وداع “طائر أمغرب” بحجم البقاء:
¶ الفقيه: الموروث الجمالي والفني الذي جسده الراحل في قصائده الغنائية والفصحى، عبر عن كل شبرٍ في اليمن
¶الإرياني: الفقيد يمثل قيمة كبيرة في حياتنا الثقافية بما كتبه من شعر في مختلف جوانبه
¶ الحودي: ستبقى روحه الشاعرية الأخاذة محلقة في سماء الشعر، تنصت إلينا بصمت وهدوء
¶ البكالي: كان الفقيد أكثر من ضوء يتدفق في شلال القصيدة اليمنية المسترسلة بعنفوان لا نظير له
¶ الوصابي: الراحل أثرى المشهد الثقافي والمعرفي بعطاءات روحه الهائلة وإنسانيته اللامتناهية
استطلاع/ خليل المعلمي
برحيل الأديب والشاعر الغنائي علي عبدالرحمن جحاف، خسرت اليمن قامة أدبية كبيرة لا تعوض، ترك بصمة ثقافية وفنية خاصة به في الوسط الثقافي والفني في بلادنا، كتب الشعر الفصيح والعامي وعبر عن الإنسان والأرض والجمال وعن الحب، ينعته الأدباء بـ”طائر امغرب” أشهر ما كتب من قصائده المغناة بصوت الفنان الكبير أيوب طارش، يتحدث عدد من الأدباء والمثقفين عن الفقيد الراحل في آخر وداعهم له، ويدعون الباحثين والمهتمين والنقاد إلى البحث عن معالم القصيدة التي ورثّها الراحل، فإلى التفاصيل:
خسارة للصوت اليمني الأصيل
بداية يقول الأديب زيد الفقيه وكيل الهيئة العامة للكتاب: مثل رحيل الشاعر علي عبدالرحمن جحاف خسارة للصوت اليمني الأصيل، الموروث الجمالي والفني الذي جسده الشاعر في قصائده الغنائية والفصحى، عبر عن كل شبرٍ في اليمن من صعدة حتى المهرة، جحاف مع كوكبة شعراء الغناء من الرعيل الأول، مثلوا مدرسة غنائية يمنية يستطيع المواطن أن يفخر بها.
ويضيف: جحاف كتب للإنسان، للأرض، للجمال، للحب، ويكفيه أن كتب رائعته الغنائية (وطاير امغرب)، لقد حمل الوطن على ريشة قلمه، وكتب بكل وطنية لم يكن يرى الوطن كعكة يأكلها، لكنه رآه سمواً وكبرياء، إنهم جيل صدقوا، ما تربوا عليه وخسارته ليس في أسرته فحسب ولكن خسرته أسرته الكبرى الشعب اليمني.
وداعاً بحجم البقاء
ويصف الأديب عبده الحودي رحيل الأديب والشاعر الكبير على عبدالرحمن جحاف أنه وداعاً بحجم البقاء، ويتابع: رحل جسداً -فقط- حاملاً على كتفه عشق قلبه للحياة والناس، لكن ستبقى روحه الشاعرية الأخاذة محلقة في سماء الشعر، تنصت إلينا بصمت وهدوء، حاضرة كأبهى ما يكون الحضور، نرى فيها ذواتنا بحاضرها وماضيها ومستقبلها، بحسها ونظرتها الإنسانية الواسعة للكون، دائمة البقاء والخلود، ترسم آفاقاً جديدة للأمل.
ويضيف: من السهل أن نكتب الكثير من المراثي المرتبطة بالرحيل والفقد، ولكن كيف لنا أن نغوص في أعماق ما ورّثه لنا الأديب والشاعر الكبير على عبدالرحمن جحاف، والذهاب إلى ما هو أعمق وأبعد من كلمات المواساة..،؟!
