حذاري
عبدالرحمن اللاحجي
لا يوجد في قواميس الثورات العارمة التي اجتاحت العالم منذ أكثر من خمسمائة عام ثورة بإمكانها أن تضاهي الثورة اليمنية الخالدة “تكتيكاً وتنظيماً ونقلات ومظلومية وانتصار و…إلخ” بشهادة كبار المفكرين والمنظرين والمهتمين في هذا السياق!.
قدر اليمنيين أن يعيشوا مراحل ثورية “متشعبة -مترابطة -متعاقبة” ذات نفس ثوري واحد، وزخم شعبوي متوهج، بإرادة صلبة، وعزيمة فولاذية امتدت منذ انطلاق شرارة الثورة السبتمبرية الخالدة وحتى اليوم لا تزال المراحل طويلة بالرغم من إسدال الستار عن عبوسية الليل ودماسة لياليه الموحشة.
العوامل والمسببات التي أسهمت في تجاوز العثرات والمطبات الماضية كثيرة ومتعددة ولكن: من المهم الإشارة في هذه الجزئية المختصرة إلى تلك المرتبطة بقوة الروح، ومكامن النفس الداخلية، المنبثقة من عدالة القضية، واستقامتها، والمتجسدة على هيئة موقف صلب -متماسك لا يبالي بذهاب الروح فضلاً عن سفاسف الدنيا وملذاتها الفانية!.
من الضروري أن تبقى تلك الحالة الثورية متوهجة ومتجذّرة في نفوس الثوار، ومحاطة بلوح سميك من الانطلاقة، والتشمير نحو استكمال ما تبقى في جُعبة القائد بالشكل الذي يمنع تأثرها بأية مظاهر مادية أو معنوية -ذاتية فارغة، كما أن قلوب الثوار ذاتها يجب أن تبقى نابضة بالعطاء والبذل والتضحية مهما كان حجمها، أو شدّتها أو قسوتها، حيث أن مجرد التفكير في التراجع يعني الكثير من الخسارات التي ستمتد لتشمل أجيالاً لاحقة، فهل سنكون راضين عن لعنات الأجنّة حين تحل علينا في قادم الأيام إن تقاعسنا أو فرّطنا ؟ بالتأكيد “لا”!.
لا يعتقد أولئك النفعيون والانتهازيون الذين وجدوا أنفسهم في مرحلة من الأوهام والأحلام العبثية الساذجة حين انساقوا وراء ترف مادي زائل، أو منصب معنوي مخدوع، وتركوا روح البذل والعطاء جانباً، أنهم سيكونون بمنأى عن غربلة الأحداث الثورية القادمة؛ لأن الثورة لن تتراجع البتّة، ومن سيتراجع إن “كُتب عليه ذلك” هي تلك البالونات الفارغة التي ذبلت وهرمت في أول امتحان، وأقرب منعطف، وستفشل مستقبلاً “بشكل أكبر” إذا ما نظرنا للثورة من زاويتها الجيوبولتيكية الكُبرى!.
الحذر كل الحذر من الوهن، والضمور، والانقياد وراء هوى النفس، ذلك الهوى المخادع الذي يشحن البالون طاقة “فوق مستغلة” تعمل على انفجاره في وقت مبكر.. حذاري!.