أقول قولي هذا.. النكران

عبدالمجيد التركي
جارتنا.. توفي زوجها وهي ما تزال في العشرينات من عمرها.. وهددها أهل زوجها أنهم سيأخذون ولديها إن تزوجت برجل آخر..
ضحَّت بسعادتها وشبابها لكي يبقى ولداها في حضنها.. اشترت ماكينة خياطة لكي توفر لها ولولديها لقمة عيش كريمة.. كانت تخيط الفساتين وثياب الأعراس، وأحياناً تسهر حتى الصباح على ماكينتها لتوفر لولديها كلَّ ما يحتاجانه لمواجهة مصاريف المدرسة.
درس الولدان وتخرجا من الجامعة بامتياز..
أحدهما أصبح طبيباً، والآخر يدير مكتباً هندسياً، وأصبح لكلِّ واحد منهما سيارته الخاصة..
ذات يوم جاءت إحدى الجارات وبيدها قطعة قماش لخياطتها، فتح لها أحد الإخوة وصرخ بوجهها قائلاً: أمي بطَّلت تخيط.
دخل إلى أمه وقال لها: “المكينة هذه مش احنا بحاجة لها، ورجاءً يا أمي توقفي عن الخياطة، أحرجتينا قدَّام الناس، قد هم بيسمُّونا بيت المخيطة”!!
التقطت الأم الدموع من عينيها وأخفتها في كُمّ ثوبها كي لا يراها ولدها..
قالت له: المكينة هذه يا ابني هي اللي وصَّلتك إلى ما أنت عليه الآن، ضيعت حياتي وشبابي، وضعُف نظري فوق المكينة هذه علشان ما أخليكم تحتاجوا لحد، وعلشان تكمِّلوا تعليمكم وتطلعوا أحسن ناس، علشان أهل أبوك ما يقولوا إني ما عرفت أدرِّسكم أو أربِّيكم صح، والآن صرت دكتور ومعك فلوس وسيارة، وفتحت عيادتك من خير المكينة، والآن تقول لي عيب!!
يا لهذا الولد العاق.. كان بإمكانه أن يقول لأمه: يا أمي، لقد تعبتِ علينا كثيراً، وحان الوقت لترتاحي وتحصدي ثمار تعبك علينا، بدلاً من أن يستعرَّ من عملها الذي نبت لحمه وعظمه منه.. ورغم أنها لم تعد بحاجة للماكينة، إلا أنها أصبحت مرتبطة بها وتمارس عملها كهواية لا أكثر.. لكنه العقوق والنكران.

قد يعجبك ايضا