بعيداً عن أوصياء “الوحدة”، ودُعاة “الانفصال”!!
د. صادق القاضي
كيمني، أشعر أن يمنيتي لا تكتمل إلا بالاستقلال عن كل أشكال الهيمنة والاستلاب الخارجي والداخلي، وامتلاك حق تقرير المصير، الذي لا يمتلكه اليمنيون جميعاً في الشمال والجنوب والشرق والغرب.
وكشمالي، أشعر أن هوية الشمال لا معنى لها دون هوية الجنوب، وأن من واجب كل يمني الوقوف مع حق الجنوبيين في بلورة هويتهم المميزة، وحق تقرير المصير.
وسواء كان ذلك يعني الانفصال السياسي أو وحدة سياسية بصيغة مختلفة، فالأهم أن يكون ذلك تعبيرا أمينا لقرار شعبي حقيقي، يعبر بحرية وأمانة عن إرادة جماهيرية في الواقع.
لا قلق على “الوحدة اليمنية” من الانفصال الحر، بل من الوحدة القسريّة، القائمة على الضم والإلحاق والاستلاب.. أو حتى مجرد الشعور بنقص المواطنة.
أما الخطر الأكبر على الوحدة والانفصال معاً، فيكمن في الانفصال القسري القائم على السلخ والتشظي والتشرذم المتناحر.. والمشاريع الفئوية اللوبية المشبوهة، والمناطقية الضيقة والترحيل العنصري كما يحدث الآن في عدن.
هذه الممارسات السخيفة هي أبعد ما تكون عن “القضية الجنوبية” كما طُرحت في الحوار، وتُناقَش في الأوساط السياسية المسؤولة، حيث لم تكن الوحدة مشكلة ليكون الانفصال حلا، على الأقل في ما يتعلق باليمن في المرحلة الراهنة.
في الفترة الراهنة، تعاني اليمن من مختلف أنواع المشاكل والأزمات، لكن كل هذه الأزمات والمشاكل هي هي نفسها، وتلقي بظلالها على اليمنيين جميعا في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وليس من بينها مشكلة موضوعية اسمها الوحدة، ولا حل ضروريا اسمه الانفصال.!
الانفصال – في مثل هذه الحالة وبهذا الشكل-حل لمشكلة لا وجود لها، تنطوي العملية المغرضة على افتراض مشكلة وهمية لفرض حل مشبوه، كما تفعل جماعات الإسلام السياسي بافتراض كفر المجتمعات الإسلامية المعاصرة، للوصول إلى السلطة تحت شعار “الإسلام هو الحل”!!
نعم، ليست “الوَحدة” عبادة ولا الانفصال معصية، لكن العكس هو الأصح، وفي كل حال فإن وحدة أو انفصالا لا يعبر أي منهما بدقة وأمانة عن إرادة شعبية حرة عبر استفتاء شعبي بمواصفات دولية.. سيكون مفتوحا على المخاوف والتحديات، ولن يكون أكثر من مشكلة إضافية للمشهد اليمني المثخن بالتعقيدات.
الوحدة اليمنية لا تتأسس على اتفاقات سياسية آنية وعابرة، بل على مشتركات ثقافية واجتماعية ودينية ولغوية أعرض من الجغرافيا وأطول من التاريخ ..
هذا ما جعلها ويجعلها قائمة في معزل عن الشكل السياسي، لقد كانت الوحدة اليمنية قائمة واليمن مقسمة إلى دول ودويلات متناحرة، وستظل قائمة حتى لو انفصلت اليمن إلى دول مستقلة.