نوادر العرب
حكى أنه كان فى زمن هارون الرشيد قد حصل غلاء سعر ، وضيق حال حتى اشتد الكرب على الناس اشتدادا عظيما, فأمر الخليفة هارون الرشيد الناس بكثرة الدعاء والبكاء ، وأمر بكسر آلات الطرب ، ففى بعض الأيام رؤي عبد يصفق ويرقص ويغنى, فحملوه إلى الخليفة هارون الرشيد ، فسأله عن فعله ذلك من دون الناس ، فقال : إن سيدى عنده خزانة بر ، وأنا متوكل عليه أن يطعمنى منها ، فلهذا أنا لا أبالى فأنا أرقص وأفرح ، فعند ذلك قال الخليفة : إذا كان هذا قد توكل على مخلوق مثله ، فالتوكل على الله أولى ، فسلم للناس أحوالهم ، وأمرهم بالتوكل على الله تعالى .
عروة بن اذينة وهشام بن عبدالملك
حُكيَ أن عروة بن أذينة الشاعر وفد على هشام بن عبد الملك في جماعة من الشعراء فلما دخلوا عليه عرف عروة فقال له ألست القائل:
لقد علمتُ وما الإسرافُ من خُلقي أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليـه فيعييني تطلبهُ ولو قعدت أتاني لا يعنيني
وأراك قد جئت من الحجاز إلى الشام في طلب الرزق فقال له:
يا أمير المؤمنين زادك الله بسطة في العلم والجسم ولا رد وافدك خائبا والله لقد بالغت في الوعظ وأذكرتني ما أنسانيه الدهر..
وخرج من فوره إلى راحلته فركبها وتوجه راجعا إلى الحجاز.
فلما كان في الليل ذكره هشام وهو في فراشه فقال:
رجلٌ من قريش قال حكمة ووفد إلي فجبهته ورددته عن حاجته وهو مع ذلك شاعر لا آمن ما يقول.
فلما أصبح سأل عنه فأُخبر بانصرافه وقال:
لا جرم ليعلم أن الرزق سيأتيه ثم دعا مولى له وأعطاه ألفي دينار وقال:
إلحق بهذه ابن أذينة وأعطه إياها..
قال: فلم أدركه إلا وقد دخل بيته فقرعت الباب عليه فخرج إلي فأعطيته المال فقال:
أبلغ أمير المؤمنين قولي سعيت فأكديت ورجعت إلى بيتي فأتاني رزقي ”
إن أنصفتني وإلا رفعت أمري إلى الله
وروي أن رجلاً من العقلاء غصبه بعض الولاة ضيعة له، فأتى إلى المنصور،
فقال له: أصلحك الله يا أمير المؤمنين أأذكر لك حاجتي أم أضرب لك قبلها مثلاً.
فقال: بل اضرب المثل.
فقال: إن الطفل الصغير إذا نابه أمر يكرهه فإنما يفزع إلى أمه، إذ لا يعرف غيرها وظناً منه أن لا ناصر له غيرها، فإذا ترعرع واشتد، كان فراره إلى أبيه، فإذا بلغ وصار رجلاً وحدث به أمر شكاه إلى الوالي لعلمه أنه أقوى من أبيه، فإذا زاد عقله شكاه إلى السلطان لعلمه أنه أقوى ممن سواه، فإن لم ينصفه السلطان شكاه إلى الله تعالى لعلمه أنه أقوى من السلطان، وقد نزلت بي نازلة، وليس أحد فوقك أقوى منك إلا الله تعالى، فإن أنصفتني وإلا رفعت أمري إلى الله تعالى في الموسم، فإني متوجه إلى بيته وحرمه.
فقال المنصور: بل ننصفك، وأمر أن يكتب إلى واليه برد ضيعته إليه.