ويؤكد بالقول: ينبغي على الباحثين والدارسين والمفكرين والنقاد والمهتمين، أن يشحذوا أقلامهم نحو البحث عن معالم القصيدة التي ورثها لنا المرحوم جحاف، بما يساعد على استخراج أفكار التغيير الإيجابي المدركة للعصر والمتطلعة نحو المستقبل، فضلا عن ارتباطها بالماضي، تلك القصيدة التي استنطقت التفاصيل اليومية في المجتمع اليمني، وتنقلت بين القرى والمدن والجبال والوديان، وسلطت الأضواء على مناطق كرم الوجود وجمال الحياة، وعلى مناطق المعاناة والتعب الإنساني.
وداعاً بحجم البقاء أيها الأديب والشاعر الكبير علي عبدالرحمن جحاف، غادرتنا جسدا، لكن روحك ستبقى مرفرفة دائما في أنسام الطبيعة الخلاقة، هائمة في مناظرها الخلابة، كمنبع للضياء والنور والإبداع، لك الرحمة والغفران، ولنا جميعا الصبر والسلوان، “إنا لله وإنا إليه راجعون”.
قامة إبداعية
ويؤكد الأديب عبدالرحمن مراد بالقول: إن علي عبدالرحمن جحاف قامة إبداعية كبيرة كان لها أثر واضح في المسار الثقافي والأدبي اليمني وهو من جيل الرواد جيل التغيير الثوري وحملة مشاعل الحرية، كما كانت له أدوار محمودة في التاريخ الحركي للثورة اليمنية، وله مواقف شعرية من كل القضايا التي واكبت المسار الثوري إلاّ أن جل نصوصه الإبداعية لم تنشر.
وأضاف مراد: كتب الشاعر الراحل القصيدة العامية والاغنية فأبدع ايما إبداع وجل قصائده المغناة حصلت على شهرة واسعة كما كتب قصائد الحب والمناجاة والقصائد الاجتماعية بالفصحي والعامية، وهو من الشعراء الذين ابتكروا لأنفسهم اساليب فنية دالة عليهم وذات هوية خاصة بهم.
ذاكرة العطر
ويصف الشاعر ياسين البكالي الأديب الراحل علي عبدالرحمن جحاف أنه “ذاكرة العطر” و”طاير امغرب”، ويقول: إنه الوهج الذي غادرنا على قناديل الوتر، كان الفقيد أكثر من ضوء يتدفق في شلال القصيدة اليمنية المسترسلة بعنفوان لا نظير له ذلك السهل الممتنع في حالتيه الفصيح والعامي، ومثّل مدرسة شعرية مختلفة أضفت الكثير من الجمال على الأدب اليمني.
ويضيف: في لحظة تاريخية فاصلة وفي زحمة الفوضى التي تعتصر الوطن رحل، وكأنه يقول: “لقد تعبتُ صراخا دون إذن صاغية”، وتتفتت عروق اللحن في اصدائنا المتناثرة على جنبات الألم وتدرك المرارة أن ثمة قامةً أدبية أعلنت الرحيل، وهكذا تتراكم الأحزان والفجائع في بلدي ولا ندري متى سيكون يوم الخروج من قفص طائر امغرب.
رمزاً أدبياً
أما الأديب هشام ورو مدير مكتبة زبيد العامة فيقول: يعد الشاعر علي عبدالرحمن جحاف رمزاً من الرموز الأدبية التي يتميز بها المشهد الإبداعي اليمني، وقدم الكثير عبر مسيرة عطائه الإبداعي الفريد الذي تميز بارتباطه بالإنسان آماله وسلامه، ويمثل رحيله خسارة وطنية، لكن عزاءنا في إبداعه الخلاق الذي سيظل حياً يذكره الأجيال جيلاً بعد جيل.
