الصمت …والضوء
لحظة يا زمن
محمد المساح
بعد الواحدة ليلاً , يلف القرية النائمة صمت مهيب وجليل , والقمر في عليائه يسكب أشعته الضوئية فتخال ” الكدرة” المنبسطة أمام النظر “صحن لبن مسكوب “يتماوج سطحه انعكاسات ضوئية ساحرة تدهش العين وتثير عجباً غريباً لسؤال لا تعرف النفس كيف تصيغه.
ذلك الصمت المهيب ..الذي يميز القرية اليمنية وهي تلف حول جسدها خرقة النوم المتواضعة ..يصبح الصمت ناطقاً يثير أكثر من حوار حين يختلط بضوء القمر العابق بالتأمل المنساب على شرفات الليل إن صادف في مروره كائنات ناطقة حاورها بحنان وفي انسيابه المسحور يترك الأسئلة معلقة بلا جواب يثير غرابة ويبعث حيرة سكرى.
يداعب تلك اللوحة ..مرور نسمات خفيفة خجلى تلاطف الأشياء الغارقة في السكون والصمت المهيبين تلك نسمات ليالي آذار الربيعية بخفتها الرائعة لا تقطع أبدا موقف التأمل والخشوع اللذين يسوءان اللوحة الجميلة تلك بظلالها الشفافة وتلك النورانية التي يسكبها ضوء القمر الحاني بياضا يستوعبه الصمت الجليل والمهيب .
تتدفق من بحور الصمت حركات خافته لكائنات الليل الحذرة الهامسة بنفثة هواء وهي تجوب دروبها باحثة عن رزقها المعلوم .
تبدو الأشياء من بعيد ..في ضوء القمر كأنها كائنات حية ..تبدو قمم الجبال أشكال فضائية تنطلق من أمكنتها سابحة كالفراشات لا حفيف لأجنحتها .
يتعمق التأمل ويجري السرحان في الذهن ذبذبات ..كأن بها أسلاك لا ترى توصل عبرها حوار لا ينطق لكنه يجري ويجول يدخل الصمت المحيط ويخرج من الجنبات ويعود ينسل إلى بحر الصمت من جديد .
تتداخل تموجات عديدة في اللوحة صمت مهيب , وضوء قمر مسكوب على سطوح الأشياء فيفيض يعجز النظر عن متابعته أين يختفي وكيف يعود.
في ذلك الصمت المحيط والسحر الغريب يتلبس اللحظة الناطقة صمتاً ..ضوءاً حليباً يتفجر وينبثق من حلمة والليل العابر ربما يجذب معه حلماً لطفل نائم …يحلم بعودة بالون أزرق تفجر عليه وهو يلهو في نهار العيد مع رفاقه ..ربما يعود عليه ثانية ..ربما.