مشروع حدود الدم الأمريكي … ما نصيب السعودية منه!؟”
هشام الهبيشان
بعيداً عمّا نشر في الآونة الأخيرة من وثائق أمريكية تدين السعودية بأحداث 11ايلول، والتي تؤكد أن أمريكا قد قرّرت ابتزاز السعودية ووضعها ضمن خانة المستهدفين، هذا الموضوع بالتحديد سنعود له بوقت لاحق.
اليوم من الواضح أن هدف المشروع الأمريكي – الصهيوني، من وراء نشر الفوضى الخلاقة وتفعيل أدواتها بالعالم العربي والإقليم، يصب في خانة تقسيم المنطقة العربية وما حولها خدمة لمشروع قيام دولة «إسرائيل» اليهودية الكبرى، وهذا ما أكدته كثير من مراكز الأبحاث العالمية وأعادت بعض الصحف نشره تحت عناوين خطة التقسيم والخريطة التي تتضمن إعادة رسم الحدود في المنطقة العربية والإسلامية، بما يتفق مع المصالح الأمريكية والصهيونية، والتي نشرت في «مجلة القوات المسلحة الأمريكية» تحت عنوان «حدود الدم – نحو نظرة أفضل للشرق الأوسط»، ووضعها رالف بيترز رالف بيترز هو الجنرال المتقاعد ونائب رئيس هيئة الأركان للاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع سابقاً، وتتضمن هذه الخطة تقسيم دول مثل تركيا وسورية والعراق وباكستان والسعودية على أسس طائفية وقبلية ودينية.
وتتضمن الخطة تأسيس دول جديدة، من بينها دولة عربية شيعية على أراض سعودية غنية بالنفط، ستشمل جنوب العراق والجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الجنوبية الغربية من إيران الأهواز و«دولة كردستان الحرة» على أراض من تركيا وسورية والعراق وإيران وتكون أكثر الدول تبعية لأمريكا بحسب تفاصيل هذا المشروع.
وسيختفي العراق الحالي من الوجود، وتخسر إيران ساحلها على الخليج ويبقى لها المناطق المركزية بالقرب من طهران، لأن المناطق الشرقية سيتم ضمها إلى أفغانستان وإلى دولة جديدة تسمى بلوشستان الحرة تستقطع أراضيها من الجزء الجنوبي الغربي لباكستان والجزء الجنوبي الشرقي من إيران، وستفقد سورية سواحلها على البحر الأبيض المتوسط لمصلحة دولة لبنان الكبرى الجديدة.
وبحسب رالف بيترز، لن يشفع للسعودية تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة منذ حفر أول بئر للنفط في المملكة 1933م والذي ترسخ عام 1945 م باللقاء التاريخي بين الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على ظهر السفينة الحربية «كوينسي»، فمن أبرز ملامح الخطة التي رسمها، تقسيم السعودية إلى دويلات إسلامية تضم كل دويلة طائفة معينة أو قبائل معينة.
وفي حديثه عن السعودية، اعتبر بيترز: «أن أحد أسباب الجمود الكبير في العالم الإسلامي هو تعامل أسرة آل سعود المالكة مع كل من مكة والمدينة باعتبارهما خاضعتين لسلطانها، حيث تقع أهم الأماكن الإسلامية المقدسة تحت سيطرة دولة بوليسية تعتبر واحدة من أشد الأنظمة القمعية في العالم، فهو نظام يستحوذ على قدر هائل من الثروة النفطية غير المكتسبة والتي استطاع السعوديون بفضلها أن ينشروا الوهابية، الرؤية المتشددة للإسلام، خارج حدود دولتهم».
وأضاف بيترز: «فلنتخيل كم سيصبح العالم الإسلامي أكثر صحية إذا صارت مكة والمدينة محكومتين بمجلس يُدار من ممثلين للمدارس والحركات الإسلامية الكبرى، وتكون رئاسته بالتناوب في دولة إسلامية مقدسة تشبه فاتيكاناً إسلامياً، بدلاً من الخضوع لنظام يصدرالأوامر»، واسترسل بيترز قائلاً إن «العدالة الحقيقية، والتي قد لا نحبها، تقتضي كذلك منح حقول البترول الساحلية في السعودية للشيعة العرب الذين يسكنون هذه المناطق… بينما الربع الجنوبي الشرقي يتم ضمه إلى اليمن». وهنا ينتهي الاقتباس من دراسة بيترز «حدود الدم – نحو نظرة أفضل للشرق الأوسط».
