حول أصداء وردود أفعال هؤلاء من الأزمة
عبدالوهاب الضوراني
لقد أصبح الآن واضحاً وجلياً أكثر من أي وقت آخر أمام المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان، بل وأمام القاصي والداني، والعدو قبل الصديق مدى فداحة وفظاعة وبشاعة وجور العدوان الغاشم والممنهج الذي ارتكبته حكومة الرياض بمبادرة وإيعاز مباشرين من حاكمها الجديد، وبالتواطؤ المبيت وغير المسبوق أيضاً مع حلفائه عرباً وعجماً وأفارقه ودواعش الذين يشنونه ومنذ ما يقارب العام تقريباً وبكل أسلحة الدمار الشامل والمحرم دولياً ضد الطفولة، وضد الإنسانية، والتعايش السلمي في اليمن لتعطيل وإعاقة وحدته ونهضته التنموية، ومسيرته الديمقراطية، وسلامة أراضيه، وهو العدوان الجائر الذي أصبح مداناً ومرفوضاً الآن من قبل المجتمع الدولي من أقصاه إلى أدناه، والذي يفوق حسب تقديرات المحللين، وتقارير الكثير من المراسلين واستنتاجاتهم في جانب كبير من تبعاته واستنزافاته، ووحشية ما ارتكبه الغزاة والنازيون الجديد في الحرب العالمية الأولى بحق الأقليات والقوميات اليهودية وبني صهيون، وإخلاء العالم من خطر تواجدهم وتشرذمهم، وانتشار كياناتهم على الأرض وفوق اليابسة، بل وأكثر عنصرية وفاشية وتطرفاً أيضاً، وهو ما يؤكد ويجسد مدى حجم الكراهية ومعدل الغل السلالي المتراكم والدفين الذي تنطوي عليه عادة سلالة الفهود وبقايا أحفاد آل سعود من الخوارج والأعراب والبدو الرحل الجاثمة أطلالهم وسط الصحراء وفوق الرمال المتحركة جيلاً بعد آخر، وما يكنونه ويبيتونه للوطن وأبنائه ووحدته ومكاسبه الوطنية والديمقراطية في قلوبهم من شحنات الحقد والكراهية، وأشكال الدسائس والمؤامرات، وإيقاظ الفتن وهي نائمة، والتي أصبحت الآن مكشوفة وجلية وواضحة أيضاً كل الوضوح أمام الجميع، البعيد قبل القريب وضوح الشمس في رابعة النهار حتى لا تقوم له بعدها قائمة، أو يستطيع يوماً الوقوف على قدميه.
والنار التي كان جمرها مطموراً تحت الرماد اضطرمت مجدداً منذ الوهلة الأولى التي تولى فيها حاكم الرياض الجديد مقاليد الخلافة الوهابية المتعاقبة بالتوارث في الرياض، وأحاط نفسه بدروع بشرية من المرتزقة والدواعش والمتنفذين من قوات المارينز ووكالة الاستخبارات الفيدرالية الأمريكية الـ سي آي إيه، وهي الفترة الحرجة والأصعب التي شهدت فيها العلاقات الثنائية بين البلدين والعديد من أقطار المنطقة، أيضاً في أعقاب توليه مباشرة وجلوسه على كرسي العرش العائلي ركوداً وفتوراً، ومن سيئ إلى أسوأ، والذي زاد الطين بلة، والعلاقات توتراً وتردياً إعلانه المفاجئ والطائش وغير المسبوق في تاريخ توطيد العلاقات السعويمنية والسعوعربية، أيضاً نفير الحرب وتصعيد المواجهة العسكرية، وإعلان حالة الاستنفار ضد جارته اليمن، وضد شعبه المسالم والمؤمن والشجاع وهي المفاجأة والمفارقة العجيبة في نفس الوقت التي كانت متوقعة ومحسوب حسابها سلفاً الناجمة عن تردي العلاقات الثنائية بين البلدين التي شهدت تراجعاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة والتي كان ترحيل المغتربين اليمنيين في السعودية أحد مؤشراتها ومفارقاتها، وهو ما يؤكد للعالم مدى حجم الحقد وكمية الغل التي تكنه حكومة الدواعش في الرياض لليمن وأبنائه منذ أن تولى فيها المغفور له الملك عبدالله سدة السلطة الحاكمة والوهابية في الرياض ضد اليمن وشعبه واستهداف قياداته وكبار مناضليه من خيرة أبنائه، وإعاقة نهضته التنمية والديمقراطية ووحدته الوطنية العظيمة الراسخة كالجبال الرواسي في قلوب أبنائه وضمائرهم وقواته المسلحة المرابطة في مختلف ثكنات ومواقع الخطوط الأمامية والدفاعية في كل جزء من ربوع الوطن الكبير دفاعاً عن الوطن ومقدراته وكرامة أبنائه، وهو القرار الطائش والسخيف في نفس الوقت الذي أطلق سهمه المسموم مليك البلاد المفدى الجديد والذي لا يرعى أخوة أو جواراً أو عقيدة والذي أدانه العالم بأسره منذ اللحظة الأولى التي تبوأ فيها سلمان فترته الوهابية وهيمنته على مصائر ومقدرات البلاد والعباد، والذي يزعم بأنه جاء كحالة استثنائية لمواجهة التطرف، واستئصال شأفة الإرهاب في اليمن طوراً، وأنه جاء أيضاً لإعادة الشرعية المهاجرة في المنفى لليمن طوراً آخر، مستفيداً في كل الأحوال لارتكاب المزيد من الحماقات والتصرفات الطائشة والعبثية لإطالة الحرب، وكسب الوقت من حجم الاسناد الكبير والدعم اللوجستي الضخم الذي تقدمه له حليفته الاستراتيجية في المنطقة حكومة واشنطن، والذي يندرج تحت بند “السلاح مقابل النفط”، بالإضافة إلى مجموعة دول الإسناد الخليجية الأخرى، وفي مقدمتهم حكومة أبو ظبي التي دخلت حلبة الصراع السعويمني كطرف معتد ومباشر وبأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا القرن من نفايات الأسلحة كيماوية وشعاعية وبيولوجية محرمة دولياً التي قذفت بها مع من قذفت من مليشيا ومرتزقة ودواعش وأفارقة مهجنين وقوداً في أتون هذه الحرب الطاحنة المقضي عليها مسبقاً بالفشل والتي من المؤكد القول دخلت فيها حكومة أبو ظبي ليس حباً لسواد عيون صاحب الجلالة، أو حب آل البيت، وإنما بكل تأكيد لحاجة في نفس يعقوب قضاها.
لقد أثبتت التجارب والمعادلات والصراعات المتعاقبة الواحدة تلو الأخرى التي خاضها شعبنا اليمني العظيم وقواته المسلحة، بكل شجاعة واستبسال على مر العصور، وتعاقب الحقب ضد حكومة الرياض وحكامها الذين تعاقبوا الواحد تلو الآخر للاستيلاء على كرسي العرش، وممارسة أسوأ أساليب التنكيل وأشكال الهيمنة والامتهان ضد أشقائنا وأبناء عمومتنا في السعودية الذين يرزحون تحت كوابيس سلطات آل سعود، ويعانون الأمرين، وأسوأ أصناف القمع والتعذيب، وكبت الحريات، إنه شعب ذو قوة، وذو بأس شديد، كما ورد في العديد من النصوص والآيات القرآنية، وأنهم فعلاً من أحفاد قوم تبع وقتبان وذي يزن الذين لا تلين لهم في الشدائد قناة، والمشهود لهم عبر التاريخ بالشجاعة والإقدام والحكمة والإيمان (قالوا نحن أولو قوةٍ وأولو بأسٍ شديد).
