د.عرفات الرميمة
يمكن القول إن ثقافة إقصاء الآخر وتغييبه قديمة قدم الإنسان وقد بدأ التأسيس لثقافة الموت وإقصاء الآخر بفتوى كما أخبر القرآن عن ذلك في قصة بني آدم بقوله تعالى : ( فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين ) ويعني ذلك : أنها أفتت واباحت وزينت فسهلت وتم التنفيذ بعدها . ومن يشاهد اليوم القتل المجاني للمخالفين الذي تنفذه القاعدة وداعش يجب عليه أن يعرف أن هناك منهجاً فكرياً وايديولوجيا يعتمد على فتاوى تشرعن لما تقوم به تلك الجماعات وتؤسسه عليها ، ومن أراد الوصول لتلك الحقيقة عليه أن يستخدم المنهج الحفري – الاركيولوجي – للوصول الى أصل ونسب تلك الأفكار .
فالفكر الداعشي لم يهبط علينا من المريخ ، بل هو بغل فكري تم استنساخه وتخليقه في مختبرات أمريكا من تلاحق حمار البدو الوهابي مع أنثى حصان تسكن في استطبل عيال سعود الملكي .
وكما هو معلوم أن الوهابية اسم أطلقه خصومها عليها ، أما الاسم الذي أطلقه مؤسسها عليها فهو اسم ( الموحدون ) لاحظوا الاسم وأقروا ما بين السطور – كما يقول المنهج التفكيكي – فإذا كانوا كذلك فذلك يعني أن الآخر المخالف لهم من أي ديانة ومن أي مذهب أو طائفة – غير الوهابي – ليس موحداً على الإطلاق وإنما هو مشرك .
ولقد أنعكست تلك التسمية على علم دولة عيال سعود باعتباره رمزاً لها ومعبراً عن أيديولوجيتها، فكلمة التوحيد تحتها سيف وذلك يُقرأ – بناء على منهج التفكيكي الدريدي – في نفس السياق السابق : أما أن تختار لا إله إلا الله وتكون مع الموحدين الوهابية أو فالسيف سيحدد مصيرك – وذلك خلاف الإسلام القرآني الذي يقول في كثير من آياته : لا إكراه في الدين وأيضاً فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر – وبإمكانك أن تقارن إعدامات داعش للمخالفين للتوحيد الوهابي بحد السيف . ويخبرنا التاريخ أن كل من عارض الوهابية ووقف ضد دولة عيال سعود من قبائل نجد والحجاز وحائل وشمر سواء في إمارة الدرعية أو إمارة الرياض – في عهود الدولة السعودية الثلاثة وحتى اليوم – أطلقوا عليهم اسم (العرايف ) وتعني : الإبل التي يستولي عليها البدو بعد عمليات الغزو والنهب والسلب للقبائل الأخرى .
هل عرفت يا صاحبي لماذا يسرق الدواعش بيوت المخالفين لهم في كل مكان ؟ لأنهم عرايف لا أكثر ولا أقل وليسوا موحدين كالوهابية وبالتالي فإن دماءهم وأموالهم وأعراضهم مباحة في كل زمان ومكان سواء عن طريق سيوف داعش أو طائرات عيال سعود أو مدافع عملائها ومرتزقتها . والعلاقة بين الفكر الوهابي وداعش هي عين العلاقة التي تربط الأب بولده الذي من صلبه وهي نفس علاقة الصوت والصدى وهذا ما توصلت إليه العديد من مراكز الأبحاث الغربية خصوصا بعد مقارنتها للمناهج التي تدرسها داعش في المناطق التي تقع تحت سيطرتها – خصوصا في سوريا والعراق وليبيا – كتب ابن تيمية وكتب محمد بن عبدالوهاب وهي نفس المناهج الوهابية التي تدرس في المدارس والجامعات التي تتبع المنهج الوهابي في السعودية ونفس المناهج التي قررتها طالبان يوم أن كانت لها دولة في أفغانستان .
