سيجارة.. وأصابع
محمد المساح
أوقفني في الطريق لم يقل شيئاً لكنه رفع أصابعه الخمس في الهواء، وطبع “السبابة والوسطى” على شفتيه.
في تلك الثواني من دقائق الزمن والتي تطير هباء في الفضاء.
رغبت نفس المماحكة أن أماحكه لأن أجعل من وجودي أمامه متصنعاً.. الهبل لكن جدية النظرة في عينيه المكسرتين أوقفتني عند حدي قلت له: لقد أصبح ثمنها خمسة ريالات بالتمام والكمال.
لم يتسن لي بعد قول تلك الجملة من إضافة شيء.. أخرجت الباكت من الجيب وناولته السيجارة.. أخذها باصبعيه وظلت يده مفرودة بالفضاء، فناولته الولاعة, أخذها وضم أصابع يديه إتقاء الريح العابر، ولع السيجارة أخذ نفساً عميقاً، وجذب الدخان إلى منتصف صدره، ثم نفخ الدخان بنفثاث متقطعة.. وناولني الولاعة ثم نطق ـ شكراً نوَّنها بالنون وأخذ نفسه جانباً وأقتعد الأرض وأسند ظهره للجدار وظل يدور السيجارة في الهواء، ينقل دخانها المحترق نحو الأرض قبل أن تصل بقاياه المتطايرة إلى الأرض، قبل الملامسة بقليل كان يمد كفه الأيسر ويتلقى جزيئات الدخان في باطن الكف!
يرفع كفه اليسرى قليلاً, ثم ينقل طرف السيجارة المحترق على باطن الكف، بدون أن تلامس اللهبة المشتعلة “الجذوة” جلد الكف.
استغربت للأمر شدتني الدقة المتناهية في تناسق وتوازن الحركة في صعود السيجارة إلى شفتيه وتلك “المجة الخفيفة” من طرف الفلتر، ثم التلذذ المتقطع الذي يبدو جلياً على تعابير الوجه.
الأصابع والنقر الخفيف بالسبابة على تدويرة السيجارة، وانتقال أسفلها على طرفي أصبعي يده الوسطى الإبهام وبطئه وتمهله وهو ينقل الدخان على باطن الكف، ويظل الكف مفتوحاً على الهواء تتقاطع خطوط الكف بارزة يتراكم الدخان في الوسط.. يمر الريح فيأخذ بعضاً منه.
كان بودي.. أن أجلس بجانبه وأباديه الحديث.. ظل يتعجب لوقفتي التي استغرقت تدخينه السيجارة رمى بالفلتر المحترق طرفه، ثم نفخ الدخان من باطن كفه.. وأضاف شكراً انتهت السيجارة.