العدوان على اليمن.. الأبعادوالتداعيات.. (3)
عبدالله عبدالرحمن الكبسي
وهكذا تكون الموءامرة السعوصهيوأمريكية قد استكملت قوامها الشكلي بإيواء المنبوذ المستقبل هادي وأخذت وقتها ومداها الكافيين إعداداً وترتيباً لشن عدوانها الهمجي المستمر على اليمن الأبي الصامد حتى اليوم واللحظة.
وهكذا أيضا وعلى قاعدة رب ضارة نافعة وإن في أدنى الحدود وأدقها تجليا واعتباراً لمن يريد أن يفهم أو يدرك ولو بحاسة سادسة أو سابعة فإن هذا العدوان المبيت بكيفياته الجنونية وتداعياته المرعبة وتمخضاتها الفاضحة المذهلة قد أوقف المستبصرين جميعا في أنحاء العالمين العربي والإسلامي على ما لا يكاد يأتي عليه الحصر ولا كان ليخطر على بال أحد أو ينتظمه حسبانه من حقائق هذا العدوان ومعاني تمخضاته الرهيبة بحق والمفيدة حتما لجهة الوعي الضروري بواقع الأمة المأساوي وما يكتنف قابلها القريب والبعيد من تحديات ومخاطر لا يمكن الاستهانة بها بل لا مجال بالمطلق للتغافل عن تأثيراتها الماحقة في ظل حقائق العدوان وتجلياته الكاشفة على شتى المستويات الملحوظة لأبعاد هذه المعطيات وتعلقاتها يمنيا وعربيا وإسلاميا وكما يلي:
أولاً: على المستوى المحلي.
1 – لا يكاد يشك عاقل من أبناء أمة الصلاة العارفين بحقائق العلاقة اليمنية السعودية وتطوراتها التاريخية المختلفة بأن هذا العدوان الوحشي في بُعده السعودي الوهابي إنما انطلق وينطلق في فلسفته القريبة ومغزاه المباشر من آفة الكبر وعقدة الاستعلاء والغرور اللتين طبعتا علاقة نظام آل سعود باليمن وميزت نظرته الفوقية وسلوكه العنجهي المتغطرس نحو أبنائه فضلا عن عقيدة تكفيرية وهابية يستدعيها وقت يشاء وكيف يشاء ضمنا أو صراحة مباشرة أو بالواسطة لتبرير تدخلاته في شؤون الآخرين وإشعال الفتن والحرائق في ساحاتهم القريبة والبعيدة على سواء.
على أن ما زاد الأمر سوءاً وزاد النظرة حقداً وعدائية هو أن شعبنا الكادح الفقير في اليمن الذي طالما استهان به آل سعود واعتبروه خلفا مفتوحاً لممارسة مأثورهم الإعرابي الغريب أو لنقل بعبارة أدق وأكثر دلالة على واقع حالهم وطبيعة تفكيرهم المتخلف: سياستهم الغبية في الاحتواء والسيطرة العميقة على اليمن وضبط مسارات النماء والتقدم في ربوعه وفق ملحوظهم المغرض ومزاجهم الحاقد الحسود أكان ذلك من خلال الإقلاق الأمني والتخريب الاقتصادي عبر الأدوات المأجورة من المرتزقة وشذاذ الآفاق أم عن طريق التآمر اللئيم مع الآخرين للحيلولة دون تمكن اليمن من الكشف عن ثرواته المخزونة والإفادة منها ضمانا لإبقائه في دائرة التبعية والإرتهان.
نقول وبالعودة إلى سياق الاستثناء في مستهل هذه الفقرة من سياق الكلام .. إن مما زاد الأمر سوءاً والنظرة حقداً وعدائية، هو أن هذا الشعب اليمني العظيم والمدهش قد فاجأ آل سعود وحلفاءهم من الأمريكان والصهاينة، كما من أشكالهم القميئة بصموده المذهل في وجه العدوان الغاشم، ومرغ كبرياءه المقيت بتصديه الجسور وعلو كعبه في ميادين النزال والمواجهة كما بتحمله الأسطوري وتلاحم قبائله الصناديد الشرفاء مع جيشهم ولجانهم الشعبية، وتحملهم جميعاً لظروف الحصار المطبق المصاحب للعدوان وبشراسة لا نظير لها طيلة ما يقارب من عام كامل حتى يومنا هذا.
