السعودية ورهانها الخاسر
يحيى عسكران
دخلت المملكة السعودية أخيراً خط المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبات من الواضح أن السياسة والعلاقة الحميمية التي ظلت قائمة بين الدولة الراعية للسلام والإسلام ودولة الكفر على مدى سبعين عاما بدأت تتهاوى وتتسارع إلى الوراء شيئا فشيئا وخاصة بعد الاتفاق الذي تم بين الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا مع إيران على برنامجها النووي .
حيث أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخرا قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الذي يسمح لأهالي ضحايا هجمات 11 سبتمبر مقاضاة أمراء الأسرة الحاكمة في السعودية بتعويضات ولا نستبعد أن يتضمن القانون ملاحقات دولية للمتورطين في تلك الهجمات التي جاءت بمثابة إعلان حرب على الإسلام والمسلمين بتهم الإرهاب في حين تبين للجميع مؤخرا من هي مصدر الإرهاب الحقيقي وتصدير الإرهابيين إلى أوروبا وأمريكا والدول العربية والإسلامية.
وما بين الإرهاب الأمريكي وإرهاب الجارة الكبرى المملكة السعودية ” بلاد الحرمين الشريفين”، في أكثر من قطر عربي وتمزيق شمل الأمة العربية، اتضح للجميع مع الأيام مدى التقارب العميق بين ممولي ومنفذي الإرهاب بداية من العراق الشقيق الذي يعاني ويلات التمزق والتشظي إلى أحداث الربيع العبري في ليبيا وسوريا ولبنان وأخيرا اليمن.
لقد حان الوقت للمملكة السعودية أن تتحمل تبعات سياساتها الخاطئة تجاه الأمة العربية والإسلامية ونصرة قضاياها، وخذلانها للمسلمين وأن تتقبل طعنات الحليف الأمريكي صديق الأمس عدو اليوم ولا تتسرع في ردة الفعل حتى لا تتهاوى سنداتها المالية في أمريكا وتصبح في مهب الريح مع أن هناك ملايين البشر من المسلمين الجوعى والمرضى والمحتاجين والفقراء والأيتام كانوا في أمس الحاجة إلى تلك السندات لقضاء حوائجهم.
كان الأحرى بالمملكة السعودية استثمار أموالها المودعة في بنوك أمريكا لتنمية القدرات البشرية العربية ودعم الخبراء والأكاديميين والاستفادة من إبداعاتهم في مختلف التخصصات العلمية والإستراتيجية بما يمكن العرب من تطوير بلدانهم سياسيا واقتصاديا وعسكريا حتى يكونوا عالة على اليهود والنصارى في استيراد حتى حبة القمح منهم.
هناك ملايين العرب والمسلمين يتضورون جوعا ومعاناة جراء الأزمات المالية المتلاحقة والحروب والصراعات، وكان على السعودية أن تستغل أموالها في إغاثة الملهوفين وسد حاجة المحتاجين حتى تكون تجارتها رابحة مع الله ومع هؤلاء المظلومين، لكنها مع الأسف كان رهانها على أمريكا والغرب قبل أن يكون رهانها على الله، فأصبح ذلك الرهان خاسرا وخذلتها أمريكا وتركتها وحيدة تغوص في أكثر من جبهة ومشكلة .
إنني والكثير معي دائما ما كنا نتغنى بدور المملكة السعودية في نصرة قضايا الأمة وحرصها المسئول على توحيد مذاهب أهل السنة والجماعة وتقارب الأفكار بينها وخاصة في زمن طيب الذكر المرحوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي رعى أكثر من مؤتمر إسلامي في هذا الجانب، وقاد مبادرات طيبة بين فرقاء العمل السياسي في فلسطين واليمن وغيرها، لكنها ستظل في رصيد الراحل ومواقفه العروبية الأصيلة .
لكن ما جرى بعد رحيله من سياسات سلبية إنتهجها إمراء الأسرة السعودية الحاليين وفي المقدمة شنهم لعدوان غاشم على الشعب اليمني، جعلها تبتعد مسافة كبيرة وخطوات عن النهج الذي اتبعته المملكة خلال العقود الماضية، ولا أدل على ذلك دخولها صراعات مباشرة هي في غنى عنها ما يجعلها تدفع ثمن ذلك باهظا .
وهنا لا بد للمملكة السعودية التي تدعي أنها حامية الإسلام وراعية المسلمين وداعمة لقضايا العرب والإسلامية، أن تكفًر عن جميع ذنوبها كما قال الكاتب العربي عبدالباري عطوان وأن تعتذر عن أخطائها وتواطؤها مع المخططات الأمريكية والإسرائيلية العدوانية ضد العرب والمسلمين وأن تبدأ صفحة جديدة لقيادة الأمة ضد العدو الحقيقي الذي تخفى وراءها عقودا، عندئذ ستجد ملايين العرب والمسلمين وراءها في خندق المواجهة .