تحقيق وتصوير/عبدالباسط النوعة –
تحوي مدينة صنعاء القديمة على العديد من المعالم والمقومات الحضارية التي تشكل في مجملها ثراءٍ عظيماٍ لهذه المدينة الساحرة التي ذاع صيتها وباتت تحظى منذ سنوات عديدة باهتمام الكثير من المختصين والأكاديميين على مستوى العالم ولعل المرانع تمثل إحدى أهم مقومات هذه المدينة وقد شكلت المرانع مع المساجد والآبار – المقاشم المانع- المشكلة جميعها حلقة دائرية الشكل تبدأ داخل الحارات في صنعاء القديمة من البئر والمرنع لتنتهي في المقاشم ولعل المرانع قد تعرضت حسبما يقول المختصون لنصيبُُ وافرُ من الدمار والخراب أتى على الكثير منها والبعض الآخر لا يزال ينتظر حيث تشير الإحصائيات إلى أن عدد المرانع في صنعاء القديمة »27« مرنعاٍ.. مزيداٍ من التفاصيل في الأسطر التالية.
والمرنع عبارة عن بناء منحدر الشكل يحتوي بداخله على بئر المياه وهو مكان طويل على شكل منحدر يتيح للدابة أو الجمل أن يسحب الماء من البئر إلى الأعلى وهذا (شكل المنحدر) يجعل الحيوان الذي يسحب الماء من البئر يشعر بارتياح عند سحبه »لدلو« الماء كونه في حالة الدلو ممتلىء يسحب الحبل نزولاٍ وفي حالة طلوعه يكون البئر فارغاٍ حيث يكون البئر أعلى شيء في المرنع وهذا يدل على مدى اهتمام اليمنيين الأوائل وحرصهم على الحيوانات. ولعل المرانع تتواجد في عدد من المدن والمواطن القديمة في اليمن ولكن اشتهر تواجدها أكثر في مدينة صنعاء القديمة.
المهندسة عزيزة الصغير مدير عام المركز المعماري التابع لهيئة الحفاظ على المدن التاريخية تؤكد أن المرانع تمثل إحدى أهم العناصر لمدينة صنعاء القديمة ولكن نظراٍ لارتباطها بالآبار التي ترتبط بدورها بالمياه فقد هجرت هذه المرانع نظراٍ لاستنزاف المياه من الآبار وبالتالي لم تعد هذه المرانع تستخدم ولكنها قائمة وأضافت: اندثرت بعض المرانع وانتهت كونها لم تعد تستخدم والبعض الآخر غيرت وظيفتها مثل مرنع طلحة الذي تم ترميمه من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية وتحويله إلى معرض للمشغولات اليدوية وبقية المرانع لا زالت قائمة وإن كانت أوضاعها سيئة كذلك مرنع الحميدي جوار سوق الملح الذي أصبح يستخدم مخزناٍ لأحد التجار.
وأوضحت أن المرانع مهجورة لكنها لن تندثر لأنها جزء لا يتجزأ من مدينة صنعاء وأهالي صنعاء القديمة يدركون هذا الموضوع ولديهم الوعي الكامل بأهمية الحفاظ على هذه المرانع والاعتزاز بها ومع هذا فهي تواجه أخطاء عديدة لعل عدم الاهتمام بها وهجرها يمثل أهم المعوقات ولهذا ينبغي على الجهات المعنية سواء هيئة الحفاظ على المدن التاريخية وأمانة العاصمة إعادة النظر في هذه المرانع والسعي إلى اتخاذ كافة السبل والأساليب لإنقاذها والحيلولة دون اندثارها.
وأشارت إلى أن الحل يكمن في العمل وبسرعة على إعداد دراسات وتوثيق للمرانع توضح حالتها الراهنة وما تحتاج إليه لإعادة تأهيلها سواء بعودتها إلى وظائفها السابقة كأماكن لرفع المياه من الآبار بعد أن يتم إعادة تأهيل الآبار طبعاٍ أو القيام بترميمها واستخدامها لأعمال أخرى كما في مرنع طلحة.
