا أساسيا في تحقيق التنمية المجتمعية لاسيما بعدما أصبحت الدولة غير قادرة على الإيفاء بالاحتياجات الأساسية للمواطنين كما ونوعا أو الوصول إلى كافة الفئات الأكثر حاجة..
وفي الوقت الذي تحتاج فيه التنمية إلى رؤية تنموية شاملة واستراتيجيات وطنية وقطاعية صار التنسيق بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص أهم ركيزة في النجاح التنموي.. ومن غير هذا التعاون لا تكون العملية التنموية مكتملة، وبالتالي يصعب أن يكتب لها النجاح .. ولكن منظمات المجتمع المدني اليوم تشهد غياباً كبيراً أو تغييباً تحت ضغط العدوان الحرب والظروف الصعبة.. فلماذا هذا الغياب في الوقت الذي نجد المجتمع في أمس الحاجة إليها.. ؟؟
هذا ما سنجيب عليها في سطور التحقيق التالي:
هناك بعض القصور في أداء منظمات المجتمع المدني في بلادنا بل وبعض الممارسات الخاطئة هكذا تحدث سمير احمد مريط – المدير التنفيذي لمنظمة سواسية لمناهضة التعصب والتمييز، حيث قال : لا يعني أننا لسنا بحاجة إليها أو نغفل دورها الهام لها ، وأن العدد الهائل للمنظمات الغير فاعلة على الساحة والتي لا تمتلك غير اسمها في كشوفات وزارة الشؤون الاجتماعية إلا أن هذا لا يدعي للإحباط في إنشاء منظمات جديدة إذا ما وجد طموح جاد للقيام بعمل متميز في أي مجال من مجالات العمل المدني ، وأضاف إن ما تقوم به المنظمات من ادوار ايجابية أو سلبية هو ما يقيمها ويمكن أن يدافع عنها أو يدينها فهناك فوارق وتباينات عديدة بين أداء تلك المنظمات من حيث القيام بدور ايجابي فعال يخدم المجتمع أو أدوار سلبية تعكس نظرة خاطئة عن منظمات المجتمع المدني ومنها ما هو خامل و وهمي غير ان بعض المنظمات ولدت ميتة أصلا ولذلك فالحكم على منظمات المجتمع المدني بحكم واحد امر فيه ظلم واجحاف .
سلبيات وايجابيات
ويضيف مريط : إن منظمات المجتمع المدني بما فيها الاتحادات والنقابات لم تترك لشأنها وتدخلت الأحزاب السياسية في عملها بشكل مباشر أو غير مباشر ولهذا فهناك حرب غير معلنة تمت وتتم على المنظمات التي كان من الممكن أن يكون لها تأثير قوي وايجابي في المجتمع، إلى جانب أن عدم وجود تمويل نظيف ومستقل يضمن حيادية منظمات المجتمع المدني وديمومة عملها واستمرار أنشطتها والذي لو وجد لكان من شأنه الارتقاء بعملها وتفعيل المنظمات التي عجزت عن الاستمرار في أنشطتها، وهنا لا بد من الإشارة إلى محدودية الدعم الحكومي الرسمي وعدم حياديته في أحيان كثيرة ثم إلى غياب دور رأس المال الوطني وغياب الوعي بأهمية هذا القطاع الواسع الذي كان سيحدث تغييرا ايجابيا في المجتمع المدني ومنظماته.
