*مع استمرار ارتباك المسيرة التعليمية جراء العدوان
/ إدارة التحقيقات
في ظل الصراعات الداخلية، وموجة العدوان المستمر، ومشاهد الدمار والحصار التي يعيشها الوطن وما ترافقه من تعبئة سياسية وفكرية تعمق الخلاف بين أبناء الوطن الواحد وتغرس جذور الكراهية بين أجياله.. يظل استمرار التعليم سفينة النجاة الوحيدة التي من شأنها إنقاذ الأجيال الصاعدة من الصراعات السياسية.. لكن سفينة النجاة “التعليم المدرسي” اليوم أمام تحدٍ كبيرٍ، في ظل غياب رقابي مفروض تحت وطأة الحرب والعدوان.. إذ يتعرض التعليم المدرسي لمحاولات تخريبية بقصد أو بدون قصد، كنتيجة للصراعات الداخلية والعدوان الخارجي..
في هذا التحقيق سنتتبع واقع الرقابة على التعليم المدرسي، وأسباب غيابه واستتباعات هذا الغياب الذي خلق بيئة سيجدها المتطرفون والاستغلاليون السياسيون خصبة لخدمة مشاريعهم المتعارضة مع مصالح الوطن العليا…. إلى التفاصيل:
قبل أن تشن دول العدوان حربها على اليمن كان قطاع التعليم المدرسي يعاني من مشكلات عدة لكنها لم ترتق إلى مستوى متقدم يصعب على الجهات المعنية السيطرة عليها وحلها ولو كلفها مدة زمنية طويلة.. أما اليوم وبعد عام من العدوان ازدادت المشاكل التعليمية المدرسية بشكل كبير فيما تعمقت المشاكل السابقة وبات الوضع التعليمي في العديد من محافظات الجمهورية يراوح بين الاستمرارية النسبية، والتعثر في بعض المناطق التي تشهد وتيرة عالية من الحرب والعدوان، حيث تعرضت المؤسسات التعليمية ومنها المدارس ومكاتب التربية إلى دمار شامل لا يتسع المجال لما ألحقه هذا الدمار من توقف كامل للعملية التعليمية، كما أن معظم المدارس في الأماكن الآمنة تحول إلى مخيمات نزوح، وهذا شل العملية التعليمية، فيما الأخرى في بعض المناطق النائية والأرياف، تحول التعليم فيها إلى مزاجية المعلم والطالب، بسبب غياب الرقابة المدرسية وما أصابها من شلل.. كما تحولت مدارس أخرى إلى معتقلات كما هو الحال في مدينة تعز.
الحرب والتعليم
إن ارتباك العملية التعليمية أو فشلها- لا سمح الله – أو استمرار الأوضاع كما هي عليه لسنوات، فإن ثمة مشكلات اجتماعية وثقافية وسياسية ستصيب جيلاً بكامله للشلل المعرفي والتنويري..
هذا ما ألمح إليه التربوي القدير الأستاذ عبدالجليل المهيوبي أحد العاملين في مجال الإشراف والتوجيه على مستوى الأداء المدرسي.. مردفاً بالقول: قبل أن يدخل الوطن في الحرب العبثية الحالية كانت وزارة التربية والتعليم تعمل على حشد الدعم الحكومي والدولي لإصلاح لكن ما يؤسف أن كل تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح بمجرد احتدام الصراعات الداخلية والعدوان الخارجي عامه الثاني، ليدخل قطاع التعليم فصلاً جديداً من المعاناة بالإضافة إلى رصيد المعاناة السابقة ولعل أهم المشاكل الحديثة التي فرضها هذا الوضع هي غياب دور الرقابة على المؤسسات التعليمية إما لإهمال من الجهات المسؤولة أو خروج مناطق كثيرة عن سيطرة الدولة وبالتالي نتجت مشاكل كثيرة منها عدم التزام الكثير من المعلمين بأداء واجبهم وذلك من عدة حيثيات، منها التغيب عن المدارس وعدم تطبيق خطط تدريس المنهج وتفشي ظاهرة الغش بشكل واسع في مختلف مراحل التعليم وفصولها الدراسية وكذا مشكلة التلاعب في نتائج الامتحانات والتي تمنح النجاح لطلاب لم يحصلوا على درجات تخولهم الانتقال إلى المراحل التالية”..
