عام من العاصفة
كريم الحنكي
مزاعم واختلاقات وجدت بفضل المال السعودي من يجاريها ويرتهن لها من القوى اليمنية ارتزاقاً على مستوى النخبة السياسية الموبوءة في الغالب، وتضليلاً على مستوى القاعدة الشعبية الموالية الواقعة تحت تأثير السلفية الوهابية والإخوان وبعض قوى اليسار المنخور المتحالفة معها من وجهة، ووهم الهوية الوطنية المختلفة للجنوب من وجهة أخرى. وعلى سندٍ من الدعم غير المحدود المقدَّم من القوى الغربية العظمى التي أمّنت الغطاء الدولي اللاإنساني لتحالف العدوان، تم الشروع في 26مارس 2015م بهذه الجريمة الكبرى المستمرة في حق اليمن واليمنيين والتي حرَّكتها ولا تزال حتى اليوم نوازع الأعراب من آل سعود وآل نهيان، وأوهامهم بأن حصارهم البحري والجوي الخانق وحربهم الشاملة ستتمكن من كسر هذا البلد العصيِّ وإرادة شعبه خلال أسابيع معدودة يعيدون بها فرض وصايتهم التي أهانت اليمن وأضرت بأهله وتسببت لهم في كل هذا التخلف والفقر والفساد والإفساد طوال عقود امتدادها.
بيد أن الصمود والثبات والتصعيد التدريجي في الرد على العدوان وفي مقاومته قد اثبت نجاعته المذهلة في امتصاص ضربات العاصفة بصبر بعيد المدى وبمقاومة أدهشت الدنيا باقتدارها العسكري والقتالي؛ بحيث تمكنت عملياً من إفشال العدوان عسكرياً وسياسياً وحتى إعلامياً، وإسقاط دعاواه على المستوى الوطني وكشفه أمام الداخل والخارج بأنه مجرد عاصفة قتل وإبادة للمدنيين اليمنيين وتدمير شامل للبنية التحتية لليمن ولكل “ما بناه اليمنيون خلال مائة عام” على الأقل، بتعبير الأستاذ.
وبمطالعة سريعة لجانب التحالف وعاصفته فيهذه الحرب منذ بدايتها بمثل هذا اليوم من العام المنصرم، نراه يضم خليطاً متنوعاً من الأدوات المحلية غير المتجانسة، ومتعدداً من القوى الخارجية العربية والأجنبية المتباينة -بما فيها قوات شركات الاستثمار الأمني العسكري الغربية- تنضوي جميعاً تحت قيادة السعودية والإمارات وتحالفهما العدواني المدعوم دوليَّاً من المحور الأمريكي الأوروبي المعادي تاريخياً للقضية العربية والمتضمن بالطبع، ودون مواربة، إسرائيل.
وبأخذ الشق المحلي من ذلك الخليط، نجده يتألف من مليشيات قوات هادي، ومحسن، وحزب الإصلاح الإخواني، والجماعات السلفية الوهابية من دماجية وغير دماجية، والتنظيمات الجهادية الإرهابية من قاعدية وغير قاعدية، والمقاومة الجنوبية من حراكية وغير حراكية، وجماعات أُخَرى قبلية، ويسارية اشتراكية من ناصرية وغير ناصرية، فضلاً عن مجاميع الارتزاق الحُر. وهذه الخلطة العجيبة التي ينتظمها ما يسمى الجيش الوطني والمقاومة الشعبية الجنوبية واليمنية، قد قاتلت جميعها جنباً إلى جنب في خندق واحد بوصفها رفاق سلاح واحد تحت عنوان واحد هو استعادة الشرعية، لكن لأسبابٍ ودوافع شتى متنافرةٍ أحياناً بقدر تباين تلك القوى التي كان لافتاً جداً أن أغلبها إن لم يكن جميعها قد استجاب لدعوة السلفية الوهابية المنطلقة من المساجد إلى الجهاد الديني المقدس ضد الكفار الروافض من الاثني عشرية وشيعة إيران المجوس.
ومع ذلك فإن من أهم ما أنجزه اليمنيون في حربهم الوطنية الكبرى هذه بمواجهة الوصاية السعودية وعدوانها الخارجي الفاضح والفادح على اليمن، إثبات حقيقة ملموسة قل ما التفت إليها الإعلام الدولي سابقا. وهي صلة السعودية بالإرهاب وتنظيماته، وواقع أن من أهدافها وتحالفها في هذه الحرب أن تجعلها حرب استيعاب وإدماج للإرهاب والطائفية في مجتمع مناطق الجنوب اليمني عامة؛ ليسفقط عبر تسليح جماعات السلفية الجهادية وإشراكها في القتال إلى جانب مختلف قوى العدوان ضد الانقلابيين “الروافض”؛ بل أيضاً -وهو الأخطر- عبر تهيئة البيئة الشعبية الحاضنة لها في كل من عدن وتعز والمكلا، وعلى الامتداد الجغرافي والثقافي بين رؤوس هذا المثلث اليمني “الشافعي” كافة.
ولئن لم يجرِ إفشال هذا المشروع بعد، فإنَّ بكشفه وتعريته للدنيا، بحيث بدأ إعلام القوى الدولية المساندة للعدوان نفسه يتطرق له صراحةً، يكون شوطاً بالغ الأهمية قد قُطِع على طريق إفشاله.
إنها حرب عدوان خارجي على سيادة هذا البلد واستقلاله لا تستهدف إعادة سيطرة الوصاية السعودية الخانقة عليه فقط؛ بل تستهدف كذلك تطبيع وجود الإرهاب وتوطينه فيه، بتوسيع وتعميق الحاضن الشعبي له في مجتمع المناطق اليمنية المسيطر عليها من قبل تحالف العاصفة ومؤيديها. وذلك أخطر جوانب هذه الحرب وأنكى وسائلها القذرة، مهما التمس مؤيدو العاصفة للعدوان من المبررات التي ثبت بالملموس اختلاقها وتهويلها، عبر شيطنة الخصم تمكيناً للشيطان الحقيقي من الانتشار وتبريرا لممارسته حرية التوحُّش.
فمَنْ منَّا لم يشهد أو يعلم بشهود أعلام داعش وأخواته إلى جانب أعلام دولة الجنوب السابقة والسعودية والإمارات وغيرها؟!
ومَن منّا لم يسمع أو يعلم بسماع أناشيد السلفية الوهابية والداعشية وهي تصدح من الدراجات النارية والسيارات والمصفحات والأطقم وسيارات الأجرة وغير الأجرة وأجهزة الجوال في أحياء عدن وتعز المدنيتين وغيرهما، وسريانها ناراً في هشيم العامة وبين الشباب والصبيان خصوصاً، وحتى الأطفال؟!
ومَنْ منَّا لم يصدمه -مع كل ذلك- حجم الإقبال على القاعدة وأخواتها بين الصبية والشباب بقدر ما صدمته مشاهد الذبح والسَّحل والحرق وتفجير الناس أحياءً وما شاكلها من ممارسات الإرهاب والطائفية المتوحشة في عاصمتَيِّ المدنية اليمنية؟!.