وبدوره يتحدث المهندس محمد الصيادي مدير إدارة التخطيط والإحصاء عن أهم المرانع كجزء من المقومات والعناصر المعمارية لمدينة صنعاء القديمة ولهذا لا بد من إنقاذها من الوضع السيئ الذي وصلت إليه معظم المرانع التي لا زالت موجودة أو متبقية وذلك من خلال إعادة الاستفادة منها كما كانت في السابق أو بقائها كما هي إذا لم نستطع تأهيلها.
وقال: كانت المقاشم تواجه هجوماٍ شرساٍ من بعض المواطنين المجاورين لها بالزحف عليها والاقتطاع من أرضها ولهذا عملت الهيئة وبدعم من الصندوق الاجتماعي للتنمية علي حمايتها من خلال تسويرها وبذلك تم حمايتها ولهذا لا بد من الحفاظ على المرانع أيضا والبحث عن وسائل وأساليب مناسبة لحمايتها وقد تم إعداد العديد من الدراسات لبعض المرانع ولكن لم يتم الاستفادة من هذه الدراسات والعمل بها لأنها تحتاج إلى إمكانيات مادية والهيئة عجزت عن توفير تلك الإمكانيات ولكن كان عليها البحث عن مصادر تمويل سواء من الصندوق الاجتماعي للتنمية أو صندوق التراث فقد اندثرت العديد من المرانع فهل ننتظر أن تندثر البقية.
وعن اندثار بعض المرانع يوضح الصيادي أن بعض المرانع المندثرة تخربت بفعل الإهمال وعدم استخدامها بعد نزوف مياه المرانع كذلك بعض المرانع تم السطو عليها من قبل مواطنين والبناء على انقاضها..
وفي ما يتعلق بدور الهيئة في الحيلولة دون اندثار تلك المرانع يقول الصيادي: دور الهيئة ضعيف خصوصاٍ في السنوات الماضية ولم تستطع الهيئة أن تمارس مهامها كما يجب الأمر الذي انعكس سلباٍ ليس على المرانع فقط بل على مدينة صنعاء القديمة والمدن التاريخية بعموم المحافظات. وللإطلاع على المشاريع التي نفذت للحفاظ على هذه المرانع يقول المهندس طارق الحسام مدير عام المشاريع بهيئة الحفاظ على المدن التاريخية: للأسف الشديد لم تنفذ أية مشاريع على حد علمي للحفاظ على المرانع باستثناء مرنع طلحة الذي رممه الصندوق الاجتماعي للتنمية وبعض الدراسات التي أودعت أدراج المكاتب ولم يتم الاستفادة منها حتى الآن إلا أن الحالة العامة للمرانع سيئة للغاية وبحاجة إلى سرعة المعالجات قبل أن تندثر ما تبقى منها فقد اندثرت الكثير منها فمن المفترض أن المرانع مرتبطة بالمساجد وعدد المساجد في صنعاء القديمة تبلغ »48« وبالتالي ينبغي أن توجد بالمدينة »48« مرنعاٍ ولكن وفقاٍ للمسوحات التي أجربت في العام 2006م وجد أن العدد يبلغ النصف وهذا يدل على أن قرابة النصف قد اندثر حيث إن بعض الناس سطو عليها وبنوا عليها بعد أن قاموا بهدمها وأصبح ما تبقى منها ما يربوا عن25 مرنعاٍ بعضها يستخدم كمقالب للقمامات خاصة الآبار والبعض بات يستخدم كمساكن للناس وأخرى تم إحداث تشويهات معمارية أعلاها باستحداث غرفة أو غيرها وأنه لا يوجد توجه عام لإنقاذ هذه المرانع من الجهات المختصة.