في النفق المظلم !!
عبد الله الأحمدي
الحرب التي تطحن الأمة في أقطارها العربية، هي التجلي الأبرز للأزمة التي يعيشها الفكر الإسلامي بشكله الكلاسيكي القديم. ظلت جماعات الإسلام السياسي في حرب مع الحركات الوطنية التي تطرح مشاريع جديدة لإنقاذ الأمة من سطوة الاستبداد السياسي والديني، وعند وصول هذه الجماعات لم تستطع أن تقدم شيئاً ينفع الناس، ولم تستطع أن تقدم مشروعاً بديلاً، وركنت إلى تطبيق ما تسميه الحدود، وتجاوزت ذلك إلى الذبح والقتل خارج الشرع والقانون. لم تستطع هذه الجماعات حتى تقديم الإسلام بشكله المعتدل، واعتمدت على مقولات اشخاص كان نصيبهم من الثقافة الإسلامية من الضحالة، ولا تتعدى، بعض مسائل العبادات، دون الاطلاع على فقه الإسلاميين المتنورين واجتهاداتهم، فكانت المصيبة على الإسلام والمسلمين. غلب على جماعات الإسلام السياسي جانب أحادي الفكر دون الأخذ والمقارنة بأفكار فقهاء لهم باع في الاجتهاد مثل الشافعي والشاطبي، وابن مالك، وأبو حنيفة النعمان، ومحمد حسين فضل الله، بل إن أغلب ناشطي هذه الجماعات لم يسمعوا بهؤلاء الفقهاء. إن الفكر الإسلامي تبدو عليه علامات أزمة، ولا يمكن معالجة هذه الأزمة إلا بمزيد الاجتهاد والالتحاق بمنجزات العصر. في التراث الإسلامي الكثير من الاستنارة، أبو حنيفة النعمان والشافعي متفقان حول تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان. فمثلاً، ما كان صالح في عصر الخلافة لا يمكن أن يكون صالحاً لنا اليوم، لأن العصر تغير، وزادت تعقيدات الحياة بإشكاليات جديدة. ومثل آخر عن النقاب المفروض على المرأة في بعض بلدان الشرق، لا يمكن ان يصلح للمرأة في أوروبا أو أمريكا. شاهدت ذات مرة حواراً بين متطرف وبعض المسيحين في أمريكا، قال فيه إن الله سماهم الكفار، فبماذا يدعونهم؟! والحقيقة أن الله لم يسم المسيحيين واليهود كفار، بل سماهم أهل الكتاب، لكن هناك من يجادلون بغير علم، وغير اطلاع، فيصيبون الإسلام بمقتل. الفكر الإسلام واسع جداً بحيث له القدرة على استيعاب كل الانجازات، وهو قادر حتى على المراجعات. الإنسان في الإسلام هو الاصل والأديان كل الأديان جاءت من أجله. فلا تقديم للنص على مصلحة الإنسان، وقد فطن إلى ذلك فقهاء الإسلام الأوائل مثل الإمام الشاطبي، الذي قدم اجتهادات في مقاصد الشريعة. أما الإمام الطوسي فقد كان واضحاً في اجتهاده بالقول: إذا تعارض النص مع مصلحة المجتمع قدمنا مصلحة المجتمع على النص. السيد محمد حسين فضل الله أطال الله في عمره قال: إذا تعارض الدين مع العلم فعلى الدين أن يراجع أوراقه. اليوم نسمع من يقول نضحي بالوطن ما أجل الدين، وهذا منطق فيه الكثير من الاعوجاج، لأن الذي ليس له وطن، لن يكون له دين، فالدين لا يوجد في الفراغ، بل في وطن، وقد رد على هؤلاء السيد الحبيب الجفري قائلاً: إن هؤلاء لم يعرفوا حق الدين ولا حق الوطن.