وقال: إن من سلبيات منظمات المجتمع المدني كثيرة ويأتي على رأسها التخبط في ادائها وتعارضها مع بعضها البعض وعدم وجود التنسيق والتكامل فيما بينها وهو ما أدى إلى التكرار في مسمياتها وأهدافها مع صعوبة تحقيقها على مستوى الوطن بأكمله وكان بالإمكان النجاح لو توحدت الجهود ، ويضيف إن التخصص في عمل المنظمات ما زال مفقوداً، فأغلب المنظمات تزعم أنها تستطيع العمل في جميع المجالات كالإغاثة والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان بالإضافة إلى مجال الصحة والتعليم وتضع بعض المنظمات أهدافا لا تستطيع خمس وزارات مجتمعة تحقيقها أو حتى الأمم المتحدة فما بالنا بمنظمة محلية لا تملك فرعا لها في أي محافظة، مشيراً إلى سلبية تمركز اغلب المنظمات في المدن الرئيسية خاصة بأمانة العاصمة ولذا فهي لا تمثل المجتمع تمثيلا حقيقيا ، بالإضافة إلى أنها مازالت غير قادرة على تبني مصالح وهموم شرائح المجتمع الذي تدعي أنها تمثله ، بل أنها لم تستطع أن تخلق لدى شرائح المجتمع نظرة ايجابية عنها.
وهم في المرحلة الحرجة
ونوه خلال حديثه بأن في هذه المرحلة الحرجة والظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا كان من الطبيعي أن يتقلص الدور الايجابي لهذه المنظمات بل أن الكثير منها توقفت عن ممارسة أي دور رغم أن احتياج المجتمع لها في فترات الحروب والكوارث يكون أكثر لتمثله وتدافع عن حقوقه ومصالحه في مختلف المجالات ولو كنا جميعا مدركين حجم مسؤوليتنا تجاه المجتمع الذي نمثله لكانت هذه الأوضاع هي الفرصة المناسبة ليبرز دور منظمات المجتمع المدني وإنقاذ المجتمع من أولئك الذين كانوا سببا في دماره ولكن مع الأسف أثبتت الأيام أن لدينا وهماً اسمه منظمات المجتمع المدني باستثناء القليل منها التي استطاعت الاستمرار في عملها ولكن هذا الاستثناء لا يمكن أن يكون مؤثرا بشكل يمكن للمواطن لن يلمسه.
ويخلص قوله: إن أداء منظمات المجتمع المدني مازال قاصرا دون المستوى المطلوب ويشوبه العديد من الاختلالات ويواجه العديد من الصعوبات ولكن كل هذا لا يجب أن يقودنا إلى الكفر بأهمية منظمات المجتمع المدني والسعي لتعزيز قدراتها وامكانياتها وحمايتها ومساعدتها في الحصول على الدعم الذي يحميها من التدخلات والإملاءات من أي جهة لأن منظمات المجتمع المدني تظل ركيزة أساسية من ركائز الدولة الحديثة وركناً من أركان الديموقراطية واحد الممارسات الهامة لها. ولذا فعلينا جميعا السعي المستمر لتحسين أدائها لتمثل المجتمع وتتبنى مصالحه وتسهم في تحقيقها كي تصبح اسما على مسمى .
تعمل في أوضاع مستقرة
ومن جانبه يرى وضاح المودع – عضو قيادي بمنظمة الائتلاف اليمني لرصد جرائم العدوان أن اليمن وخلال سبعة آلاف سنة من تاريخه لم يتعرض لهجمة شرسة كالتي فعلها العدوان السعودي الذي أثر على كل مسارات الحياة في اليمن بلا استثناء وكانت منظمات المجتمع المدني أحد المتأثرين بشكل واضح وهذا قد يكون سبباً في اختفاء الكثير منها في ظل معاناة المواطنين بظروف الحرب ،وقال : إن الحصار الاقتصادي أثر على المنظمات فالعمل الأهلي والعمل المدني يعتمد كثيرا على التبرعات والهبات وهذه صارت شبه نادرة بسبب تأثير الحصار والعدوان الاقتصادي على المتبرعين ، ويرى أن السبب الثاني يتمثل في أن كثيراً إن لم يكن جل المنظمات كانت مجرد لافتات لتحقيق مكاسب شخصية ولذا وبمجرد بدء العدوان تغربلت كثير من هذه المنظمات وظهر القناع الذي كانت تختفي وراءه وكانت بعض هذه المنظمات منظمات ديكورية ليست أكثر من لافتة ومكتب ولم تقم منذ انشائها بأي جهد مؤكداً أن العدوان الاقتصادي عبر الحصار هو السبب الرئيسي لتأثر عمل منظمات المجتمع المدني ومع ذلك لو كان شعور المسؤولية موجودا لدى بعض وليس كل تلك المنظمات لقامت بالحد الأدنى من واجباتها وان المواطن اليمني لا يحتاج لمنظمات مجتمع مدني لا تعمل إلا في ظل أوضاع مستقرة فيما تتبخر في الظروف شديدة الاحتياج ..