اختلالات إدارية
عندما غابت الرقابة بشكل نهائي عن الكثير من المراكز التعليمية في المحافظة حدثت اختلالات كبيرة وعلى رأس تلك الاختلالات النقص الكبير في المعلمين بمختلف تخصصاتهم رغم أن أغلب المدارس يوجد لديها معلمون لمختلف المواد الدراسية لكن – كما ذكرنا آنفا- عندما غابت الرقابة تغيب معلمون كثر عن المدارس وذهبوا للعمل في مهن أخرى”.. هذا ما قالته مرحلة الثانوية والباحثة الاجتماعية والتربوية في مرحلة التعليم الثانوي الأستاذة جميلة الطيب، لافتة إلى أن المخجل بأن ذلك يحدث باتفاق مسبق بين بعض مديري المدارس والمعلمين وليس هذا كل شيء، فهناك حالات تغيب شبه مستمرة لمعلمين بدون اتفاق مع مديري مدارسهم بل بالقوة حيث استغلوا عدم قدرة الإدارات المدرسية وإدارات المراكز على التأثير في قرارهم..
وأضافت الطيب: “هذا الأمر ألقى بظلاله على أداء المدرسة حيث يحدث نقص حاد في معلمي المواد لاسيما المواد العلمية التي كانت تعاني من نقص في معلميها من قبل الحرب.. وبالتالي وجد مدراء المدارس أنفسهم مضطرين بالدفع بمعلمي المواد النظرية كالتربية الإسلامية والتاريخ والجغرافيا للتدريس في المواد العلمية كالكيمياء والفيزياء، ومن هنا نشأت رغبة كبيرة لدى الكثير من الطلبة بتفضيل عدم الذهاب إلى مدارسهم حيث انه لا فائدة ملموسة من الحضور.. لينعكس تغيب الطلبة على زيادة المشكلات الاجتماعية الأكثر خطراً المتمثلة في استخدام النشء والشباب ومن بينهم طلاب المدارس كأوراق في إدارات الأزمات الاجتماعية ومن خلفها المعتركات السياسية التي تهدم الوطن أكثر من أن تعمل على بنائه وإعادة أمنه واستقراره”..
كوارث اجتماعية
أما عبد العظيم القاضي -مختص في علم الاجتماع- فيرى أن غياب الرقابة يعني حدوث تسيب كبير في العملية التعليمية وهذا التسيب يفتح المجال لاستقطاب طلبة المدارس وضمهم إلى ساحات المعارك، كما يتسبب غياب الرقابة في خلق فراغ كبير لدى الطلاب وحينها يجدون أنفسهم أمام صراع سياسي مقيت فينخرطون فيه بلا شعور تدريجياً ومع مرور الوقت سيكونون أحد مكونات الصراع الحاصل في الوطن في نفس الوقت سيكون هؤلاء الشباب وقوداً للأزمات التي يتاجر بها أرباب السياسة.. وإن حدث هذا الأمر لأقدار الله فإن حلحلة المشاكل الوطنية ستكون أكثر صعوبة من جهة وتبعاتها ستكون اخطر من السابق من جهة أخرى”..
حقائق ومخاطر
تبعات غياب الرقابة على المدارس أفضت وستفضي إذا ما استمرت تحت ضغط ظروف الصراعات والعدوان إلى نتائج حقيقية خطيرة أهمها قتل رغبة الدراسة لدى الطلاب ليجدوا أنفسهم باحثين عن عمل لتأمين مستقبلهم من وجهة نظر اجتماعية قاصرة.. وليس أمامهم سوى الانخراط في الحرب المفتوحة التي تغذيها أموال العدوان الخارجي بقيادة المملكة.. ولعل هذا هو البعد الخطير حيث فرص عمل معدومة في ظل الحرب والعدوان، وظروف معيشية صعبة، وعدوان لا هم له ولأمواله سوى إثارة الفتنة والحرب والاقتتال بين اليمنيين الذين وجد معظمهم الحرب فرصة عمل، وارتزاق دون الأخذ بالاعتبار قيم المجتمع اليمني المتعايشة مذاهبه وأطيافه الدينية والسياسية عبر التاريخ..
كما تتحدث معلومات أخرى عن ترك بعض المعلمين لمدارسهم لفترات طويلة والبعض الآخر يتغيب بشكل متقطع ووصل الحال بالكثير من المدارس إلى أن الحصص اليومية التي يحصل عليها الطلاب يوميا لا تتجاوز الأربع الحصص في الغالب.. وهذا الأمر يتطلب من وزارة التربية والتعليم إعادة النظر في آلية الرقابة على المدارس بما يضمن استمرار العملية التعليمية للإسهام في قطع طريق استقطاب النشء والشباب على قوى التطرف والعدوان..