عام على العدوان : انكسار اهدافهم .. ونجاح الصمود اليمني
د. عبدالرحمن راجح
العدوان السعودي على اليمن الذي شهد ثورتين شعبيتين، وتجاذبات سياسية عديدة خلال الأعوام الأربعة الماضية جاء بعد حراك استمر قرابة الشهرين من الجهود المضنية، قادها المبعوث الدولي السابق لليمن جمال بنعمر، وكان اليمن واليمنيون قاب قوسين أو أدنى من إخراج البلاد من عنق زجاجة أزمة سياسية متفاقمة، تتيح لليمنيين تنفس الصعداء.
حيث تم الاتفاق خلال الاجتماعات والحوار في فندق موفمبيك بصنعاء حسب جمال بنعمر مبعوث الأمم المتحدة السابق إلى اليمن، على كافة ال نقاط بين القوى السياسية برعاية أممية، ليكون هذا الاتفاق متمما لاجتماع السلم والشراكة الوطنية في البلاد، وينص على الوقوف صفا واحدا بوجه الإرهاب، وتقاسم السلطة بين مختلف مكونات الشعب اليمني.
إلا أن الاتفاق تحول دخانا ضاع في سماء اليمن بفعل ضربات عاصفة الحزم السعودية، ليدخل اليمن في مرحلة حرجة وظلام دامس قتل وأصيب فيه عشرات الآلاف من اليمنيين بعد استقالة عبدربه منصور هادي وفراره إلى عدن بمساعدة أمريكية سعودية.
السعوديون الذين تدخلوا في اليمن وشنوا حربا شعواء على هذا اليمن في السادس والعشرين من آذار مارس ألفين وخمسة عشر أعلنوا عن عدد من الأهداف العسكرية لهذا التدخل الخارجي على رأسها إعادة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي إلى منصبه ومقره في العاصمة صنعاء، وتدمير الصواريخ البالستية الخاصة بالجيش اليمني بحجة أنها تهدد الأمن السعودي، وتدمير القوة العسكرية لحركة أنصار الله والقوات اليمنية وإخراجها من المدن اليمنية حسب تعبيرهم.
أهداف أكد العديد من الخبراء في قضايا الشرق الأوسط عدم صحتها خاصة وأنها جاءت بعد أن كان اليمنيون في إطار توافق سياسي في ما بينهم، مضيفين أن الاهداف السعودية المعلنة هي مجرد شعارات للتغطية على الاستهداف غير المشروع بحسب القانون الدولي للبنى التحتية والمناطق السكنية في اليمن، وارتكاب المجازر في هذا البلد.
وقدم خبراء المنطقة خريطة أجندة تشرح الأهداف الحقيقية من العدوان السعودي على اليمن ومنها تدمير البنية التحتية للبلاد عبر الضربات الجوية المركزة، وضمان عدم استطاعة اليمنيين النهوض بواقع البلاد على المدى المنظور على أقل تقدير، للتأكد من عدم حصول أي استقرار سياسي داخل اليمن، وهو ما يبدد مخاوف القيادة السعودية من وصول انعكاسات الثورة اليمنية إلى الداخل السعودي.
إضافة إلى السيطرة على الأوضاع داخل المملكة وتغيير البوصلة إلى خارج البلاد عبر خلق عدو وهمي في اليمن للتغطية على التغييرات التي رافقت وصول الملك سلمان إلى السلطة وإقصاء العديد من شخصيات الأسرة الحاكمة المؤثرة في دائرة صنع القرار السعودي.
الدور والدعم الغربي الصهيوني للعدوان السعودي
العدوان السعودي وما ارتكبه بحق المدنيين من مجازر وخراب للبنية التحتية للبلاد خلال هذا العام كان مدعوما من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية وكانت هذه الدول مشاركة في سفك دماء اليمنيين وتخريب البلاد.
حيث سعت هذه الدول إلى مساندة السعودية عسكريا وسياسيا اعتبارا من تصويب القرار الدولي 2216 في مجلس الأمن وإعطاء النظام السعودي الحق في قتل اليمنيين والاستمرار في تخريب بلدهم طوال هذه الفترة.
القوى الغربية الداعمة للسعودية على اختلاف مشاربها تناست ما كانت تنادي به من ضرورة محاربة الإرهاب والتطرف وتركت الباب مفتوحا أمام انتشار الجماعات التكفيرية والإرهابية التي نفذت العديد من العمليات الإرهابية ضد اليمنيين في مساجدهم ومنازلهم وراح ضحيتها الآلاف من اليمنيين.
العديد من المنظمات الدولية التي وثقت المجازر السعودية في اليمن أثبتت أيضا مشاركة الدول الغربية في قتل اليمنيين من خلال دعم النظام السعودي بالأسلحة، وقالت منظمات عدة إن صادرات الأسلحة إلى السعودية من أمريكا وبريطانية وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا ارتفعت لأكثر من خمسين بالمائة خلال هذا العام وقامت هذه الدول بتصدير أسلحة محرمة دولياً إلى السعودية من ضمنها القنابل العنقودية وغيرها من القنابل والصواريخ المحرمة دوليا، حيث تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية الدول الداعمة للسعودية بالأسلحة وصدرت وحدها للسعودية تجهيزات عسكرية بقيمة ثمانية مليارات و600 مليون دولار من ضمنها أسلحة رشاشة وقنابل عنقودية وهليكوبترات ومدرعات ومعلومات عسكرية؛ كما صدرت بريطانيا معدات عسكرية تصل قيمتها إلى ما يقارب الخمسة مليارات دولار تضمنت ذخائر وقنابل وقذائف وطوربيدات وصواريخ موجهة وغير موجهة.
