“أوراق بنما” التي كشفت مستور المليارات المهربة!!

عبدالباري عطوان
لا نستغرب وجود اسماء العديد من زعماء ورؤساء وزارات، ومسؤولين في دول عربية في “فضيحة” ما يطلق عليه “اوراق بنما” التي كشفت عن عمليات تبيض اموال وتهرب ضريبي، وانشاء شركات وهمية، فهؤلاء باتوا يملكون الارض وما عليها في بلداننا، ويتحكمون في ثروات البلاد والعباد، ونسأل بسذاجة مقصودة، لماذا كل هذا الجشع، ولماذا كل هذه المليارات؟ وهل سيأخذونها معهم الى قبورهم؟ ألا يحسون بمعاناة شعوبهم، وبعضها يعيش تحت خطوط الفقر والحرمان؟
الاثرياء في العالم الذين جمعوا عشرات المليارات، وبطرق مشروعة، مثل بيل غيتس (مايكروسوفت)، الذي تقدر ثروته بـ 79 مليار دولار، او وارن بافيت، صاحب شركات استثمارات عملاقة، الذي تبلغ ثروته حوالي 40 مليارا، وهبوا الغالبية الساحقة من ملياراتهم لمؤسسات خيرية، وسخروا ما تبقى من حياتهم لإقامة مشاريع لمساعدة الفقراء المعدمين في العالم، وينفق غيتس اربعة مليارات دولار سنويا من ثروته من خلال مؤسسته الخيرية في آسيا وافريقيا، ويشرف عليها وزوجته شخصيا.

***

زعاماتنا نحن، او معظمها، لا تكتفي بالفساد ومراكمة المليارات في بنوك خارجية (لماذا ليس في بنوك دولها)، وشراء العقارات الضخمة، واليخوت الفارهة، بل توظف بعضها هذه الأموال في أعمال القتل والدمار، والتدمير، والتفتيت، وتهجير الملايين.
نفهم أن تلجأ دول محاصرة “منبوذة” مثل كوريا الشمالية لفتح حسابات سرية (اوف شور) للالتفاف على الحصار الأمريكي لتمويل برامجها النووية، ولكن لماذا تفعل الشيء نفسه قيادات عربية، وفي دول ليس فيها ضرائب أصلا حتى تتهرب منها، ولا تحتاج إلى غسيل أموال، فالبنوك بنوكها، والمطارات تحت تصرفها، والطائرات الخاصة المحصنة من أي تفتيش وسيلتها للتنقل بين العواصم والمنتجعات، فلماذا هذه الإجراءات الالتفافية والطرق الملتوية؟
لا نعرف لماذا يتم الكشف عن هذه الوثائق والاوراق الآن، التي لاحظنا أن أسماء عديدة لامريكيين واسرائيليين غابت عنها، وكيف تمت عملية التسريب، ولأي هدف، ولكن شكوكنا هذه لا تعني اننا لسنا معها، وكشف أسرارها، حتى تعرف الشعوب المسحوقة حقيقة زعاماتها وثرواتهم وطرقهم الملتوية في نهب المال العام.
دول عدة في الشرق والغرب فتحت تحقيقات رسمية حول ما تضمنته هذه الوثائق (11 مليون وثيقة) من تجاوزات، وتورط مسؤولين ومشاهير ورياضيين، ورجال أعمال وشركات فيها، ونجزم بأنه لن تكون هناك اي من الدول العربية من ضمنها، مع بعض الاستثناءات (تونس).
فمعظم الدول العربية، ان لم يكن كلها، لا تعرف شيئاً اسمه التحقيقات القانونية، وان اجرتها فمن اجل تجريم معارضيها، اما حلفاؤها، او واجهاتها الاستثمارية التي يتخفون خلفها، فهؤلاء محصنون من أية ملاحقة، فالقضاء المستقل العادل، مثل “الغول والعنقاء والخل الوفي” لا وجود له إلا في الخرافات، واحاديث الامهات لاطفالهن قبل النوم.

***

رحم الله القادة العظام في هذه الأمة، مثل الرئيس الجزائري هواري بومدين الذي لم يجدوا في حسابه البنكي بعد موته إلا اقل من مائة دولار، وكان يمنع على زوجته الطبخ في منزله التابع للجيش، ويصر على الوجبات الرسمية العسكرية مثله مثل الجنود الآخرين، أو الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي مات ولم يترك بيتا لاولاده، أو الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة الذي مات فقيرا معدما ولا ننسى في هذه العجالة الزعيم عبدالكريم قاسم الذي عاش ومات متقشفا في غرفة صغيرة في وزارة الدفاع وكذلك الرئيس صدام حسين الذي لم يجدوا له حسابا مصرفيا واحدا بعد موته، علنيا او سريا، وكل قصوره ذهبت إلى الدولة، أو حتى العقيد الليبي معمر القذافي الذي لم يترك إلا خيمة بالقرب من مقره في ثكنة العزيزية العسكرية، وترك مائتي مليار دولار استثمارات خارجية باسم الدولة، الشيء نفسه يقال عن الراحل الشهيد ياسر عرفات الذي لم يترك إلا كوفيته ومسدسه وبدلته العسكرية، مع تسليمنا بأن أنظمة حكمهم لم تكن ديمقراطية على الإطلاق.
فوائد “أوراق بنما” عديدة مثل نظيرتها “الويكيليكس″، وأبرزها أن الغرب وشركاته ومصارفه لم تعد ملاذا آمنا للمليارات المهربة، وان الحليف الأمريكي الذي غالبا ما يقف خلف هذه التسريبات، بشكل مباشر أو غير مباشر، لا يمكن الوثوق به، ولا يحفظ سرا، وان حفظه فللوقت المناسب، وحتى التسريب القادم دمتم.

قد يعجبك ايضا