عبدالرزاق الربيعي
بعد صدور آخر أعمالها الروائية” جنون اليأس ” عام 2011 م تعود الكاتبة غالية ف.ت.آل سعيد
برواية جديدة حملت عنوان” سأم الانتظار” صدرت عن دار رياض الريس، ليكون عملها الروائي
ومن “جنون اليأس” إلى “سأم ، « سنين مبعثرة » و ،« و”صابرة وأصيلة ،« أيام في الجنة » الخامس بعد
الانتظار” تتحرّك شخصيّات الكاتبة على مساحة من الألم ، والمكابدات ، وتتحاور الثقافات ، وتتصادم
، والقاسم المشترك الأعظم في أعمالها هو رفض شخصياتها لكافة أشكال الظلم، والاستغلال، والقهر،
فلا تفقد الأمل بالخلاص، ورغم كلّ ما يحيط بها من عزلة ويأس ، تمتلك رغبة في البحث عن واقع بديل،
يعوّضها عن واقع حياتها المر، ساعية للخروج من قوقعتها في عالم تحكمه القسوة، والعنف، لكن هذه
الشخصيات سرعان ما تكتشف أنها كانت أسيرة لأوهام، وهذا مانراه واضحا في روايتها الجديدة ، التي
تناقش العديد من القضايا من بينها الصراع الحضاري بين الشرق والغرب ، وهو موضوع يشغل الكاتبة في
رواياتها السابقة :”سنين مبعثرة” تحديدا، فالطبيب حاتم حمدان، يظنّ إنّ بريطانيا، التي يصل إليها في
المشهد الأوّل من الرواية ، كفيلة بتحقيق طموحاته، فيلتحق بالعمل في دار “روزديل” لرعاية المسنين في
لكنه يصطدم بواقع مختلف، وهو في هذه الحال يجد ، أما أن يصطدم بالوقع الجديد، أو « سفن أوك » حي
يغض النظر عما يدور حوله من أحداث عجيبة وغريبة تتمثل في استغلال المسنين وسوء معاملتهم ،من
قبل مالكة الدار بلندة المهووسة بلعب القمار – البينغو ، القاسية والصارمة في تعاملها مع الآخرين حتى مع
أمها التي قضت نحبها في حريق جرى في الدار سببه خلل في بطانيتها الكهربائية ، ولايعرف الحب طريقا
لقلبها، والرجل الوحيد الذي تسلل لقلبها هو “آندي”، الذي يكبرها بسنوات كثيرة، والتقت به في صالة
قمار في سنوات المراهقة، وحين تفصّل الكاتبة في عالم البينغو، نعيش أجواء مشابهة لتلك الأجواء التي
عاشتها شخصيات نجيب محفوظ في روايته “ثرثرة فوق النيل” ، التي تمضي أيامها في عزلة عن الواقع
ليس أمام هذه الشخصيات السلبية سوى حلم واحد هو الفوز تعويضاً عن إفلاس روحي ،وخواء نفسي،
واجتماعي ، ووسط هذا الوضع المتردي، لم يكن أمام الطبيب حاتم سوى الانزواء بعيدا عن الأحداث
ليغيب عنها إلى نهاية الرواية بجزئها الأوّل.
ومع انقطاع خبر الطبيب “حاتم” يظهر خط جديد يتمثّل في “خلف” الشاب العربي الذي يحلم بأوروبا،
وهو ما كان يهيمن على خيال الطبيب حاتم، فتوفر له “بلندة” هذه الفرصة لمآرب في نفسها ، وتقيم معه
علاقة حب يختلط فيها الاستغلال، والرغبات، وسرعان ما يشعر “خلف” بالسأم، فيثور على سطوة
بلندة، لكنه يعود، لا لكي يبقى تحت سطوتها، بل للبحث عن فرصة مناسبة ، وحين يجدها مؤاتية يهرب
من “معتقله الكبير إلى عالم الحريّة الفسيح ” ، لكن الأحداث لم تنته ، فالكثير من الدوائر تظلّ مفتوحة
،وهو ما ستجيب عنه الكاتبة حتما في الجزء الثاني من الرواية التي انتهت بمشهد هروب “خلف “من
بيت “بلندة”، فيما بدأت بمشهد هبوط الطائرة التي تقلّ الدكتور حاتم في مطار هيثرو بلندن، وبين وصول
الثاني أوروبا مليئا بالطموحات، والأحلام الكبيرة، مديرا ظهره لعالم يهمّشه، وهروب الأول من بيت أصبح
بالنسبة له معتقلا ، تجد شخصيات الرواية نفسها تدور في فلك في مأزق حضاري لا تستطيع الخروج
منه إلا بالهرب، لأنّها سأمت واقعها ، وملّت انتظار “الذي يأتي ولا يأتي ” ويأتي الإهداء ليضع مفتاحا
بين يدي القارىء ،فالكاتبة تهدي روايتها “إلى الذين سئموا الانتظار فقاموا بالربيع العربي”، ورغم أنّها
جعلت شخوص روايتها بمنأى عن الدخول في السياسة، عالجت الأحداث من زاوية انسانية، واجتماعية
، فالذي يجعل الشباب العربي يحلمون بالهجرة إلى أوروبا ليس سوى الواقع المرير الذي يعيشونه، لكن
أحلامهم سرعان ما تسقط في هوة الإحباط، واليأس، غير أن عيونهم تبقى معلقة بحبال الأمل، فيظلون
ينتظرون الخلاص رغم سأم الواقع الجديد ، إنه أفق مفتوح على اشراقة الأمل وسط حلكة الظلام ، في ظرف
يصدق به قول الشاعر” ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل” !.