إسبانيا هي الأخرى صدرت أنظمة مكافحة الحرائق في الطائرات وقنابل وطوربيدات وصواريخ وصلت قيمتها إلى تسعة وعشرين مليون دولار كما صدرت إيطاليا ذخائر وقطع غيار عسكرية بقيمة أربعين مليون دولار.
السعودية أيضا عقدت صفقة مع كندا للتزوّد بمعدات عسكرية بقيمة مليار دولار شملت بنادق القناصة والقذائف الصاروخية.
المانيا صدرت عتادا عسكريا بأكثر من أربعمئة مليون دولار، وشملت الصادرات الألمانية إلى السعودية الدبابات والطربيدات والذخيرة وقنابل الطائرات والاتصالات العسكرية.
هذا بينما صدرت فرنسا والجبل الأسود وأكرانيا إلى السعودية أسلحة مختلفة بما يزيد عن خمسمئة مليون دولارا.
المشاركة الأوروبية والأمريكية لم تقتصر على مساندة السعودية سياسيا وعسكريا بل شملت إفشال أي قرار حقوقي يصدر من قبل المنظمات التابعة للأمم المتحدة، حيث سعت هذه الدول إلى عرقلة أي إدانة حقوقية للسعودية في مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما عملت هذه القوى على تغييب المجازر السعودية بحق اليمنيين في الإعلام العالمي، وغاب اليمن واليمنيون عن المشهد ليتركوا فريسة سهلة لآلة القتل السعودية المدعومة بأقوى الأسلحة الغربية.
أسطورة الصمود والتلاحم اليمني في وجه العدوان
الهجمة البربرية السعودية المدعومة من الغرب قابلها اليمنيون خلال هذا العام بصمود ومقاومة منقطعة النظير، حيث استطاع اليمنيون أن يتأقلموا مع عمليات العدوان وقصفه اليومي من خلال دعمهم للجبهات العسكرية ومقاومة مرتزقة العدوان في العشرات من الجبهات القتالية، سواء في الداخل اليمني على امتداد البلاد أو على الحدود السعودية اليمنية، فالآلاف من اليمنيين انضموا إلى الجيش واللجان الشعبية ما أدى إلى تعزيز هذه القوات وزيادة عددها لتصل إلى مئات الآلاف من المقاتلين المقاومين للتدخل السعودي.
وكشفت مصادر يمنية عن أن أكثر من مليوني شخص سجلوا أسماءهم في إطار التحشيد الشعبي والنفير العام للتطوع في الالتحاق بالجيش واللجان الشعبية.
الحصار السعودي الجائر على اليمن وانعدام المشتقات النفطية والمواد الغذائية والأدوية واستهداف الطيران السعودي لكل شيء في اليمن لم يضعضع موقف اليمنيين من دعمهم للجيش واللجان الشعبية، بل صبّر اليمنيين على كل هذه الكوارث السعودية ودفعهم لتنظيم وقفات وتظاهرات شعبية شارك فيها الملايين في صنعاء وغيرها من المدن للمطالبة بوقف العدوان ومساندة للجيش واللجان الشعبية.
مئات التظاهرات شهدتها صنعاء تحت قصف الطيران السعودي وآلاف الوقفات الشعبية نفذها اليمنيون خلال هذا العام الذي أثبت همجية العدوان وطابعه الإرهابي من خلال دعمه للجماعات التكفيرية وارتكابه عشرات المجازر بحق اليمنيين في مختلف المحافظات.
القبيلة اليمنية كانت حاضرة بقوة خلال هذه الأحداث، حيث قامت القبائل اليمنية في مختلف مناطق البلاد بحشد طاقتها وتشكيل اجتماعات قبلية حاشدة قدمت من خلالها الدعم المالي الكبير للجبهات، وذلك من خلال إرسالها لآلاف القوافل الغذائية والمساعدات للمقاتلين، كما رفدت جبهات القتال بآلاف المقاتلين.
وأكدت القبائل خلال هذا العام قوتها وصمودها وتأثيرها في الساحة اليمنية رغم محاولة السعودية استمالتها وشراء ذمم بعض المشائخ .
القوى السياسية والأحزاب والمنظمات اليمنية والنقابات كانت هي الأخرى حاضرة أيضا في المشهد اليمني واستطاعت خلال هذا العام أن تقف في وجه العدوان السعودي وأن تدعم الجيش اليمني واللجان الشعبية من خلال إقامتها مؤتمرات صحفية كشفت زيف الإعلام السعودي وأظهرت مظلومية اليمن وجرائم السعودية بحق المدنيين.
الصمود والتلاحم اليمني المذكور خلال هذا العام أدى في نهاية المطاف إلى انكسار العدوان السعودي وفشله في تحقيق أي أهداف استراتيجية واضحه وأدى إلى جره إلى حرب استنزاف طويلة لن يجني منها إلا الفشل والهزيمة في آخر المطاف رغم الجراح اليمنية التي توزعت على كل بيت وقرية ومحافظة من ربوع اليمن.
* رئيس مركز تقارب للدراسات السياسية والعلاقات الدولية.