وليد محمد سيف
في العام 1929 شهدت الولايات المتحدة الأمريكية، المركز المقدس للرأسمالية العالمية، أزمة اقتصادية كادت أن تعصف بالنظام الرأسمالي برمته، جرى وصفها بـ ( الكساد الكبير).. وفي محاولة لعدم تكرار هكذا أزمة تبلورت نظرية اقتصادية تماثل في نتائجها الآثار المترتبة على الزكاة في النظام الاقتصادي الإسلامي… وإن بفارق زمني تجاوز الألف والأربعمائة عام.
في ذلك العام المشؤوم كانت الأسواق زاخرة بالبضائع، لكن العوز وضيق ذات اليد، ظل حائلا دونما اقتنائها، فأغلقت المصانع والمتاجر أبوابها، لتقذف بعمالها إلى أرصفة الفقر والبطالة .. وفي حين كانت أصداء النظرية الاقتصادية لآدم سميث ما زالت حاضرة في ضرورة عدم تدخل الدولة في آلية السوق باعتبار أن العرض يخلق الطلب، أثبت الواقع المرير ان العرض لا يمكن له أن يخلق الطلب المقابل له دونما تدخل فاعل من الدولة لإعادة توزيع الدخول والثروة بين أفراد المجتمع … وكان عالم الاقتصاد البريطاني جون مينارد كينز صاحب الفضل في تشخيص الأزمة الاقتصادية تلك، وتفسير مسبباتها، التي تعود إلى الطريقة التعسفية في توزيع الدخول واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ونقص الطلب الكلي الناتج عن سوء توزيع الثروة.. لتتبلور حينها النظرية الكينزية في الاقتصاد التي أتت على النظرية الكلاسيكية لآدم سميث، ولتزداد المطالبات بأن يكون للفقراء حق في أموال الأغنياء عبر سياسات مالية وضريبية تستهدف زيادة أجور العمال وتوفير فرص عمل للجميع لما يشجع زيادة الإنفاق والاستهلاك عند هذه الشريحة التي تمثل نسبة كبيرة من المجتمع وبالتالي تعمل على ضخ مزيد من الأموال في شرايين الاقتصاد، تضمن استمرار دوران ماكينة المصانع والنشاط التجاري وزيادة معدلات النمو الاقتصادي.. وبداهة فالنمو الاقتصادي لا يخدم فقط العامل بل يضمن قبل ذاك زيادة أرباح صاحب رأس المال ذاته.
أسهمت النظرية الكينزية ليس فقط في الحيلولة دون تكرار أزمة اقتصادية للرأسمالية شبيهة بما حدث العام 1929م وأثمرت في خلق دولة الرفاه الاجتماعي، عبر التوسع في شبكات الرعاية الاجتماعية والصحية والضمان الاجتماعي ضد البطالة .. وهي نتائج شبيهة بالمعالجات الاقتصادية والاجتماعية للزكاة في الإسلام غير أن العقل البشري استلزم ما يربو على ألف وأربعمائة عام ليصل إلى ذات النتائج التي تتغياها الزكاة كآلية ربانية سماوية، لا تستهدف فقط ـ كما الكينزية ـ تحقيق منفعة عملية براجماتية ، وتعمد بدرجة أساسية إلى زيادة ثروة الأغنياء عبر تحقيق النمو الاقتصادي، بل تهدف أيضا إلى الحد من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية الناشئة عن سوء توزيع الثروة..
فطالما أن العرض لا يخلق الطلب دائما، لاسيما عندما لا يجد الفقير ثمن السلعة المعروضة، وربما ثمن ما يسد رمقه… يصبح من العدل وضع بعض من المال المكتنز لدى الأغنياء في أيدي الفقراء لسد احتياجاتهم الضرورية، لتعمهما الفائدة: الفقير في سد حاجاته والغني في تجنيبه نقمة الفقير الجائع وشره المستطير، وأصحاب الأعمال في نمو أرباحهم كنتيجة طبيعية لزيادة الإنفاق والاستهلاك… فالزكاة حقا نماء وثراء.
Next Post