في الذكرى الثالثة لرحيل المفكر الكبير إبراهيم بن علي الوزير
د. أحمد صالح النهمي
هل آن الأوان لمعاني الشهادتين أن تشرق أضواؤها (على مشارف القرن الخامس عشر الهجري) فتضيء لنا الطريق (لكي لا نمضي في الظلام) ، وترسم منهجا للحياة (بدلا من التيه)، فما تزال القدس شاهدة على استلاب الكرامة العربية وما تزال (البوسنة والهرسك.. عار للمسلمين وجرح في ضمير الإنسانية).وما تزال (الطائفية آخر ورقة للعالين في الأرض).
إبراهيم بن علي الوزير …واحد من أفذاذ الإنسانية المعاصرين، تخلقت شخصيته من رحم المآسي العظيمة، والنكبات الأليمة، وعاش حياته في حركة دائبة،كالسحب التي تعصر نفسها لتمنح الحياة للأرض، والخير للأوطان ، والجمال للأودية والخضرة للصحاري القاحلة… شهد في مطلع حياته نكبة الثورة الدستورية عام 1948م، وعايش مشاهد فصولها التراجيدية الممتدة من فشل الثورة إلى إعدام والده الأمير الشهيد علي بن عبدالله الوزير وعدد غير قليل من أهله وأقاربه ، ثم الزج به وبأخوته في غياهب سجون الاستبداد الإمامي، ثم امتدت الرحلة بعد ذلك إلى سجون الغربة ومعاناة الشتات في عهد الاستبداد الجمهوري، ومما لا شك فيه أن هذه المآسي والنكبات ظلت محفورة في جدران ذاكرته، نلمح ومضات من تفاصيل أحداثها، وشذرات من ذكريات فصولها في طروحاته العميقة في الفكر الديني والسياسي والاجتماعي وتنظيراته المجددة في قضايا الحرية والعدالة ومسائل التعايش الإنساني التي تشكل في مجملها مشروعا فكريا حضاريا مستنيرا، يجمع بوعي بين الأصالة والتجديد، ويحول دون الوقوع في مهاوي الاستلاب للتراث أو مزالق الاغتراب في ثقافة الآخر/الغربي، ويمتاز في الوقت نفسه باستيعاب الإجراءات المنهجية في البحث، فهو يرتكز على الدقة الموضوعية في العرض، ويبتعد عن آفات التعصب المذهبي والميل مع هوى الأحكام المسبقة في التحليل والاستنتاج، فينتصر للحقيقة التي تدعمها البراهين وتؤكدها الأدلة، ويراها أحق بالاتباع من سواها، يقول الدكتور عبدالعزيز المقالح عن المنهجية الموضوعية في طروحات الأستاذ إبراهيم الوزير “أعترف أنني توقفت بإعجاب تجاه هذا الجهد الفكري المنهجي الملتزم، وأدركت أثناء متابعتي أنني حقاً إزاء مفكر من الوزن الرفيع، وأنه أبعد ما يكون عن التعصب والميل مع الهوى. وقد نجح في تحليلاته ومناقشة القضايا المحلية والعربية والإسلامية والإنسانية باقتدار وتمكُن””. فهل آن الأوان لأفكار الأستاذ إبراهيم بن علي الوزير أن تأخذ حقها من العناية والاهتمام الذي يليق بها، فتتناولها مراكز الدراسات بالبحث والمناقشة وتستعرضها شاشة الفضائيات اليمنية الرسمية في برامجها ، وصولا إلى استخلاص خطوطها العريضة وأفكارها الرئيسية واستثمارها ضمن مقررات المنهج المدرسي والجامعي لأهميتها في بناء الجيل اليمني المسلم القادر على مواجهة التحديات وتحصينه من الوقوع في براثن الأفكار المتطرفة، والنظريات الهدامة.
ومن هذا المنطلق فقد رأى بعض الأخوة الفضلاء من محبي الفقيد المفكر الإسلامي الكبير إبراهيم بن علي الوزير رحمه الله وطيب ثراه، الإفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في إطلاق قناة فكرية على برنامج التليغرام لتشكل نافذة للقراء والباحثين والمهتمين بالتجديد في الفكر الديني والسياسي والاجتماعي للتواصل مع هذا الإنتاج العلمي الخصب الذي خلفه الفقيد في الفكر الديني والسياسي والاجتماعي وإسهاماته الواسعة في مناقشة هموم الفكر والوطن، ورؤاه المستنيرة في قراءة مشاكل الأمة الإسلامية التاريخية والمعاصرة، وطروحاته الإنسانية الرحبة التي تخلق مساحات مشتركة للتعايش بين البشر على اختلاف أجناسهم ودياناتهم ولغاتهم. وغيرها من الرؤى التي استنتجها من تأملاته العميقة في نصوص القرآن الكريم وصحيح الهدي النبوي ومن الانفتاح على التجارب الإنسانية في الحقب المختلفة، على مدى يزيد عن نصف قرن من العطاء المتجدد حتى غدا ـ كما يصفه المفكر المصري حسين مؤنس ـ واحدا من أعاظم مفكري هذه الأمة، ومن أعظم علماء ومجتهدي العصر ومن فحول اليمن وأقطابه، فقيه علامة مجتهد في شؤون الدين والفكر السياسي والاجتماعي.