الأمر الذي أربك حسابات العدوان وقلب مخططات أربابه رأساً على عقب ولا سيما مملكة – قرن الشيطان – ورموزها العابثين من آل سعود الذين تساقطت أوراقهم تباعاً، وتضاعف مأزقهم في اليمن وعلى النحو الذي أفقدهم التوازن والمقدرة على التصور المنضبط لمئالات عدوانهم المهزوم وكلفته الباهضة جداً في شتى مقامات الحساب والمراجعة.
ما ألجأهم حينئذ، وأقول: ألجأهم إخباراً بحقيقة نفسياتهم المريضة واستبطاناً مبرراً لتفكيرهم المأزوم والمتفلت من كل قيمة مرعية، أو خلق مأثور، إلى الإقدام الأرعن، وفي خطوة لا سابقة لها في تاريخ الحروب، اللهم إلا ما كان من جرائم، الصرب والصهاينة، ونيران الأمريكان الصديقة حديثاً والتتار المتوحشين قديماً آنذاك.
الإقدام: على استهداف – التجمعات السكانية المدنية كالأسواق التجارية، وتجمعات العزاء والأفراح وحتى مواكب الجنائز والمسافرين في الطرقات والزراع في حقولهم – وقصفهم جميعاً بأشد أنواع الأسلحة فتكاً وإبادة وتدميراً، بما فيها تلك التي يقال عنها – محرمة دولياً – (6) وهم في كل هذا الخبث والاستهتار إنما يعبرون عن فشل رهاناتهم العدوانية، وإفلاسهم الأكيد – إنسانياً وأخلاقياً – وسقوطهم المدوي في مقام السمة والاعتبار.
بيد أن السؤال الذي ينبغي بل يتحتم طرحه من قبلنا الآن هو : هذا العدوان إلى أين، وهل من مدى محدد له.
قبل الدخول في صلب المحاولة بغية التوصل إلى إجابة السؤال واستجماع حيثياتها المنطقية من حقائق المقاربة وطبيعة معطياتها الهادية، ربما كان من المفيد والمناسب لسياقه أن نقرر هنا أمرين اثنين.
الأول: أن السؤال بصيغته المعبأة بدواعي الإثارة والاستلفات يُلمح إلى واقع عجز – الأمم المتحدة – عن النهوض بمسؤوليتها المفترضة في العمل على وقف العدوان ناهيك بإدانته وتجريمه، ويشي لنا في الوقت نفسه بعدم التعويل على هذه المنظمة المرتهنة والتعلق بحبالها المتهتكة تماماً، ولا سيما في ظل النفاق الدولي المستحكم إزاء هذه القضية، وبالشكل الذي يبعث على السخرية والاشمئزاز من قيم أربابه المدلسة ومفاهيمهم الكاذبة والمضللة عن نهوضهم بمسؤولية حماية الأمن والسلم الدوليين، وبخاصة إذا ما تذكرنا الآن بأن هؤلاء المستكبرين هم أنفسهم من أسس لمؤامرة – العدوان على اليمن – وعضد استحكاماتها الهمجية واللاأخلاقية سلفاً، وذلك عبر قرار مجلس الخوف والإرهاب الدولي الاستكباري رقم.
الثاني: أن السؤال إياه .. وهو يستمد حيثيته الموضوعية وأحقيته في الطرح والمناقشة من تبرجات عشرة أشهر متوالية من عمر العدوان الوحشي المتعاظم على اليمن بإلهاماتها المفيدة لجهة تبين مواقف المنخرطين فيه واستشفاف اتجاهاته المقبلة في ظل فشل الكثير من خيارات المعتدين وانعكاس أثر الفشل المتكرر عليهم مزيداً من الحمق والرعونة والاستكلاب.
