للسعودية الجزيرتان.. ولنا السيسي
محمد السيد الطناوي
مبارك للسعودية جزيرتي “تيران وصنافير” المصريتان بحكم التاريخ والجغرافيا والدم. تهنئة مبرأة من كل غضب أو حقد. فلا لوم ولا عتاب على دولة تراعي مصالح شعبها، وتستخدم كل أداة في يدها للحصول على ما تعتقده حقا لها، أما الملامة فعلى من باع التاريخ قبل الجغرافيا، والعرض قبل الأرض، وتلاعب بالبوصلة الوطنية، فأضحت الخيانة، كما تنبأ لها ناجي العلي، وجهة نظر!
لا فائدة من الجدال الدائر حول جنسية الجزيرتين، فالبائع والمشتري عقدا الصفقة، بعد أن اتفقا بليل على جميع تفاصيلها، ليحمل لنا صباحاً أغبر الخبر المشؤوم! لا فائدة من صراخ أمثال المستشارة هايدي فاروق خبيرة ترسيم الحدود الدولية بأن خرائط المنطقة منذ القرن الثاني الميلادي تقول بمصرية الجزيرتين (خريطة بوتنجر ٢٠٠ م – خريطة ألبي – خريطة مهندسو الحملة الفرنسية – خريطة بعثة بالمر ١٨٦١م- خريطة جوهانس ١٨٨٧م- خريطة مودن ١٩٠٤م- خريطة فرساي – خريطة بيتري)، وبأن التاريخ يقول بمصرية الجزيرتين (وثيقة رئيس قلم التاريخ في وزارة الحربية المصرية عودة شقير ١٩٠٢م – إنشاء الحكومة المصرية فنارة للسفن ١٩٠٨م بجزيرة صنافير – ١٤ مضبطة من مضابط الأمم المتحدة منذ عام ١٩٥٦م تثبت السيادة المصرية على الجزيرتين) وبأن الدم المسفوك يقول بمصرية الجزيرتين.
الصفقة ستمر، فلن تكون تيران وصنافير أغلى من عقولنا التي بعناها يوم باركنا وهللنا أو صمتنا وأغضينا الطرف عن “اختراع الكفتة”، ويوم روج مثقفونا وساستنا لقدرات ومواهب رجل ظن أن بالإمكان وضع مادة بالدستور تتيح له العودة لمنصبه كوزير للدفاع إذا ما فشل في سباق الرئاسة!، وبعض الظن سفه وبلاهة!
لن تكون تيران وصنافير أغلى من عِرضنا الذي هتكه قانون الزند بتقنينه الزواج السياحي بعد رفع تسعيرته إلى ٥٠ ألف جنيه، ليُمرر القانون ويستمر بيع نساءنا بموجبه إلى اليوم!
لن تكون الجزيرتان أغلى من ديننا بعد أن تواترت أخبارٌ على بيعه، ليس أولها استئذان شيخ الأزهر السعودية قبل عقده لقاء للتقريب بين المذاهب، ولن يكون آخرها المنحة الوهابية المقدمة إلى الأزهر!. وسبحان من يغير ولا يتغير! الشيخ الطيب الذي يوم عرفنا باسمه لأول مرة رئيسا لجامعة الأزهر يحادثنا أن مهمته الأولى مواجهة الأفكار السلفية الوهابية داخل الجامعة يفتح اليوم أبوابها على مصراعيها لـ”خوارج العصر” والتعبير للشيخ، لمن لم تسعفه الذاكرة، يصف به السلفيين!.
بيع الجزيرتين أهون من بيوع قمنا بها وسكتنا عنها لتُهدر كل قيمة إنسانية ووطنية على هذه الأرض التي لم يعد عليها ما يستحق الحياة، لذلك ستتم الصفقة، ولن يلتفت البائع لصيحات غاضبة تُطلق في فراغ فضائي أو حيز افتراضي. لن تردعه أحاديث الخبراء عن وثائق التاريخ وخرائط الجغرافيا ومنطق الأمن القومي!، فالمنطق الغالب اليوم هو منطق العصابة الإجرامية التي لا تعبأ بدستور، ولا تقر بقانون، ولا تأبه للناس، ولا تزن الشرف والكرامة الوطنيين بمقدار خردلة، فالمال وحده لديها هو القيمة!
لذا فـأي كلام عن الدولة أو الدستور أو القانون هو كلام مضلل وإن عارض أصحابه النظام القائم وهاجموا سياساته ورفضوا بيوعاته، فمنطق العصابة المتواترة براهينه، بدءا من “اختراع الكفتة”، مرورا بمئات من جرائم التعذيب والقتل خارج القانون والإخفاء القسري سنويا، وصولا لتفصيل الأمن مجلس النواب على مقاس النظام، انتهاء بحوادث انتهاك الدستور المتكررة وآخرها عزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات؛ كل هذه الشواهد وغيرها كثير تصل بنا إلى نتيجة وحيدة أننا بصدد عصابة إجرامية تحكم البلاد، ليكون التعامل معها على هذا الأساس، لكن النخبة المضللة والآثمة لا تتعامل إلا بالقطعة، لتتجنب مغارم نتيجة كهذه! تصر على أكل البيض الفاسد حتى آخر بيضة في السلة، مع أن واحدة تكفي، كما نبهنا فيكتور هوجو!
ما دامت تلك العصابة متسلطة على البلاد والعباد، فأي حديث يساق في هذا الوطن الملعون بلعنة الاستبداد الأبدية؛ عن شرف أو عِرض أو عقل أو دين، هو من قبيل الهزل الممجوج، فقد تنازلنا عن كل قيمة قبل أن تتنازل العصابة الحاكمة عن الأرض! مبارك للسعودية الجزيرتان ثانيةً، أما نحن فلنا السيسي عقاب مستحق على ضلالنا وخيانة نخبتنا، ولنا قاع القاع، بعد الحفر به على الناشف، مستقر عما قريب!
كاتب صحفي مصري نقلاً عن “ البديل”