تحقيق/ رجاء عاطف
رغم الظروف الصعبة وقساوة العدوان السعودي على اليمن ..وتزايد أعداد النازحين والفقراء ..بزغت وسط هذه الظروف .. أروع وأنصع صور التعاضد والتكافل الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد والذي استطاع عبر مبادرات ذاتية أو جماعية أو عبر منظمات أن يشعل نور الأمل والتفاؤل لمحاولة كسر شوكة المعاناة وذلك من خلال مد يد العون وتقديم المساعدات بأنواعها المختلفة لمن يحتاجها من أبناء المجتمع بمبادرات تطوعية ترجمت الرغبة في التلاحم وشد الأواصر مع مجتمعهم وإظهار روح التكافل المغروسة بالأصل في النفوس ..وهنا نستعرض صورا حية من ملامح ذلك التكافل الاجتماعي الذي عكس نجدة وتعاون اليمنيين في الملمات..وخلال عام كامل من عدوان غاشم لم يشهد له التاريخ مثيلاً.
تعتبر المبادرة المجتمعية النموذج الحقيقي في المساهمة الفاعلة لمنظمات المجتمع المدني في نقل الصورة الجيدة والجميلة عن مدى تكافل المجتمعات المحلية اليمنية واهتمامهم بمد يد العون ، وقد فرضت الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بلادنا هذه الأيام والأعباء المادية التي أثقلت كاهل المواطنين في ظل الحرب وغلاء المعيشة زيادة مظاهر التعاون الاجتماعي والتخفيف من معاناة الشرائح الضعيفة في المجتمع وخاصة النازحين والفقراء في كثير من المناطق والمحافظات.
وسائل جديدة للتكافل
منذ الوهلة الأولى للعدوان انطلقت العديد من المبادرات والفعاليات الاجتماعية التي سعت إلى تعزيز التكافل الاجتماعي والعمل على تنفيذ عدة مشاريع تطوعية انبثقت من الشعور بالمسؤولية تجاه هذا الوطن والمجتمع والتي تعبر عن تضامن اليمنيين فيما بينهم لمواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة والقاسية حيث برزت بين الناس أروع الأمثلة للتغلب على المعاناة عبر أيادي بيضاء..
يقول علي الفقيه – وهو أحد الساكنين في منطقة السنينة بصنعاء : عندما ارتفعت أسعار وايتات المياه الخاصة بشكل جنوني وانقطع إمداد المياه الحكومي قام فاعلو خير بعمل خزانات السبيل في الحارات وبعض المناطق السكنية وتعبئتها يوميا حتى يتسنى لمن لا قدرة له على تكاليف الشراء بالتعبئة من تلك الخزانات.
مؤكدا استمرار الأيادي البيضاء في تقديم الدعم والعون للمواطنين المحتاجين.
وفي صورة أخرى من المعاناة قالت ندى الصباحي وهي إحدى الساكنات في منطقة الجرداء بصنعاء انه مع ارتفاع أسعار مادة الغاز المنزلي وانعدامها قامت بعض النساء من فاعلات الخير بتقديم المساعدة بشراء تنور حطب ليكون سبيلا لنساء الحارة لتعلم وصناعة الخبز عليه حيث استطعن التغلب على مشكلة الغاز والمعاناة بهذا العمل التكافلي في أحلك الظروف.
قوافل إغاثة
وعلى الجانب الأهم هناك أمثلة رائعة قام بها قطاع كبير من المجتمع في القرى أو المدن باستضافة أسر نازحة ومتضررة جراء القصف والحرب في المدن التي تقع على خط النار إلى منازلهم لإغاثتهم وتقاسم اللقمة والغطاء والفرش معهم.
وحسب فاطمة الأسود – معلمة في منطقة خولان : “نعمل على جمع تبرعات نقدية عبر قوافل إغاثية خيرية ندعمها نحن والكثير من الأسر في القرى والمدن الأخرى وهذا ما نستطيع عمله كمواطنين لعون أخواننا المتضررين والمحتاجين..دونما التفات للحزبية والمذهبية التي غابت في هكذا ظروف.
في السياق تحدثت إنجيلا أبو أصبع – رئيس مبادرة “معا لنحيا” الإغاثية بالقول: التكافل الاجتماعي تواجد وبكثرة بسبب الظروف والحرب القاهرة على بلادنا والحصار المميت برا وبحرا وجوا والذي أدى إلى وجود أكثر من ٢٢ مليون يمني تحت خط الفقر.
وتتحدث أبو أصبع بلغة الأرقام وتقول :هناك ١٦ ألف منظمة في اليمن إلا أنها لم تعمل خلال سنة الحرب ولكن ظهرت مبادرات ومؤسسات جديدة وبدأت مساعدة الناس في كثير من المناطق والمحافظات.
وأضافت: في الواقع لمسنا التكافل الاجتماعي بين الناس في الحارات وأماكن كثيرة وهي صفة أصيلة في اليمنيين لكنها زادت خلال هذه الحرب.
واجب إنساني
وأشارت أبو أصبع إلى أن منتدى أكاديميات جامعة صنعاء أطلق مبادرته الإغاثية ( معا لنحيا ) في مطلع شهر مايو 2015م لمد يد العون للمحتاجين والمتضررين من الحرب والنازحين من المناطق والمحافظات الأكثر خطراً وتضرراً ، وجعلها على مراحل.
وقالت: تمكن المنتدى من تنفيذ خمس مراحل من المبادرة وذلك بمساعدة أكثر من ١١ ألف فرد سواء داخل محافظة ﺻﻨﻌﺎء وأيضاً في ٨ محافظات يمنية فيها نزوح كثير.