أقول: إن السؤال إياه حقيقي تماماً من واقع هذه الخلفية الأولية أن يستلفتنا جيداً وبشدة إلى طبيعة ملحوظة الخطير الذي ينبغي أن يحملنا على أخذ الأهبة التامة إزاء التطورات المحتملة ومراجعة خياراتنا في المواجهة، بل تطويرها، هدفاً وغاية، ووسيلة وبذلاً واحتشاداً، وعلى كافة المستويات والصعد الملحوظة والمطلوبة لرص الصفوف وسد الثغرات في دفاعنا المقدس الشريف.
وهكذا وبعد هذه الفذلكة التي ربما تكون قد طالبت – قليلاً أو كثيراً – نكون قد وصلنا إلى بيت القصد من محاولتنا إجابة السؤال المهم ..وإحاطتها بمزيد من الإضاءات الكاشفة والمفيدة، إن شاء الله تعالى فنقول ومن الله التوفيق.
لا مراء بأن نظام – آل سعود – المجرم، وقد تسلح بشتى وسائل التدمير والإبادة سلفاً قد شن عدوانه الهمجي على اليمن معتداً بعتاده، واثقاً كل الثقة بمقدرته على حسم حربه والوصول عبرها إلى مبتغاه في بضع أسابيع وبالبناء على أقل مستفاد العبارة (بضع) ثلاثة إلى أربعة أو خمسة أسابيع في أكثر الاحتمالات تمادياً.
إلا أن صدمته العنيفة بصمود أبناء اليمن وقدرتهم المدهشة على امتصاص عدوانه والانتقال المفاجئ بعد أربعين يوماً – من العدوان – إلى الرد الفاعل والمتدرج صعوداً إلى حد الإمساك بالمبادرة غالباً، وتسديد الضربات الموجعة، لعديده وعتاده، في مختلف ميادين النزال والمواجهة، قد طوَّح بالغا بأحلامه الغبية، وأفقده المقدرة على التركيز والاحتفاظ بشيء من التوازن الذهني والنفسي من شأنه أن يمنحه الفرصة لتدبر عواقبه الوخيمة في هذه المغامرة المشؤومة والخروج من ورطته المتعاظمة بإطراد لا يحسد عليه.
الأمر الذي ضاعف من مأزق هذا النظام المجرم وقلص خياراته المريحة بالغا وإلى الحد الذي لم يجد معه بدا من المضي قدماً في مواصلة عدوانه الهمجي، وتصعيد وتائره الثأرية، مداراة لكبريائه المشروخ، ونزعته الاستعلائية المتغطرسة، وعقليته المتصحرة، ولا سيما إذا عرفنا بأنه – أي نظام آل سعود – عندما قرر شن عدوانه على اليمن كان يضع في حسبانه البليد، وتصوراته المريضة وبالإضافة إلى فرض الهيمنة على اليمن وإرغامه على العودة إلى حضن الشقيقة الكبرى، والدوران في فلكها الأمريكي، أبعاداً ثلاثة على غاية من الأهمية والاعتبار لملحوظ السياسة السعودية المتعجرفة وتوخياتها الهيمنية المعروفة .. وهي؟
البعد الأول: توجيه رسالة – حازمة – اشتقاقاً من عاصفتهم البائسة، إلى جمهورية إيران الإسلامية، مكتوبة، كما أراد بدماء أطفال اليمن ونساء اليمن وشيوخ اليمن وشباب اليمن وحتى أنعام اليمن وأشجار اليمن وكلما سال وتماهى، أو تطاير جُرمه وعلا غبارة من جبال اليمن ومنتوج أرضه وعمرانه.
البعد الثاني: إرهاب جيرانهم من مشيخات الخليج ودويلاته التي ما انفك – آل سعود – ينظرون إليها باعتبارها مجالاً حيوياً ذا طابع مركب، أمني، وسياسي واقتصادي، لطموحاتهم التوسعية ونهمهم الذي لا يقف عند حد، أو في أقل تقدير ترسيخ هيمنتهم عليها كمرجعية ضرورية شاملة، وإن بصيغة أبوية، وإدلال أخوي.
