(( أمين تونج ))
ن ………….والقلم
عبد الرحمن بجاش
ليس لأن الرجل كان وما يزال من أجمل عناوين اليسار, ليس لمبدئيته, وكرامته, ونزاهته, وقد مثل طوال حياته العملية عن أن الإنسان موقف, وما لم يكن كذلك فلا يختلف عن أي حجر من تلك الحجار السوداء الملقاة في أي سائلة, لذلك أكتب عنه .
ليس الأمر مزاج شخصي يتعلق بالكتابة عن رجل قريب النسب, قريب الانتماء إلى نفس الأصل, بل لأنه يجب أن نكتب عن هؤلاء الذين أدوا واجبهم, وعادوا إلى بيوتهم بصمت, لا تسمع لهم كلمة ((مَنْ)) أو تحدثا عن النفس, كل ما تسمعه منهم دموعا يذرفونها فرحا حين فقط تنقل إليهم سلام من صديق أو رفيق .
يكفي أمين أحمد سيف مغلس أو ((أمين تونج)) شرفا انه في حرب 94 المشؤومة قبع في بيته وهو المقاتل عن الموقف والشرف الجمعي, قالها لكل من حاول إقناعه أن يحمل السلاح (( لن أقاتل ضد الوحدة )), هكذا فهم الأمر .
وبرغم انه صدم كما صدم آخرون عندما اكتشف أن الوحدة جيرت لأشخاص اختصروها في أراضي وعقارات الدولة, صمت الرجل, لكنه لم يذهب شططا باتجاه أولئك الذين نظروا للأمر حلا بالانفصال .
يُصدم المبدئيون دائما, حين يتعلق الأمر بالمبدأ والموقف, لأنهم بطبيعتهم منحازون إلى الشارع أكثر أدوات الواقع تعبيرا, وكثير من المثقفين سقطوا حين غادروا الشارع إلى أحضان طبقة جديدة نهبت مستقبل الناس, أو جاه, أو تحولوا إلى قاضي قضاة هارون الرشيد , وبرغم صدمتهم فلم يتوهوا, ولم تسقط الراية من أيديهم, فقد انتقلت إلى قلوبهم انتظارا لساعة خلاص ليعودوا إلى مقدمة الصفوف .
الآن يبحث أصحاب الموقف عن مخرج, ولن يأتي إلا برؤية, والرؤية لا تشترى من السوق, بل تأتي نتاج قراءة وتحليل للواقع, هذا الواقع بحاجة إلى إعادة القراءة والخروج برؤية, تتحول إلى مشروع ليس نخبويا وإنما حامله كتلة ثالثه غير ملوثة بغبار المراحل .
أمين تونج على بساطته يعتبر النموذج البطل, ذلك الذي يظل مؤمنا بالهدف, يهمه الوسائل ألا تكون مذحلة ولا صدئه, قد لا يكون خطيبا, ويعجز عن إصدار بيان, سلاحه دموع الصدق حين يكون الأمر متعلقا بالمبدأ, الموقف, وطن نحلم به, قاتل وأمثاله من أجله, من قريته أمين يذهب نظره إلى البعيد, ما يزال يحلم بوطن عادل, لا كبير فيه إلا من يقاتل من اجله, كبير الكبراء والأمراء والملوك ((القانون)) الضامن الوحيد لحياة سقفها العالي دستور يدافع عن الحريات, كمفرد, عن حقوق الإنسان كهدف جمعي جامع, إذ لا طريق غير الدولة التي تنطلق من حاجة الناس, وليس من عباءات أصحاب الياقات البيضاء, هو حلم أن نرى مشروعا يولد من رحم الألم والمعاناة, مشروع يتوحد الناس تحت لوائه, حيث لا مكان تحت الشمس إلا لمن يسيد العلم بابا منه تلج الأمم إلى المستقبل الأكثر إشراقا .
يعيش أمين تونج وأمثاله ممن ضحوا وقدموا في بيوتهم راضين عن أنفسهم بعد أن أنجزوا المهمة .
المجد للشعوب, الحياة للحرية وحقوق الإنسان, المجد أيضا لدولة القانون . لله الأمر من قبل ومن بعد .