ولفتت إلى صعوبات وعراقيل كبيرة أثناء المسح والتوزيع بسبب القصف وشحة الموارد المالية لكنها تؤكد نجاح مبادرتها في تقديم المساعدات والتكافل سواء بأدوية أو سلال غذائية ومساعدات عينية وكسوة أعياد ونظافة وغيرها.
ونوهت رئيس” مبادرة معا لنحيا” بأن هناك منازل وأسراً عفيفة كانت قبل العدوان نوعا ما تغطي احتياجاتها داخل المنزل والآن أنقطع عنها سبل الرزق و لا نعلم كيف حالهم اليوم ويجب النظر إليهم والتعاون معهم.
مؤكدة وجود نقص ملحوظ في أعمال الاستجابة الإنسانية ولولا مظاهر التكافل الاجتماعي بين الناس لظهرت مجاعات وكوارث إنسانية.
ومن جانبه يقول عبدالله العلفي ـ منسق الدراسات والتدريب في مركز منارات :لقد شكل الحصار الذي فرضته السعودية وتحالفها على الواردات التجارية لليمن بالإضافة إلى استهداف الموانئ والمطارات، عاملا رئيسا لتفاقم العبء الإنساني، وتناقص الغذاء والدواء والوقود إلى مستويات متدنية وخطرة.
وأستند خلال حديثه إلى تقرير صادر عن الأمم المتحددة يتحدث عن “ازدياد عدد المواطنين المحتاجين للمساعدات الإنسانية في اليمن الذي وصل إلى 33% من عدد السكان منذ مارس 2015م إذ ارتفع العدد من 15,9 مليون إلى21,1 مليون شخصًا ، ويعني هذا أن80% من الشعب اليمني يحتاج إلى المساعدة الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية والمتمثلة في الغذاء والماء والرعاية الصحية والمأوى والإمدادات الأساسية الأخرى.
واستطرد :بالإضافة إلى حماية حقوقهم الأساسية وهذه الأرقام تزداد كل يوم بزيادة حدة العنف واستمرار العدوان على اليمن.
وإزاء ذلك وصفت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية الوضع الإنساني في اليمن (بالكارثي) ودعت المجتمع الدولي للقيام بواجبه في تقديم المساعدات الضرورية من أجل حماية اليمنيين وتخفيف معاناتهم..
وأشار العلفي إلى أنه على الصعيد الوطني استنفر اليمنيون من مختلف فئات وشرائح المجتمع لمواجهة هذا الوضع المتردي، وبرزت قضية الإغاثة الإنسانية كهم وطني إنساني يتصدر الهموم اليمنية الأخرى، وتأسست في سبيلها العديد من الجمعيات والمؤسسات والمبادرات الشبابية الطوعية والتكافل المجتمعي للمشاركة في أعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية سواء بالشراكة مع المنظمات الدولية أو بالاعتماد على المساعدات والتبرعات الوطنية.
وقال : برز دور رجال المال والأعمال في هذه المرحلة بشكل جلي وواضح من خلال دعمهم النقدي والعيني لبرامج ومشاريع الإغاثة الوطنية، كما تجلى دور الشباب من خلال مبادراتهم الطوعية في الأعمال الميدانية الرامية إلى تخفيف معاناة النازحين والمتضررين.
مساعدات وفقاً للاحتياجات
وطبقا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” ، فانه رغم الصعوبات تمكنت المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المحتاجين خلال العام 2015م ، ورفعت الوكالات الإنسانية تواجدها في اليمن وساعدت ملايين من المحتاجين في 21 من المحافظات المتضررة من العدوان وجزيرة سقطرى.
ففي الفترة من مارس إلى ديسمبر تلقى حوالي 8.8 مليون شخص من النساء والأطفال والرجال على شكل من أشكال المساعدة الإنسانية على الأقل، بما في ذلك المناطق التي تشهد صراعا متزايدا مثل محافظة تعز وتم توزيع المساعدات في جميع أنحاء البلاد وفقا للاحتياجات المحددة في مراجعة خطة الاحتياجات الإنسانية للعام 2015م.
وبالتالي اُعتبرت محافظات عدن والضالع والحديدة وأمانة العاصمة وحجة وإب
وصعدة وتعز المحافظات الأكثر وصولا للأشخاص المحتاجين كونها مثلت اكثر المحافظات احتياجاً للمساعدات، وبالمثل وصلت المجموعات القطاعية الخاصة بالمياه والصرف الصحي والصحة والأمن الغذائي والزراعة والحماية الى عدد كبير من الأشخاص المرتبطين بالاحتياجات التي جرى تحديدها.
مساعدات شهرية
وحسب التقرير ذاته فقد وصل متوسط المساعدات الشهرية الغذائية الطارئة إلى 1.6 مليون شخص شهريا من ابريل إلى ديسمبر من إجمالي 6.1مليون شخص مستهدف، وخلال العام تم علاج ما يقرب من 138,000 طفل وطفلة ممن يعانون من سوء التغذية الحاد في مراكز التغذية العلاجية، كما تم إعادة تأهيل أربعين مدرسة سجل فيها 38,000طالب وطالبة.
كما تم استهداف حوالي 190,000على الأقل من النساء الحوامل والمرضعات
بالتغذية التكميلية وتلقى أكثر من 3.7 مليون طفل مكملات غذائية، كما تم تزويد الشركات المحلية المقدمة للمياه بالوقود وهو ما مكن 3.7 مليون شخص على الأقل من الحصول على مياه صالحة للشرب، كما تسّلم حوالي 422,000 شخص أطقم النظافة الأساسية،وحصل مليون شخص على ما بين 5 و 7.5 ليتر من الماء يوميا، وتم تقديم مرافق خدمات المراحيض ودورات المياه لعدد 42,000 شخص.
تصوير/ فؤاد الحرازي