جزء من نسيج المجتمع
فيما يقول المهندس عبدالرحمن العلفي – المدير التنفيذي لمركز منارات : إن لمنظمات المجتمع المدني دور يشمل جوانب الحياة المتصلة باحتياجات أعضاء هذه المنظمات وأن المهام المتصلة بالتنمية المجتمعية واسعة ومتعددة ولكن الوظيفة الأساسية تنصب على الأعضاء المنضويين في المنظمات مثل الجمعيات الزراعية التي تنطلق من خدمة المزارعين المساهمين في الجمعية وتتسع الخدمات لغير الأعضاء عندما تكون الجمعية قادرة وكذلك النقابات العامة وينطبق ذلك على منظمات المجتمع المدني ومنها مراكز البحوث والدراسات والمنظمات الحقوقية والتعليمية والثقافية ، ويرى انه ليس بالمطلق أن تكون منظمات المجتمع المدني غائبة بل على العكس أحيانا في فترات المعاناة بسبب الحروب والتخلف الاقتصادي الناتج عن تراجع دور مؤسسات الدولة تظهر مساهمات منظمات المجتمع المدني وتتقوى وهناك حالات أخرى في ظل المعاناة ينعكس على المنظمات نفسها لأنها جزأ من نسيج المجتمع وأحد أدواته .
استغلالها من قبل المتنفذين
وأكدت الدكتورة سكينة أحمد هاشم – أستاذ مشارك بقسم الخدمة الاجتماعية /جامعة صنعاء أن للمنظمات دوراً كبيراً جدا فهي الشريك للدولة في إقامة البرامج والمشاريع التنموية وكما نعرف أن المجتمع يتكون من قطاعين عام وخاص وفي ظل غياب القطاع العام نشأ ما يعرف بالقطاع الثالث الذي سمي بالقطاع التطوعي وقطاع منظمات المجتمع المدني وكان من أولوياته القيام بمشاريع وبرامج التنمية، وقالت: فما يتعلق بغياب دورها في الوضع الراهن لأنه تم استغلالها من قبل المتنفذين سياسيا وتم تسييس منظمات المجتمع المدني لصالح الأحزاب السياسية واستغلالها فيما يخدم مصالحهم السياسية وبالتالي التغييب عن الدور المجتمعي ومشاركتها في التنمية ..
وأشارت سكينة في ورقة عملها عن دور المنظمات غير الحكومية في التنمية إلى أن مراجعة الإعلان العالمي للحق في التنمية تكشف عن مكونات أساسية يتضمنها الإعلان يقع في قلبها المشاركة الشعبية والتوزيع العادل لمنافع التنمية ، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بالمنظمات غير الحكومية ، ومصدر هذا الارتباط, أن هذه المنظمات أضحت آلية أساسية لتفعيل المشاركة الشعبية في التنمية, وهو ما ذهبت إليه مختلف الوثائق العالمية للأمم المتحدة وأكد عليه الخطاب السياسي لحكومات العالم خاصة الدول النامية، وعلى الجانب الآخر, فإن اعلان الحق في التنمية يرتب التزامات على الحكومات لتشجيع وتعزيز المشاركة وتوفير الحقوق الأساسية وهو ما يشير إلى مسؤوليات أساسية تتحملها الحكومات (لتهيئة المناخ) لآليات المشاركة عامة والمنظمات غير الحكومية على وجه الخصوص.