الرحيل بصمت
أما الشاعر عمار الزريقي فيؤكد أن المبدعين في بلادنا يعيشون حياة الكفاف ويرحلون بصمت في ظل انصراف الناس إلى الاهتمامات اليومية بالحياة المعيشية في خضم مناخ الحرب، وفي ظل انشغال وسائل الاعلام بالقضايا الأكثر سخونة في جبهات السياسة والحروب، والمبدع في بلادنا يتطلع إلى اليوم الذي يحس فيه بأبوة الوطن وينعم بحقوقه الكاملة غير الممنونة وأقلها الرعاية الصحية التي تغيب غياباً كاملاً في ظل غلاء المعيشة رداءة الخدمة الصحية عموماً.
ورحل “طائر امغرب”
ومن جهته يقول الأديب والناقد عبدالرقيب الوصابي: “ورحل طائر امغرب”، لقد كان الشاعر علي عبدالرحمن جحاف قامة أدبية شاهقة مثلت وحضوراً أدبياً وثقافياً كثيفاً وأثرى المشهد الثقافي والمعرفي بعطاءات روحه الهائلة وإنسانيته اللامتناهية، إذ أعطى عطاء من لا يخشى العوز والفاقة.. كما كان صاحب طريقة في الحب والعشق تفاصيلها المحبة والرحمة للآخرين، وأسهم في إثراء الأغنية الحمينية بأسلوبه النادر واعتنائه بالاشتغال على أدق خصوصيات المكان وبعث مفرداته بحيوات لائقة في الكثير من القصائد المغناة والمرهفة الأحاسيس.
ويضيف: لقد استطاع الشاعر الراحل جحاف أن يصل أولا عبر جناحين جناح القصيدة وجناح الأغنية العذبة والقريبة من هموم الناس واحتياجاتهم اليومية “وطائر امغرب” أصدع برهان على اتساع حضوره ومدى تأثيره في أعماق الناس وكذلك أغنيته “ماهلنيش” تشير إلى سمو مقامه ونبل مقاصده وتفانيه في المحبة لأجل الآخرين وقريب من ذلك أغنيته “يا ريم أرض الشرف”، تلك الأغنية التي تثبت عند كل سماع لها أن الشاعر جحاف صاحب القلب الأخضر يكبر على الدوام ولكنه حاشاه أن يشيخ أو أن تنال الحياة وتكاليفها من فراديس روحه.
ويتابع: لقد خسرت اليمن برحليه إلى العالم الآخر شاعراً لا تجارى دهشته يقول: كل الدهشة والفرادة ببساطة ووعي مختلف، وبرحيله المفاجئ خسرت المجرة جهة من جهاتها الأربع فـ”طائر الغرب” طائر استثنائي عاش الحياة وتذوق أجمل ما فيها وحفز الجميع على الحب باعتباره الطريق الأقرب والأكثر أمنة إلى الله، وقاوم بطريقته النورانية شطط الزيف والضجيج، لقد كان وطناً شاسعاً وأحلاماً خضراء لا تذبل ولا تصفر، انتقل إلى جوار ربه بروح مفعمة بالحب وقلب سليم.
قيمة ثقافية
ويؤكد الأديب عبدالله الإرياني بالقول: لا شك أن الشاعر الكبير الجميل علي عبدالرحمن جحاف كان يمثل قيمة كبيرة في حياتنا الثقافية، ممثلا فيما كتبه من شعر في مختلف جوانبه؛ وخاصة الشعر الغنائي كونه يصل إلى كل المستويات في المجتمع؛ والموت حق؛ إلا أن العلم قد حفظ لنا تراث المبدعين في كتب أصبحت في متناول الجميع ولم تعد حكراً على عدد محدود من الناس وكما كانت تحفظ في زمن النسخ بيراعة الخطاط؛ وكذلك احتفظ لنا العلم بتراثهم المغنى بأصوات شجية كصوت الفنان أيوب طارش وهو يمتعنا بكلمات الفقيد العظيم؛ علي عبدالرحمن جحاف هو بيننا كلمة ولحناً جميلاً خالداً إلى الأبد.