الوحدة صنعها الشعب اليمني.. ولا يحق لأي قوة التغني بصناعتها

 

> الدكتور عبد الرزاق الأغبري أستاذ القانون الدولي والسياسة الدولية بجامعة صنعاء لـــ الثورة

> التشظي الحاصل الآن نتيجة وليس سبباً..ولابد من البدء في ترميم النسيج الوطني

> الوحدة هي أداة مواجهة التفتيت والتدخل الأجنبي

لقاء / أسماء حيدر البزاز

الدكتور عبد الرزاق الأغبري أستاذ القانون الدولي والسياسة الدولية بجامعة صنعاء و مؤسس حركة وطن بدون أحزاب – وعضو المجلس اليمني المستقل وأمين عام المنظمة العربية لحقوق الإنسان تحدث في لقاء مع «الثورة» عن نضال حركات التحرر بين الشطرين حتى إعادة تحقيق الوحدة الوطنية والتحديات التي رافقت ولحقت بمسيرة الوحدة والضغوط المحلية والدولية التي كانت تستهدف تفكيك الوحدة اليمنية وعودة البلاد إلى مربعات العنف والانفصال والتشطير .. نتابع

■ ونحن نحتفي بالعيد الـ (26) للوحدة اليمنية في ظل محاولات مستميتة من قبل دول العدوان لتقسيم اليمن وتفتيته وإدخاله في حالة صراع دائم ..
ما هي المخاضات التي تجشمتها اليمن من اجل الوصول إلى الوحدة كمنجز تاريخي استثنائي في المنطقة برمتها ..وكيف يمكن الحفاظ عليها من الأخطار..؟
– لم يتم صناعة الوحدة اليمنية ولا يستطيع أحد أن يدعي بأنه هو صانعها, لأن وحدة الشعب اليمني موجودة وأصيلة في أساسها وبنائها منذ قرون بعيدة, والشعب اليمني شعب واحد سواء توسعت الرقعة الجغرافية لتشمل سكان جميع الأرض اليمنية الطبيعية حسب ما تقوله الخرائط التاريخية القديمة الطيبوغرافية أو السكانية الثابتة, أو الخرائط السياسية المتغيرة التي ارتبطت بـ أوضاع سياسية محلية أو اقليمية أو متغيرات سياسية دولية جديدة ناتجة عن انتهاء الحروب العالمية.
إذن الوحدة الشعبية إن جاز لنا هذا التعبير هي موجودة وراسخة وليس لأحد منا القدرة على القول والإدعاء بأنه هو صاحبها أو محققها أما عن الوحدة السياسية بين شطري اليمن, فكما أشرت سابقا أن المتغيرات العالمية بالضرورة أن تؤثر على الجغرافيا اليمنية اتساعا أو ضيقا ومن ذلك أن تكون اليمن شطرين بل ودولتين يمنيتين دولة شمالية ودولة جنوبية معترف بهما في الأمم المتحدة . .
بعد استقلال الشطر الجنوبي في الـ30 من نوفمبر 1967م ورحيل آخر جندي بريطاني من عدن وقيام نظام حكم جمهوري وطني في الجنوب وعند إعلان قيام جمهورية جديدة في جنوب الجزيرة العربية أدى هذا الإعلان إلى انزعاج كبير وغير مسبوق من قبل الدول العربية ذات الحكم الملكي الأسري .
حركات التحرر
■ برأيك ..لماذا هذا الإصرار من الملكيات في المنطقة ..خاصة السعودية على عدم وجود حكم جمهوري في اليمن ؟
– كأنه مؤشر سيئ على بقاء أنظمتهم الملكية وتخوفهم من الزخم والوهج الثوري لثورة 1952م المصرية ومن تأثيرات حركات التحرر العربية المدعومة من الزعيم جمال عبدالناصر. .و لم تبادر هذه الدول العربية إلى دعم ومساندة النظام الوطني الجديد الذي كان يحتاج اليهم كي يدعموه ماديا وبسخاء ومعنويا واقتصاديا وتعليميا وفنيا…بل عملت دول الجزيرة العربية على تقويض هذا النظام الوليد وحاربته بأشكال وطرق وأساليب متعددة بدلا من وجوب الوقوف معه ومساندته ودعمه حتى يستطيع أن يقف ويرسي قواعد بناء دولته المعلنة ويحقق الآمال الوطنية المنشودة. . ولأن الحرب الباردة بين القطبين كانت تدور رحاها في صراعات وحروب بين البلدان المؤيدة لذاك القطب أو المرتبطة بالقطب الأخر, فإن حربين رسمية ومعلنة دارت رحاها بين الشمال والجنوب اليمني لكنها في حقيقتها كانت حروبا بالوكالة عن المتصارعين الدوليين ومؤيدة وممولة ومدعومة من الدول العربية المنطوية تحت إبط ذلك القطب الرأسمالي أو القطب الاشتراكي. .