وهنا نتساءل عن الغرض من الحديث عن مشروع بهذا الحجم وظاهرياً لا يتفق مع السياسة الحالية لأمريكا التي ما زالت تعتبر السعودية أهم حليف لها في المنطقة وقاعدة الانطلاق، خصوصاً الآن، ضد إيران.
لكن منذ اندلاع ما يسمى بـ«الربيع العربي المصطنع» قبل حوالي خمس سنوات، تحدثت الصحف الأمريكية وبشكل ممنهج عن فتور نسبي في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة بسبب التقارير المروعة عن غياب الحريات والحقوق الدينية للأقليات ووضع المرأة، وتتزامن هذه التقارير مع إعادة إثارة خطة التقسيم مع انتشار الفوضى وتفاقمها في بعض الأقطار العربية المتأثرة بفوضى ربيع العرب المصطنع ، خصوصاً في سورية وليبيا واليمن، وفي وقت يدفع فيه البعض باتجاه إشعال الفتنة الطائفية في بعض دول المنطقة العربية.
هنا يجب التنويه إلى أن دول الجزيرة العربية لم تشملها معاهدة «سايكس- بيكو» الاستعمارية التي تم بموجبها عام 1916م تقسيم شرق العالم العربي بين إنكلترا وفرنسا، ويتفق المحللون على أن دول الخليج ليست بمنأى عن موجة التغيير التي تجتاح المنطقة، فمناطق شرق السعودية، مثلاً تشهد منذ حوالي عام ونصف تظاهرات شبه يومية للمطالبة بإصلاحات جوهرية، على رغم القبضة الحديدية للقوات الأمنية السعودية.
وهنا وفي الإطار ذاته، يتواتر الحديث بدوائر صنع القرار الأمريكي منذ منتصف عام 2014م عن قرب استغناء الولايات المتحدة عن النفط السعودي، نظراً للقدرات المتنامية لأمريكا التي سوف تصبح أول منتج عالمي للنفط ما بين 2017 و2020م، ليتجاوز الإنتاج السعودي، كما ورد في التقرير السنوي للوكالة الدولية للطاقة «توقعات الطاقة العالمية»، الذي نشر في شهر تشرين الثاني من عام 2013م.
فقد كشف التقرير أن أكبر الاحتياطات العالمية من النفط القابلة للاستغلال تقنياً لم تعد متمركزة في العالم العربي 1200 مليار برميل وإنما في أمريكا الشمالية 2200 مليار برميل، من بينها 1900 مليار من الطاقة غير التقليدية .
وبحسب وزارة الطاقة الأمريكية، فقد أمنت الولايات المتحدة في النصف الأول من عام 2012م 83 ٪ من حاجاتها من النفط بزيادة قدرها 8 نقاط في غضون أربع سنوات وانخفضت وارداتها بنسبة 11 ٪ خلال العام نفسه.
لكن بعض المحللين الاقتصاديين يرون أن الولايات المتحدة ستظل تعتمد على نفط السعودية على الأقل إلى أن تبلغ الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة بحلول عام 2020م.
ختاماً، إن قراءة هذه الحقائق والوقائع تستوجب اليوم صحوة ذهنية وتاريخية ووجودية من قبل الشعب والنظام السعودي، لاستدراك خطورة المرحلة الحالية التي تستهدف الدولة السعودية، فأمريكا اليوم تجرّ السعودية نحو مغامرات ومقامرات محسوبة النتائج والأهداف المستقبلية أمريكياً وصهيونياً، بهدف ابتزاز الدولة السعودية مستقبلاً، من خلال وضعها بين فكي كماشة إقليمية وداخلية ودولية.
فهل يصحو الشعب والنظام السعودي لاستدراك مخاطر حلفهم مع الأمريكيين، الذي سيجرهم بحال استمراره إلى مرحلة خطرة ستنقلب بها أمريكا آجلاً أم عاجلاً عليهم؟ والأيام بيننا.