البند الثالث: توجيه رسالة تحذيرية – مبطنة كصريحة – للشعب العربي المقموع في نجد والحجاز، كما في الأقاليم اليمنية المحتلة، المتطلع دوماً إلى امتلاك آدميته والانعتاق من هيمنة الأسرة الحاكمة التي صادرت هويته واستبدت بخيراته ومقدراته الواسعة، وبخاصة أبناء المناطق الشرقية المحرومين بالمزيد على ذلك من حقوق المواطنة المتساوية وإن من المستوى التالي لدرجة الامتياز – شعبياً – ليس إلا.
وهكذا فإننا إذا ما علمنا بأن نظام – بني سعود – وهو ينظر عبر عدوانه على اليمن إلى هذه الأبعاد جميعها فلا يرى بحمد الله إلا فشله الذريع وخيبته المدوية، يتأكد لناوعلى نحو لا لبس فيه بأنه قد قرر مواصلة عدوانه وسيعمل في الأرجح على استجلاب وسائل أخرى من أي نوع وبأي ثمن (7) علَّه أن يحدث تغييراً ما في المجريات، أو يحصل على بعض المكاسب التي يبدو في أمس الحاجة إليها، إنقاذاً لهيبته المتصدعة وكبريائه المتهتك باستمرار.
مشيرين هنا وفيما لا يسعنا إغفاله، إلى أننا ونحن نواجه هذا العدوان اللئيم في ظل تواطؤ عربي وامبريالي، وصمت أممي مخزٍ عن عدوانه وجرائمه، فإنه لا شيء يمكن أن يردعه عن مضاعفة إجرامه وتوحشه، إلا المزيد من صمود شعبنا العظيم وتحمله، ورفد جبهات الجهاد والمواجهة بالمزيد المزيد من الرجال والعتاد والأموال، وأن تنفتح خياراتنا في المواجهة على شتى الأبعاد و المناحي الممكنة.
فهذا وحده مع التوكل على الله واستمداد معونته – عز وجل – هو الكفيل حتماً بردع العدوان وتحقيق الانتصار المؤزر عليه – إن شاء الله – مثلما هو وحده، قدرنا وخيارنا الذي لا خيار غيره أكرم، وأشرف، وأرضى للذي نحن بعينه وتحت رحمته وألطافه ولن يخذلنا.
6- يعجب المرء منتهى العجب وإلى حد السخرية والإشمئزاز للأساليب الحقيرة والاستهتار اللأخلاقي اللامحدود اللذين يتعامل بها إزاءنا عالم الاستكبار الذي يدعي بل يتبجح كذبا وزوراً برقي حضارته الملغومة بروح الحقد والكراهية للغير ولعل أقرب الأمثلة من معطيات اللحظة الراهنة بتفاعلاتها الصارخة في سياسة حكومة المملكة المتحدة أنها في الوقت الذي تمد مملكة الشر والعدوان الوهابية بالأسلحة المحرمة دوليا لاستخدامها المؤكد بالتقارير الأممية المختصة وغيرها في العدوان الجاري على المدن والقرى اليمنية يأتي ناطقهم الخبيث والمنافق ليقول: بأن حكومته الصهيونية تمارس رقابة صارمة على طريقة استخدام تلكم الأسلحة المحرمة إياها وإذن: فما علينا إلا أن نموت راضين مغتبطين لجنابهم ماداموا يقومون بواجبهم في مراقبة قتلنا بتلك الأسلحة ولا عزاء للفقراء والمستضعفين كما لا عزاء أيضا للجبناء والمتخاذلين.
7- كان الحدس صادقاً وفي محله، فقد كُتبت هذه التوقعات – قبل استقدام آل سعود – لمرتزقة الحروب، من بلاك ووتر، وجنجويد البشير لا بشره الله.