تلك الحروب قامت بين الأنظمة السياسية في الشطرين فقط ولم تستطع أن تجعل من الحرب أو تعلن أنها حرب بين الشعبين اليمني أبدا. . لأن الشعب اليمني واحد وموحد منذ قرون لكنه منقسم في الجغرافية السياسية تحت نظامين شطريين. .وعن الاستراتيجية التي بنيت عليها لتحقيق الوحدة السياسية بدءاً كانت تثار عقب كل حرب شطرية عند التقاء رؤساء الشطرين في كل من ليبيا والكويت ومنها تشكلت لجان الوحدة, تلك اللجان التي كان مهامها أن تضع دستوراً جديداً للدولة المنشودة وأن تعمل مشاريع قوانين بديلة عن القوانين الشطرية النافذة وأن تأخذ بالأفضل الذي يخدم مصلحة الشعب اليمني. .
وفي غفلة من الزمن ومع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان الحليف الرئيس للشطر الجنوبي, قفز النظام السياسي الحاكم في الشمال يطلب من النظام السياسي في الجنوب قيام وحدة كونفدرالية بين الشطرين.. لكن النظام السياسي في الجنوب ارتأى أن تكون وحدة اندماجية كاملة, برؤية أنه لو لم تتم الآن الوحدة الكاملة فإنها لن تتم في زمن قريب ومنظور,بل لربما أنه لن تقوم دولة الوحدة أبدا وسوف يتعزز التشطير السياسي القائم إلى أن يضحي تشطيرا شعبيا آخر, وتم إعلان قيام الجمهورية اليمنية في الـ22 من مايو 1990م.
نظرية اشتراكية
■ حدثنا عن التحديات التي رافقت مسيرة تحقيق الوحدة ..؟
لن أتطرق للمسيرة الوحدوية واللجان الوحدوية التي بذلت الجهد الكبير في إعداد وتجهيز الكثير من قوانين دولة الوحدة وعلى رأس تلك القوانين مشروع دستور الدولة اليمنية الموحدة الذي نص على التعددية السياسية.. لكن التحديات في الجنوب على ما أظن تمثلت في شق سياسي داخلي والشق الأخر خارجي. .. الشق الخارجي: تمثل في الانهيار المتسارع للمنظومة الاشتراكية وتحديدا الاتحاد السوفيتي الذي كان له مع الجنوب علاقات وطيدة جدا .. وكان لابد أن يذهبوا إلى الوحدة مع الشطر الشمالي, وأن يحققوا الحلم الذي يراودهم منذ ثورة الـ14 من اكتوبر1963م والاستقلال الوطني في الـ30 من نوفمبر 1967م, لأن جميع أدبياتهم السياسية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والفنية كانت تنادي وتؤكد على قيام الوحدة اليمنية والنضال من آجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية. . هذا الشعار كان رسميا ويتصدر كل المراسلات الرسمية للحكومة في الشطر الجنوبي من الوطن.
والنقطة الأخرى كانت في الجانب الاقتصادي, فـالجنوب كان لديه مشكلة اقتصادية بحكم أن الموارد قليلة جدا وانعدام الدعم الخليجي ومعلوم أنهم كانوا يتعاملون بالنظرية الاشتراكية اقتصاديا .. ووقتها وصل وفد سعودي رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية إلي عدن, وبصورة مفاجئة والتقى بالقيادة السياسية الجنوبية .
وقد قيل أن الوفد السعودي كان قد قدم للقيادة الجنوبية شيكا ماليا مفتـوحا ,وقدم أيضا ضمانات قوية وكبيرة لتقديم الدعم المالي والاقتصادي والسياسي لنظام الجنوب مقابل أن يتوقف الجنوب عن الدعوة إلى قيام دولة الوحدة اليمنية.. فالسعودية كانت تعرف تماما أن الداعي الصادق والحقيقي الي تحقيق الوحدة اليمنية هو الشطر الجنوبي, لذا مارست السعودية كل وسائلها المعتادة على القيادة السياسية الجنوبية للتخلي عن اتجاههم إلي تحقيق الوحدة اليمنية, مستخدمة كل وسائل الاغراء المادي وأحيانا كانوا يلوحون بالعصا ثم الجزرة كما يقال.
