التواضع هو لين الجانب، وعدم التعالي على الناس، وهو من الأخلاق المثالية والصفات العالية، فالمسلم متواضع في غير مذلة ولا مهانة، والمتعالون في الأرض يطبع الله على قلوبهم ويعمي أبصارهم، فلا يستشعرون قدرة الله القاهرة فوقهم ولا ينتفعون بآيات الله الباهرة من حولهم يقول تعالى: ?كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ?.
وقد توعد الله تعالى هؤلاء المتكبرون في الأرض بالنهاية الذليلة في الدنيا والحساب الأليم في الآخرة، وقيل: (التواضع سلَّم الشرف). وقال الشاعر:
تواضع تكن كالبدر لاح لناظر ** على صفحات الماء وهو رفيع.
وقال آخر:
تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة ** فإن رفيع القوم من يتواضع.
ومن الناحية العقلية، فالتواضع صفة الإنسان الذي يعرف قدر نفسه، صفة الحكيم العاقل.. أما من الناحية البيولوجية العضوية، فالمتكبر يحمل صفة الحقارة.. فالإنسان الذي يحمل في جوفه القذر، كيف يتكبر؟ وعلى من يتكبر؟
ومن الناحية الإيمانية، فهو صفة العبد الطائع الرضي الذي يعرف أن الكبر من صفات الله تعالى وحده يقول في الحديث القدسي: “الكبرياء ردائي”.
والمسلم يعرف مقدار نفسه، ويعلم علم اليقين أنه عبد لله ناصيته بيده، فإذا تكبر لقوة في بدنه فإن بعوضة ترديه؛ وقد أهلكت النمرود، وإذا تكبر لمال فإن قارون كان أغنى منه فخسف الله به وبداره الأرض، وما تكبر عبد؛ إلا نقص من عقله بمقدار ما تكبر به على الناس.
ولم يذكر القرآن لفظة (التواضع) إنما صورها بهذه الصورة البلاغية المعجزة فقال: ?وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ?، وقال جل من قائل: ?وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا?.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ” ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً يعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه”. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين، والشرف في التواضع.
وقال عروة: أشد العلماء تواضعاً أكثرهم علماً، ومن الأمثال قولهم: كلما ارتفع الشريف تواضع، وكلما ارتفع الوضيع تكبر.
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إمام المتواضعين، فالمعروف أن القادة المنتصرين في المعارك، والفاتحين الذين يدخلون المدن المفتوحة كانوا يشمخون بأنوفهم نحو السماء بينما كان النبي عليه وآله الصلاة والسلام حين دخل مكة فاتحاً قد أحنى رأسه حتى إن لحيته الشريفة لتمس رحل ناقته وكان رحلاً رثاً زيادة في تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم، فأين عظمة العظماء من عظمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في تواضعه في كل شأن من شؤون حياته؟
ولقد شهد عديد من المؤرخين الذين درسوا سيرة محمد عليه وآله الصلاة والسلام بتواضعه إذ يقول المستشرق الأسكتلندي وليام مونتغمري: إن محمداً اكتسب احترام الناس وثقتهم عن طريق أعماله التي بنيت على أساس ديني، وكذلك خصال تمتع بها كالشجاعة والحزم والنزاهة.. إلى جانب أنه كان يتمتع بأخلاقيات تأخذ بمجامع القلوب منحته محبتهم وأمنت إخلاصهم.
قد يعجبك ايضا