معاهدة تجارة الأسلحة التقليدية بين ــالتحديات والتطلعات

تقرير / قاسم الشاوش –
تواجه المعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة التقليدية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء الماضي عدة تحديات أهمها غياب آليه تنفيذية محددة للمراقبة من قبل المنظمة الدولية لإلزام الدول المصدرة للأسلحة بتطبيق بنود المعاهدة وافتقارها لمنع نقل الأسلحة من دولة لأخرى على سبيل المساعدة أو المنحة أو الهدية كما أن مشروع هذه الاتفاقية التاريخية الذي ظل العالم يترقبها طويلاٍ لا يزال يحوي ثغرات من شأنها أن تجعل أول معاهدة في العالم لتجارة الأسلحة التقليدية غير فعالة.
وتهدف المعاهدة إلى وضع معايير لكل عمليات نقل أي نوع من الأسلحة التقليدية عبر الحدود الدولية سواء كانت أسلحة خفيفة أو ثقيلة. كما تفرض هذه المعاهدة شروطا ملزمة للدول لمراجعة كل عقود نقل الأسلحة عبر الحدود لضمان عدم استخدام الذخائر في انتهاكات لحقوق الإنسان وضمان أنها لا تنتهك أي حظر مفروض وأنها لم تنقل بشكل غير مشروع.
ويرى دبلوماسيون انه لا يعني إقرار المعاهدة التي احتاجت عملية صياغتها سبع سنوات من المفاوضات والنقاشات. أنها ستصبح ملزمة لجميع الدول إلا بعد أن توقع كل دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على المعاهدة ثم تصادق عليها وتصبح المعاهدة ملزمة فقط للدول التي صادقت عليها. وقد يتم ذلك في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات وهي فترة قصيرة بالنسبة لمعاهدة دولية..
ويشمل نص المعاهدة التي تعد الأولى منذ معاهدة الحظر الشامل على التجارب النووية 1996 مختلف أنواع الأسلحة التقليدية من الدبابات والعربات القتالية المدرعة والأنظمة المدفعية والطائرات المقاتلة والمروحيات القتالية والسفن الحربية والصواريخ ومنصات إطلاق الصواريخ وكذلك الأسلحة الصغيرة والخفيفة كالبنادق والصواريخ المحمولة..
ولتنظيم تجارة الأسلحة التقليدية أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤلفة من 193 دولة في الثاني من أبريل الجاري بأغلبية كاسحة أول معاهدة لتجارة هذه الأسلحة حيث وافقت على الاتفاقية 154 دولة وعارضتها ثلاث دول هي إيران وسوريا وكوريا الشمالية في حين امتنعت 23 دولة عن التصويت بينها روسيا والصين ..
وحالت الاعتراضات التي أبدتها إيران وسوريا وكوريا الشمالية في مؤتمر بمقر الأمم المتحدة لوضع مسودة المعاهدة في فبراير الماضي دون الوصول إلى الإجماع المطلوب لإقرار المعاهدة. ولم يكن أمام الوفود المؤيدة للمعاهدة خيار سوى اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإقرارها.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إقرار الجمعية العامة بالمنظمة الدولية أول معاهدة لتجارة الأسلحة بأنها “إنجاز دبلوماسي تاريخي وتتويج لأحلام راودتنا طويلا ولجهود بْذلت طوال سنين عدداٍ”.
وقال: إن المعاهدة “ستكون أداة جديدة وفعالة في جهود المنظمة لمنع وقوع انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان أو للقانون الدولي كما أنها ستوفر الزخم المطلوب بشدة لجهود نزع السلاح ومنع انتشار الأسلحة”.مشيدا باستعداد الدول لتسوية عدد من القضايا المعقدة لإتاحة المجال لاعتماد نص متوازن ورادع للمعاهدة كما أثنى على الدور المهم الذي قام به المجتمع المدني منذ بداية العملية من خلال مساهمات خبرائهم ودعمهم الحماسي.
وأكد مون أن اعتماد المعاهدة يجسد الإنجازات العظيمة التي يمكن أن تتحقق عندما تعمل الحكومات ومنظمات المجتمع المدني معاِ من خلال الأمم المتحدة.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة الحكومات إلى ضم الجهود مع المجتمع المدني لضمان التطبيق الكامل والفعال لمعاهدة تجارة الأسلحة.
ورحب الاتحاد الأوروبي بنجاح الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتوصل إلى توافق أممى حول هذه المعاهدة واعتبرت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون أن هذه المعاهدة من شأنها أن تضع نهاية ناجحة لمفاوضات مكثفة بهذا الخصوص دامت سنوات طويلة.
ووصفت آشتون نص المعاهدة بأنه “متوازن وقوي” مشيرة إلى أن المعاهدة ستجعل من تجارة
الأسلحة أمراٍ أكثر شفافية كما دعت المسئولة الأوروبية الأمين العام للأمم المتحدة إلى فتح باب التوقيع على هذه المعاهدة التي من المتوقع أن يبدأ في شهر يونيو القادم مؤكدة أن تنظيم تجارة الأسلحة التقليدية سوف يخفف من المعاناة البشرية كما أنه يقدم مساهمة فاعلة في إقامة السلام ونشر الاستقرار والأمن الدوليين.
وتعهدت آشتون أن يعمل الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء على دفع كافة الأطراف الدولية على تطبيق المعاهدة بشكل فعال وقالت: “ومن هنا ندعو كافة الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى توقيعها والمصادقة عليها.
وأشادت منظمات الإغاثة الدولية ومنظمات حقوق الإنسان العالمية ومنظمة العفو الدولية بالمصادقة على هذه المعاهدة ورأت فيها خطوة ضرورية. وقالت آنا ماكدونالد من منظمة أوكسفام :إنه “للمرة الأولى أصبحت لدينا معاهدة ملزمة تنظم تجارة السلاح”. ووصفوا التصويت عليها بهذه الأغلبية الساحقة “باللحظة التاريخية..
ويقْدْر حجم تجارة الأسلحة دولياٍ بحوالي 100 مليار دولار أمريكي في عام 2012م وحده وذلك بعد أن كان لا يتجاوز 80 مليار دولار قبل بضعة سنوات إذ أنها تجارة آخذة بالنمو بوتيرة سريعة
وهي تجارة تقوم على تداول منتجات جدْ خطيرة ومميتة صْممت للقتل والتشويه. ونظراٍ لعدم خضوعها كتجارة للتنظيم الصارم والحذر فإنها تتسبب بمقتل ملايين البشر وتشويههم..
وارتفع حجم الانتقالات الدولية للأسلحة بنسبة 24% خلال الفترة ما بين 2007 و2011م قياساٍ بالفترة ما بين 2002 و2006م. وبلغت قيمة تجارة السلاح الدولية 29954 مليون دولار عام 2011م صعوداٍ من 24535 مليون دولار عام 2010..
وكان للأزمة المالية العالمية دورها في التراجع النسبي الذي شهدته الصادرات الدولية من الأسلحة التقليدية في الفترة ما بين عامي 2007 و2010م قبل أن يعود المعدل للارتفاع في عام 2011م.
وقد جاء تصنيف أكبر خمسة مصدرين للأسلحة التقليدية عام 2011م على النحو التالي: الولايات المتحدة بنسبة 30% من إجمالي صادرات السلاح العالمية روسيا (24%) ألمانيا (9%) وفرنسا 8% وآخرها بريطانيا 4% .
وعلى مستوى القائمة الخاصة بأكبر مائة شركة منتجة للسلاح في عام 2010م حلت شركة لوكهيد مارتن الامريكية في المرتبة الأولى عالمياٍ بإجمالي مبيعات قدرها 45.8 مليار دولار بينها 35.73 مليار دولار مبيعات عسكرية صعوداٍ من 33.43 مليار دولار عام 2009م. أي أن نسبة المبيعات العسكرية لدى الشركة بلغت 78% من إجمالي المبيعات..
وحلت شركة سيستمز في المرتبة الثانية عالمياٍ. وقد بلغت القيمة الإجمالية لمبيعاتها 34.6 مليار دولار بينها 32.88 مليار دولار مبيعات عسكرية صعوداٍ من 32.54 مليار دولار تحققت في عام 2009م أي أن نسبة المبيعات العسكرية إلى إجمالي المبيعات تبلغ 95% ..
وفيما يخص كبار المستوردين الدوليين للأسلحة التقليدية خلال الفترة ما بين 2007 و2011م حلت الهند في المرتبة الأولى عالمياٍ حيث استوردت ما نسبته 10% من إجمالي المبيعات العسكرية الدولية. وكوريا الجنوبية في الترتيب الثاني عالمياٍ بواقع 6% ثم باكستان (5%) والصين 5%.. اضافة إلى فنزويلا والسعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول..