فشل ذريع
■ وما سبب فشل الوفد السعودي في مهمته تلك؟
فشل أمام صلابة الإرادة الوطنية للقيادة السياسية الجنوبية وقد عاد الوفد السعودي إلى بلاده يحمل أذيال الخيبة والحسرة أيضا, .. لربما تكون دول أخرى عملت نفس الأسلوب السعودي بإرادتها هي أو بطلب من السلطات السعودية لثني القيادة الجنوبية عن اتجاهها إلى قيام دولة يمنية موحدة.
■ وماذا عن التحديات المحلية أو الداخلية ؟
المعلوم أنه كان هناك تباين في وجهات النظر في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الحاكم في الشطر الجنوبي حول الاتجاه إلي تحقيق الوحدة اليمنية في تلك المرحلة.. كان الجميع يؤيدون قيام الوحدة اليمنية وكان لدى البعض تحفظات .. تيار منهم يطرح أن الوحدة اليمنية قدرنا, لكن الوقت غير مناسب لقيامها الآن لأن النظام في الشمال غير كفؤ لمثل هذا الحدث السياسي الهام الذي سوف يعيد ترتيب الخارطة السياسية الدولية وفق الجغرافيا الجديدة.. تيار آخر يرى أنه لا يجب التسرع بل يجب مناقشة كل القضايا السياسية والاجتماعية والاتفاق عليها مع الشمال بشكل واضح وشفاف .
تيار كان متخوفاً من مجموع مكونات نظام الحكم في الشمال, ويرى ان المعادلة لن تكون متساوية بل أنها سوف تميل لصالح الشمال . وأن الفارق الكبير في عدد السكان في الشمال يجب أن يقابله صراحة كبـر المساحة الجغرافية للجنوب, وأن تكون عدد الدوائر الانتخابية متساوية مناصفة بين الشمال والجنوب, الشمال بقوة عدد السكان والجنوب بقوة المساحة الجغرافية .
تصفيات
■ برأيك ..هل كانت حرب 94 انقلابا على الوحدة أم تصفيات سياسية بين القوى الحاكمة؟
ربما اليوم نستطيع أن نعرف وبوضوح حقيقة حرب 94، وأقول إنها كانت الثمــرة لما قبلها وما سبقها. . ابتداء بـ اللعبة القوية في مسألة قيام قوى سياسية دينية هنا في الشمال بالتأجيج الصارخ لرفض الاستفتاء على دستور دولة الوحدة, تلك الحملة الشرسة المقصودة ضد الدستور انطلت على الجنوبيين جميعا وجعلتهم يتجهون إلى صناديق الاستفتاء على مشروع دستور دولة الوحدة والقول بـ نعـــم للدستور, والي جانب الجنوبيين صوت الشماليون الذين انتقلوا إلى الجنوب عقب إعلان قيام الوحدة إلي المناطق الجنوبية من مدنيين وعسكريين, وجميعهم قالوا بـ نعم للدستور, لهذا كانت نتيجة الاستفتاء بـ نعــم للدستور في المحافظات الجنوبية أكثر من المحافظات الشمالية, طبعا أذا عملنا مقارنة بعدد السكان.
■ وماذا عن اليوم بعد أن أضحت الوحدة اليمنية مهددة بالتدخل الأجنبي وشبح الصراعات المناطقية والطائفية ؟
أن المواطن اليمني في شمال اليمن وجنوبه وشرقه وغربه صار لا يرى في بعض المتسيسين أنهم منطقة الأمن والأمان له بل أنه يرى فيها أنها القوة القمعية له والعصا المسلطة عليه في كل حين, ونتيجة لذلك الشرخ الكبير الذي يعاني منه المواطن اليمني في كل مكان , ظهرت على السطح وبشكل معلن وواضح الدعوات إلى الحكم المحلي كامل الصلاحيات الذي لم يستجب لها ثم تلتها الدعوة إلي فك الارتباط وعودة التشطير السياسي السابق وسيكون معه التشطير الوطني والاجتماعي . وأتمنى أن يبدأ الترميم للحمة الوطنية اليمنية التي نأمل أن تقوي ما كان قد تفكك أو ترهل في النسيج الوحدوي لأن التشظي الحاصل الآن هو نتيجة وليس لسبب.

قد يعجبك ايضا