هنا الرجال الأشاوس، والمجاهدين الميامين في الميدان وأرض المعركة يردون الصاع صاعين وعشرة لأعداء الوطن والحرية والإنسان، يخوضون أشرس المعارك الفاصلة والمشرفة لإعادة ما أخذ بالقوة من الأرض، ومن السيادة الوطنية استرداده بالقوة أيضاً، في المدينة حتى الأطفال يحملون السلاح، وينشدون الاستشهاد يوماً في الميدان وأرض المعركة، ويوم عودة الشهيد يستقبله الرجال في المدينة بالهتافات والأناشيد والألعاب النارية، والنسوة من النوافذ والشرفات بالزغاريد وأكاليل الورد، وكأن المناسبة والحدث عرس ونوع من مظاهر الاحتفاء والابتهاج وليس مجاهداً وشهيداً قادماً لتوه من الجبهة.
في المدينة أيضاً لا يوجد بيت إلا وقدم شهيداً من خيرة أبنائه، حتى الأطفال عندما تقرع في آذانهم نعيق طائرات الحلفاء يسددون نحوهاً فوهات بنادقهم التي يصنعونها من الخشب وأعواد القصف، وهم يرددون في أعقابها عدداً من الهتافات وعبارات الشجب والتنديد.
حول أصداء العدوان ومفارقاته وردود الأفعال يقول المحللان السياسيان عبدالباري عطوان، ونظيرة بكري في سياق مداخلة ثنائية متلفزة في إحدى قنوات التواصل الاجتماعي: “لقد أبهر الجيش اليمني واللجان الشعبية بصمودهم الأسطوري وغير المسبوق أمام قوات التحالف الذي تقوده السعودية ضد جارتها اليمن وشعبه المقاوم، وهو العدوان الذي لم تراع فيه حكومة الرياض عقيدة أو جواراً، وفتحت فيه على نفسها وعلى حلفائها أيضاً باباً جديداً من أبواب جهنم لم يكن بوسعها إغلاقه ثانية”.
وهو الوضع الذي أصبح الآن اعتيادياً ومألوفاً ومتكرراً عندما فتحت السعودية في هذا المنحى جبهات وأبواب أخرى على أكثر من جبهة، وأكثر من صعيد آخر في العديد من أقطار المنطقة كسوريا والعراق وليبيا وأخيراً اليمن، وهو البلد الذي تربطه أكثر من غيره بالسعودية علاقات وطيدة واستثنائية وقربى وجوار أيضاً، وهي البؤر والتصعيدات التي حشدت لها لفيفاً من مقاتليها المحترفين من الدواعش ومن المرتزقة الأفارقة وقوات المارينز التي زرعت كياناتها وأوصالها السرطانية التي انتشرت واستشرت داخل الجسم العربي مما أدى إلى تدهور الوضع اقتصادياً ومعيشياً وإنسانياً في اليمن، مما اضطر آلاف الأسر المنكوبة التي تقطعت بها السبل، وتحصدها طاحونة المجاعة والأمراض الفتاكة والقاتلة كل يوم بالعشرات نتيجة الحصار، وتفاقم الأزمة، مما ينبئ بالتأكيد بوقوع كارثة إنسانية وشيكة ستأكل الأخضر واليابس.
وحمل عطوان والبكري في هذا السياق حكومة الرياض والمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان مغبة ومسؤولية ما يقع في اليمن من انتهاكات ومجازر جماعية، وطالبا في ختام حديثهما المجتمع الدولي بالإسراع بالضغط على حكومة الرياض، واتخاذ تدابير عاجلة، وإيجاد حلول استثنائية وفورية، ومعالجات لوقف تلك الاختراقات والانتهاكات التي يذهب ضحيتها عادة الأطفال والأبرياء والمدنيين الذين تحصدهم طائرات الحلفاء كل يوم، ويعيشون أسوأ أشكال المعاناة والمجاعة والكوارث الطبيعية.
بالطبع ما ذكره البكري وعطوان وغيرهما من الشأن لا يحتاج لشيء من الفراسة والذكاء لتعلم حكومة الرياض وحلفاؤها أنهم بإعلانهم المفاجئ والمتهور نفير الحرب وتصعيد المواجهة ضد جارتهم اليمن قد فتحوا بالفعل على أنفسهم أبواب جهنم، ولن يكون بوسعهم إغلاقها ثانية.