آلية للتحول الاقتصادي
وذكرت أن أهم الأسباب العملية تتمثل في تصاعد وزن المنظمات غير الحكومية في عملية التنمية بعد أن اخفقت غالبية تجارب وخبرات التنمية التي استندت على بناء علوي تمثل في ايديولوجية للتنمية تفرض من أعلى إلى أسفل وغابت عنها ـ إلى حد كبير ــ المشاركة الشعبية الفاعلة وفي إطار هذا التوجه الجديد لتفعيل دور المشاركة من جانب المواطنين, برز اهتمام عالمي من جانب المؤسسات العالمية ومؤسسات التمويل, للتأكيد على الدور الفاعل للمنظمات غير الحكومية, وحدث ذلك في سياق عالمي وإقليمي يشهد تحولات اقتصادية وسياسية, وقد تمثل أهم هذه التحولات في تفعيل دور القطاع الخاص والتحول نحو الخصخصة, الذي صاحب سياسات الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة الاقتصادية، وفي هذا الإطار برزت المنظمات غير الحكومية كآلية للتحول الاقتصادي من جهة, وللتعامل مع الفئات المهمشة من جهة أخرى ولكسر مركزية الدولة من جهة ثالثة, إلى جانب ذلك فقد صاحبت هذه التحولات الاقتصادية, تحولات سياسية تمثلت في الديمقراطية, واحترام الحقوق الاساسية للإنسان ودعم المجتمع المدني وقد شهدت هذه التغيرات الاقتصادية والسياسية غالبية الدول النامية ودول أوروبا الشرقية بعد موجة انهيار النظم الشيوعية. في هذا السياق الذي يشهد تغيرات اقتصادية وسياسية واجتماعية, تزايد الوزن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمنظمات غير الحكومية وتشكلت رؤية Vision لهذه المنظمات باعتبارها آليات أساسية للإسهام في التنمية ولتفعيل المشاركة القاعدية ومن منظور قدراتها على الاستجابة المرنة لاحتياجات المجتمع.
تحسين مجتمع المواطنين
كما طرحت لجنة متابعة المنظمات الأهلية العربية (الشبكة العربية للمنظمات الأهلية حاليا) مشروع ميثاق شرف أخلاقي تلتزم به المنظمات العربية غير الحكومية, نشير إلى ما تضمنه من التزام بمبادئ التنمية البشرية ينبغي أن تركز التنمية في جهودها وتعطي الأسبقية لإشباع الحاجات وتحقيق الآمال لأفقر الناس وأكثرهم هامشية، وعليها أن تواجه المطالب الحالية لحقوق الإنسان ومشكلات البيئة الطبيعية وأن تنزع إلى حل المنازعات الاجتماعية بطريقة سلمية، وإضافة إلى ذلك فإن التنمية هي عملية اجتماعية وثقافية وسياسية وليست محض انجازات اقتصادية ينبغي أن توجه برامجها وجهودها لتدعيم مؤسسات المجتمع المدني وأن تعمل المنظمات غير الحكومية على الإسهام البارز في هذه العملية إلى جانب الكثير من الجهود في هذا الجانب .
وأخيراً يكمن دور المنظمات غير الحكومية في أنها تتيح للمواطنين تحسين مجتمعهم من خلال المناداة بالآراء ومناصرتها والتثقيف وحشد الانتباه إزاء قضايا عامة رئيسية ومن خلال مراقبة سلوك الحكومة والمؤسسات الخاصة ، كما تمكن المواطنين من مختلف شرائح المجتمع من تعلم كيفية العمل معاً واكتساب المهارات وإقامة العلاقات والثقة الضرورية للحكم الرشيد، إلى جانب أن هذه المنظمات تخدم تشكيلة واسعة متباينة من مصالح المواطنين فقد تكون بمثابة مزود بالخدمات الاجتماعية، أو تقوم بالمدافعة عن البيئة أو مستوى المعيشة ومعايير العمل أو تكون المحفز الذي يؤدي إلى التغير الديمقراطي ، كما تمثل في الكثير من الأحيان مصالح أولئك المواطنين الذين قد يتركون لولا وجودها خارج نطاق المناقشات السياسية القومية وهي تفتح بذلك باب الخطاب العام للناس من جميع الطبقات الاقتصادية والاجتماعية وللنساء والأقليات.