ووفقاٍ للبيانات الجديدة الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام فقد بلغ الإنفاق العسكري العالمي عام 2011م ما مجموعه 1738 مليار دولار. ويساوي هذا الرقم 2.5% من الناتج الإجمالي العالمي أو ما يعادل 249 دولارا لكل فرد في المعمورة..
ويفيد تقرير دولي بوجود 650 مليون قطعة سلاح صغيرة في أيدي المدنيين حول العالم. ويعني هذا الرقم أن هناك قطعة سلاح صغير لكل عشرة أشخاص من سكان المعمورة,,
وإن الكثيرمن عمليات تجارة الأسلحة يتم عبر المؤسسات أو الكيانات التجارية والشركات ومزودي الخدمات وسماسرة السلاح وتجاره والجهات القائمة على نقلها والشركات الصانعة أيضاٍ..
وعلى الرغم من ذلك فإن المعضلة لا تزال قائمة. ولا يزال ضحايا الأسلحة النارية في ازدياد مطرد. ومنذ عام 2006م قتل أكثر من مليون شخص – أغلبهم من المدنيين- نتيجة اللجوء لهذه الأسلحة. وذهب أكثر من سبعمائة ألف من هؤلاء القتلى ضحية نزاعات سياسية.
ومع نهاية عام 2010م تشرد أكثر من 27.5 مليون شخص داخلياٍ بسبب النزاعات المسلحة بينما لجأ ملايين آخرون إلى دول مجاورة.. وأكثر تأثرا جراء تجارة الأسلحة غير الخاضعة للتنظيم النساء بشكل كبير والأطفال والشباب ففي بعض البلدان يْجند الأطفال في صفوف القوات والجماعات المسلحة ويْكرهون على القتال عنوة ..
وتمثل أكبر الدول التي تتاجر بالأسلحة في العالم هي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن – وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة. كما يبرز من بين كبريات الدول التي تتاجر بالسلاح كل من ألمانيا وإسرائيل وإيطاليا والسويد وجنوب إفريقيا وإسبانيا وبلجيكا وأوكرانيا. ومن ثم تجدون أكبر الدول المستوردة للسلاح مثل الهند .

قد يعجبك ايضا