لندن/ وكالات
بعد أن اقترب دونالد ترامب من ضمان الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام، بدأ الجمهوريون في كل مكان يفكرون في طريقة التعامل معه وكيف سيؤثر انتقال قيادة الحزب إليه على خططهم المستقبلية. ويتمثل التحدي الأساسي الذي يواجه الجمهوريين في إيجاد السبل الكفيلة بمنع ترامب من الخروج عن النهج التقليدي لمعسكر المحافظين الأمريكيين.
ويرى مراقبون أن ذلك سيتطلب عملاً لا يتوقف، وستكون الأشهر الستة المقبلة صراعًا يخوضه الجمهوريون لتطويق نزوات ترامب ونوازعه الجامحة، وحتى إذا نجحوا في ذلك فإنه قد لا يكفي للحد من الأضرار التي يمكن أن يلحقها ترامب بالمشروع المحافظ.
ويحاول بعض الجمهوريين التقليل من شأن التحدي. وقال رئيس مجلس النواب بول راين أحد زعماء الحزب: إنه والجمهوريين الحريصين على الايديولوجيا المحافظة ليسوا قلقين، وأشار إلى أن أي اختلافات أيديولوجية أو سياسية مع ترامب هي عقبات صغيرة وأن هناك اتفاقًا أوسع معه على القضايا الرئيسية.
ولعل أهم ما يجب أن يفهمه الجمهوريون عن علاقته بالأجنة السياسية المحافظة والبرنامج المحافظ هو انه لا يكترث بالسياسة، إذ قد تكون لديه آراء ومواقف صادقة بشأن قضايا سياسية محددة ولكنه في الغالب لم يفكر كثيرًا في أي قضية سياسية يمكن أن يواجهها، والأكثر من ذلك أن تفكيره في أي قضية سياسية يكون خاضعًا للمراجعة والتغيير في أي لحظة.
وثمة نمط متكرر لاحظه مراقبون لدى ترامب. فحين يُسأل ترامب عن قضية لم يفكر فيها يعطي إجابة لا تنسجم مع الخط المحافظ التقليدي لأنه لا يعرف ما هو الخط المحافظ التقليدي. ويثير هذا حنق الجمهوريين ويندلع سجال بينهم وبينه وبعد يوم أو يومين تعلَّم خلالهما ما يجب أن يقوله، يعود ويقدم نسخة معدلة من موقفه السابق.
وحدث هذا في قضايا مختلفة منها الإجهاض والنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والموقف من المثليين وحمل السلاح، الخ. وكانت لدى ترامب مواقف مغايرة من بعض هذه القضايا، قبل أن يدخل حلبة السباق الرئاسي، ومواقف أخرى من القضايا نفسها بعد دخوله الحلبة. وهذا أقصى ما يمكن أن يتوقعه الجمهوريون منه. فهو قد لا يتفق معهم ولكنه يستجيب للضغط ويعود إلى حضيرة الموقف المحافظ حين يُقال له انه ضل طريقه.
وعلى سبيل المثال، إن ترامب أثار رعب الجمهوريين بإعلانه مرارًا زيادة الضرائب على الأثرياء، ولكن عندما طرح خطته الفعلية كانت تتضمن إجراء تخفيضات هائلة في الضرائب لصالح الأثرياء، وحدث الشيء نفسه مع موقفه من الضمان الصحي، كما جاء استعراض سياسته الخارجية في خطاب جاهز كُتب له لكي لا يرتجل، ثم يتراجع لاحقًا عمّا قاله في لحظة الارتجال.
هذا النمط المتكرر ينبغي أن يطمئن الجمهوريين، ويتيح لهم تكوين فكرة عن ترامب إذا وصل إلى البيت الأبيض، إذ يستطيع الجمهوريون أن يراهنوا على قبوله بكل قانون يمررونه في الكونجرس ويرسلونه إلى البيت الأبيض لتوقيعه عليه.
ولكن هناك مطبات تنتظر الجمهوريين في مجالات، أشار ترامب إلى أنه لا يلتزم فيها بالخط التقليدي للمحافظين، وتشكل التجارة إحدى القضايا الكبيرة في هذا الشأن، إذ يبدو أن ترامب يرى أن زيادة الرسوم الجمركية على البضائع الصينية ستوفر فرص عمل لجميع الأمريكيين، وهناك أيضاً إحجامه عن خفض تكاليف الضمان الاجتماعي ودعوته إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، وهو وقف تجده نخب الحزب الجمهوري مبتذلاً ويضر بالحزب، كما تلاحظ صحيفة واشنطن بوست.
وهكذا يمكن أن نرى في الانتخابات العامة قادة جمهوريين يصارعون من أجل إعادة ترامب إلى الحضيرة عندما تقوده نزوته إلى موقف يتمتع بشعبية بين الناخبين، لكنه موقف لا يتفق مع السياسة المحافظة التقليدية، وهنا سيلاقي الجمهوريون صعوبة كبيرة في إقناعه بالعودة إلى البرنامج المحافظ.
من جهة أخرى، إذ بقي ترامب غير محبوب بين عموم الناخبين الأمريكيين كما هو الآن، ويُمنى بهزيمة كبيرة، فإن الجمهوريين قد يكسبون من هزيمة مرشحهم، حيث يستطيعون القول دائماً: إنه هُزم لأنه لم يكن يمثل نهج الحزب، رغم أن هذا قد لا يكون عزاء كبيرًا في هزيمتهم.
Prev Post
قد يعجبك ايضا