وعلى سبيل المثال من ضمن فتاوى ابن تيمية في كتابه ( منهاج السنة ) من أخرّ الصلاة عامداً فقتلوه ، ومن جهر بالنيةِ عامداً فقتلوه ، هذا الفكر هو الحليب الذي رضعته داعش وشبت عليه وظهر على أسلوب تفكيرها وطريقة عيشها وسلوكها . ويمكن القول إن هجمات باريس الإرهابية – ?? نوفمبر من العام الماضي – التي نفذتها داعش شكلت قطيعة ايبستمولوجية عما قبلها من هجهمات وأعمال ارهابية وذلك لأنها أيقظت الضمير العالمي من سباته الدجماطيقي ونبهت المجتمعات الغربية الى خطر الفكر التكفيري الوهابي المسؤول عن كل التنظيمات والحركات الأصولية الاسلامية المتشددة . هذا الفهم المتأخر كان قد نبه اليه وحذر منه الفيلسوف الفرنسي المرحوم (روجيه جارودي ) في كتابه عن الأصوليات في بداية تسعينيات القرن الماضي ، قائلاً: إن الأصولية الوهابية وفهمها للإسلام يشكل خطرا على الإسلام والمسلمين أولا وعلى غير المسلمين ثانياً . ولديه الحق فيما قال وذلك لأن الوهابية ترى نفسها المعبر الحقيقي والوحيد عن الاسلام وغيرها – من المذاهب والطوائف والديانات – هم الباطل الذي يجب أن يعود الى الحق الوهابي بمنطق القوة وليس بقوة المنطق أو أن يموت ، فهم الفرقة الوحيدة الناجية وغيرهم فرق ضالة مظلة وهم أصحاب السنة وغيرهم أصحاب البدع – وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة وصاحبها في النار – بالمختصر هم كفار يجب قتلهم والتقرب بدمائهم الى الله – ومن رحم ذلك الفهم الصحراوي العقيم والمغلوط للإسلام خرجت القاعدة وداعش وأخواتها في الغي والضلال ، تلك الحركات التي ذبحت الإسلام – على الطريقة الاسلامية – وجعلت من دين الاسلام والسلام وبسم الله الرحمن الرحيم -ومن تحية الإسلام التي جعلت من السلام شعاراً لها – دينا للقتل والحرب والإعدام والذبح والسحل والحرق وكل ما لا يمت لجوهر الإسلام بصلة .
الغربيون كانوا يعرفون جيدا أن الفكر التكفيري الوهابي هو رأس الارهاب وأساس القاعدة وأخواتها في كل زمان ومكان ، لكن اللوبي السعودي وحاجة الغرب لنفط البقرة الحلوب كان يقف حاجزا دون مهاجمة الأصل والاكتفاء بتقليم الأطراف متى ما اشتد عودها وحانت الفرصة لذلك . فعقب أحداث ??سبتمبر ????م في أمريكا – التي اشترك فيها خمسة عشر سعودياً من أصل ثمانية عشر – اقترح سيناتور أمريكي بضرب السعودية مباشرة بدلا من غزو أفغانستان والسبب الذي أبداه كان منطقيا وهو أن ضرب رأس أفعى الارهاب سوف يقضي على ذيولها المنتشرة في كل مكان ، لكن مصالح الرئيس الامريكي جورج بوش – الابن – وارتباط شركاته بمشاريع مباشرة مع السعودية جعلته يكتفي بضرب ذيل الأفعى في أفغانستان والذي ما لبث أن عاد في العراق وبعدها في سوريا . وعقب أحداث باريس وصف (توماس فريدمان) – وهو من هو في الصحافة والسياسة الامريكية – تنظيم داعش بأنه نسل أيديولوجي للسعودية ، وفي نفس السياق اتهم ( سيغمار غابريل ) – نائب المستشارة الألمانية ميركل – النظام السعودي بالاسم وللأول مرة بتمويل التطرف الاسلامي في الغرب على حد قوله وصرَح قائلا: علينا أن نوضح للسعودية أن وقت صرف الأنظار قد ولى .
وبات صانعو السياسة في أوروبا من نواب وساسة وصحفيين وحقوقيوين يعرفون – ويعترفون أيضاً – أن المعركة مع إرهابيي القاعدة وداعش هي معركة حول الأفكار ومن خلال الأيديولوجيا قبل أن تكون معركة السلاح والبنادق .
لقد بات جلياً الآن أن ثروة النفط الصخري المكتشف في كندا وأمريكا قد جعلت أوروبا وأمريكا اقل اعتمادا على النفط السعودي في الوقت الراهن وسوف تستغني عنه نهائيا بحلول العام ????م وبالتالي فإن زمن المجاملات والبرجماتية المرتبط بالحاجة وبالمصلحة قد ولى الى غير رجعة وتوضحت الرؤية الآن وحُددت العبارات التي أرجعت الإرهاب القاعدي والداعشي إلى أصله الوهابي ومتنه السعودي .
وإذا كان الفيلسوف الوجودي جون بول سارتر قد قال: إن الآخرين هم الجحيم ، فإن الوهابية قد رأت في الآخرين المخالفين لها بأنهم كفارا يجب أن يتم اقصاؤهم في الدنيا ليذهبوا الى الجحيم في الآخرة . وهذا ما توصل اليه (ديفيد كومينس ) عندما قرأ كتاب التوحيد لمحمد بن عبدالوهاب فقال : ( إذا لم يتفق أحدهم مع وجهة نظره عن التوحيد فعليه أن يُغير دينه أو يموت ) وما يحدث لنا في اليمن من عدوان همجي بربري وهابي هو أننا رفضنا دين محمد بن عبدالوهاب ولم نُغير دين محمد بن عبدالله .