لحظة يا زمن.. شفقة
محمد المساح
.. للقلب الإنساني أحوال غريبة، ولا غرابة أيضاً.. في اللغة حين توصلت إلى أن تنحت اسمه من تلك الكلمة الثلاثية الأحرف قَلبَ، يُقْلِبُ، يَتَقَلَّبْ إلى آخر التفريع والتصريف..
لا مناص إذاً من تَقَلُبْ القَلْبْ في أحواله الغريبة، وتمكنه من زِمَامْ الأخذ بصاحبه واقتياده إلى تلك المتاهات الغريبة.
ينجذب حيناً وتدور به عواصف الشجن والنجوى.. ويجذب حيناً آخر فيدور في أعاصير الأسئلة، ويعود ليكون هو السؤال نفسه.
كل هذه المقدمة تمهيداً لمحاولة الوصول لنتلمس –وهي مجرد محاولة أو لنقلها مفتوحة بأنها مجرد تلاعب بالألفاظ- قلب هذا الرجل العجوز.. الذي فتنه قلبه الملعون وهو يلامس غروب العمر، ومجرد دَهْفَة.. فَلتَ وبلا عودة في بحر الغروب.
جذبني صوته، وهو يصرخ بلوعة: أين كنت يا قلبي والجراد يَبْسَلْ في لهيب الشمس؟، ولا أدري وهو يتلوع بذلك الصوت الجريح أنه يقلد دوراً مسرحياً بتلك الإجادة الرهيبة، لكن حين تقاربنا، ونحن نقبض معاً على الرمل الناعم، ونذريه في الفراغ المفتوح عبر الفضاء، كان قلب صاحبي يئن من الوجع. قلت له: إلى هذا الحد غلبك الوجع؟. وأجابني: تَقَلَّبْ هذا الملعون أوْجَعني. طال الصمت لزمن تلاشى خلاله الضوء، ولهفته الغدرة، وذهب في اتجاه الريح، لم يكن يتوكأ على عصا.. كان يتوكأ على قلبه الملعون.
في ضوء النهار التالي.. قابلته في المنحنى، وهو يجدف بلعناته على أحوال القلب.. وكيف أطفأ جذوته، وأوقف لهيبه. وبصوت أقرب إلى الهمس.. وبلوعته الجارحة «ما بين الشفقة والمحال.. انقطع الخيط.. تلقائياً»..!.